النهار/روزانا بومنصف

"اخذت سوريا نفسا" بالقرار 1644 في اعتقاد قريبين منها رأوا انها خرقت العزلة الدولية المفروضة عليها بفضل موقفي روسيا والصين ومعهما الجزائر لحسابات قد لا تتعلق بسوريا بمقدار ما قد تكون متصلة بحسابات خاصة بروسيا وأخرى خاصة بالصين، كذلك الامر بالنسبة الى الجزائر. ويجد ديبلوماسيون غربيون غير مقيمين في لبنان ان المجتمع الدولي انقسم اخيرا حيال اسلوب التعاطي مع سوريا بين خيارين: اما "حفظ ماء الوجه" لها بحيث يترك لها هامش للتعاطي بمسؤولية في بعض الملفات المطلوبة منها، واما استمرار الضغوط ، عليها بحجة انها لا تتجاوب مع المجتمع الدولي في اي مطلب الا تحت الضغط، على ما قال رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ديتليف ميليس اخيرا، طالبا من مجلس الامن الضغط عليها للتجاوب مع لجنة التحقيق والا فانها ستماطل حتى يستغرق التحقيق سنتين، وهي المهلة التي يعتقد ديبلوماسيون كثر ان دمشق تتوسلها باللعب على عامل الوقت حتى بروز تطورات وتغيرات دولية تسمح لها بالخروج من عزلتها. وهذه التطورات محتملة على الصعيد الاميركي مع بدء العد العكسي لنهاية ولاية الرئيس الاميركي جورج بوش فضلا عن قرب انتهاء ولاية الرئيس الفرنسي جاك شيراك. وستعمد سوريا في المرحلة المقبلة من التحقيق اذا طلب منها توقيف عدد من مسؤوليها، الى التشكيك في الادلة بذريعة انها ليست ادلة دامغة في رأيها. ويعتقد كثيرون انها ستعتمد الاسلوب نفسه الذي اخرت به التحقيق مع مسؤوليها حتى اللحظات الاخيرة. لكن التحدي هو رد فعل روسيا اذذاك على التعاون السوري ومداه الفعلي بحسب هؤلاء.

وما تراه سوريا في القرار 1644 لا يتفق مع وجهة النظر الديبلوماسية الاوروبية التي لا تعتبر ان في المسألة انتصارا لها بمقدار ما تحاول ان توحيه. فهناك من جهة الجو العربي غير المريح ازاء سوريا والذي كاد ان يتفجر في الاجتماع الاخير لمجلس التعاون الخليجي، لولا نجاح مساعي التهدئة وتخفيف اجواء التشنج في المنطقة. وهناك من جهة اخرى الجو الاوروبي وفي واجهته يقف الفرنسيون ومعهم البريطانيون على مستوى واحد، وهم رفضوا فرض عقوبات عليها كانت تريدها الولايات المتحدة لرغبتهم في بقاء المظلة الدولية الشاملة لموقف الامم المتحدة من سوريا، في حين ان نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني ومعه المندوب الاميركي في الامم المتحدة جون بولتون كانا يودان فرض عقوبات عليها وتوسيع التحقيق في اغتيال الحريري ليشمل حوادث الاغتيال الاخرى وآخرها اغتيال جبران تويني. كما ان واشنطن لا تزال قلقة من استمرار عبور المسلحين الى العراق عبر الحدود السورية في غياب ادلة كافية على عودتهم الى بلادهم. لذلك يستمر الغضب الاميركي من سوريا على حاله.

ما يقوله بعض الديبلوماسيين المعنيين في شأن القرار 1644 ان حكومات بلادهم مقتنعة بأن تقديم لجنة التحقيق الدولية مساعدة تقنية الى القضاء اللبناني للتحقيق في الاغتيالات المتتالية هو أكثر فاعلية من توسيع التحقيق الدولي لاعتبارين أساسيين، احدهما الاعتقاد بعدم وجوب تحويل الانظار عن التحقيق الاساسي الجاري في اغتيال الحريري نحو تحقيقات اخرى لأن ذلك يخدم المتضررين من هذا التحقيق ومن الضروري ابقاء التركيز كاملا على القضية الاساس التي لا يستبعد كثيرون، كما قال ميليس مرتين أخيرا، ان تكون الجرائم الاخرى متصلة بها، فضلا عن ان توسيع عمل اللجنة مكلف جدا ويتطلب مساعي خاصة على هذا الصعيد. وهي الحال نفسها بالنسبة الى المحكمة الدولية التي يفضل عدد كبير من الدول أصدقاء لبنان ان تكون خارج لبنان وليس ضروريا ان تكون دولية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لان هذه المحاكم لم تثبت نجاحها في الواقع.

ويهم الدول الصديقة للبنان ان يتفق اللبنانيون ويعملون على وحدتهم وابقاء الحكومة قدر الامكان بكل مكوناتها بمن فيها الوزراء الشيعة حتى ولو ساء الوضع الحكومي الى ما بلغه اخيرا، لأن وضعها الحالي افضل من التفريط بها، وهم كفيلون من جهتهم بابقاء الزخم الدولي الداعم للبنان على حاله. وفي الوقت نفسه لا تنوي هذه الدول الدخول في مبارزات كلامية ولن تترك نفسها تستفز أو تنجر الى مواقف محددة. ويلاحظ البعض مثلا ان ردود الفعل على دعوة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الى نقل اسرائيل الى أوروبا او تشكيكه بالمحرقة اليهودية كانت أقل حدة بكثير من مواقف أخرى لمسؤولين عرب. ويرجح المتابعون في هذا الاطار ان العرض المتشدد الذي يقدمه الرئيس الايراني يمكن ان يفيد ايران وربما اصدقاءها على المدى القصير وبينهم او في مقدمهم سوريا، لكن الواقع مختلف، وخصوصا في ظل اعتقاد ان أحمدي نجاد يستفز الدول الغربية من أجل دفعها الى عزل ايران فيؤمن اجماعا داخليا من حوله لا يبدو متوافرا في ظل توافق موضوعي بين بعض الافرقاء المعتدلين في ايران وشيعة العراق على عدم العداء للولايات المتحدة، بعدما كان الاحتلال الاميركي معبرا مهما لتسلم الشيعة العراقيين السلطة في العراق.

وبعد ساعات على اغتيال جبران تويني أثيرت تساؤلات ديبلوماسية عما اذا كان الهدف من هذه الجريمة التي تم رفع السقف فيها مجددا عبر أسلوب الاغتيال والشخص المستهدف، استفزازا ورد فعل يراد للمجتمع الدولي اعتماده ازاء هذه الجريمة بالتزامن مع تقديم ميليس تقريره الى مجلس الامن الدولي.

لذلك ليس غريبا ان تختلط الامور على اللبنانيين مع تداخل هذه العناصر كلها من أجل حل أزمة اعتكاف الوزراء الشيعة على خلفية مبدئية هي رفض اعتماد التصويت في بت القرارات المصيرية في مجلس الوزراء والتي تشعبت لتشمل جملة مسائل اقيلمية ودولية.