لم ينتفض "شارون" على الماضي السياسي أو يكتب تاريخا على شاكلة ما يريده للمستقبل ... فشارون سيبقى الصورة الأكثر عنفا داخل حركة الصراع بين العرب وإسرائيل، وفي المقابل فإن حركته السياسية الحالية لا تقدم الكثير على صعيد "عملية التسوية" فالمهم هو الموقع الذي يمكن أن نقرأ منه ظهور حزب جديد داخل "الدولة العبرية".

عندما ظهرت "إسرائيل" على خارطة الشرق الأوسط أعطى وجودها تكوينا داخل الجغرافية – السياسية عموما. لأنها هددت بنية المجتمع ليس بتصفيته بالمعنى المباشر، بل بقلب المعادلة التاريخية للمنطقة من خلال "عصبية" جديدة لدولة ذات طابع ديني. وفي المقابل فإن الحركة الاجتماعية داخل الشرق الأوسط كانت تبحث عن صيغة "حديثة" للدولة لا تحمل "الصرامة" الدينية التي ميزت مراحل ما قبل انهيار الدولة العثمانية.

لكن يبدو أن "الصرامة" الدينية "المستحدثة" كانت خارجة عن مفهومنا للدولة الدينية، فشكلت "إسرائيل" لونا غير مفهوم بالنسبة لحركة المجتمع الذي رماها أحيانا في زاوية الاستعمار الكولونيالي رابطا تكوينها بحالة رأسمالية عالية تجسدها الولايات المتحدة، بينما اعتبر آخرون أنها إعادة استنساخ للحروب الدينية على الشاكلة التراثية. لكن حركة الصراع لم تكن واضحة بالنسبة لنا لأن توصيف العدو كان يتأرجح وبالتالي اختلفت آليات التعامل معه ... وربما كان موضوع "السلام" المفاجأة الأساسية لعقلنا الذي تعامل مع "الدولة العبرية" على أساس حرب وجود.

واليوم ما تزال النقاط غير واضحة تماما في طبيعة توصيف "العدو"، رغم المعارك اليومية التي يخوضها معنا في فلسطين على وجه التحديد ... هذا إذا استثنينا "حرب الظلال" المتوفرة كل لحظة عبر أجهزة الاستخبارات التي نقرأ عن قصصها وكأنها من إخراج هوليودي جبار.

صورة "الدولة العبرية" اليوم لا يمكن أن تكون نسخة لما نفكر به، على الأخص أننا لا نحاول تحسين سوية النظرة إليها على اعتبارها "عدو" من منظار "القرن الواحد والعشرين" .. فالسوية هنا تختلف من موقع لآخر. وربما من الضروري الأخذ بعين الاعتبار أن هذا "العدو" حقق نصر الأساسي داخل المجال التاريخي لـ"الحداثة" ولم ينجزها في مراحل سابقة.

ربما لا يستطيع أحد أن ينكر صفة "العدو" لكنه في المقابل لا يستطيع رسم مستقبل هذا العداء، أو هذا الشكل السافر من التحرك الإسرائيلي على مساحات سياسية جديدة، بينما نصفه نحن بأنه ذو طابع تاريخي. فالمسألة وفي شكلها الأولي تبدو متعلقة بنا أو حتى بقدرتنا على استخدام أدوات تفكير قادرة على استيعاب هذا الشكل القائم في منطقتنا والقادر على البقاء كعدو. وفي النهاية فإنه يحاول تقديم نموذج حقوقي لنا في الدولة!!!

العودة للتفكير بما ابتدعه شارون من حزب جديد هي مقدمة فقط لإعادة صياغتنا لمفهوم العدو، لأنه لم يعد اليوم مرتبطا بتفكيرنا فقط، بل بقدرتنا على رسم أنفسنا حتى نستطيع المواجهة... أو تخليق تفكيرنا وبنيتنا للتعامل مع صيغ تزداد غموضا يوما بعد يوم.. مسألة العدو اليوم أساسية للتفكير بأنفسنا ثم بالعدو الذي يحيط بنا.