الدستور/ حياة الحويك عطية

اهي من باب المفارقة المصادفة ان تترافق زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى مصر ، مع تصويت الكونغرس الاميركي على قرار شديد اللهجة ضد مصر ؟ وهل تكتمل المفارقة عندما يكون النائبان اللذان قدما مشروع القرار هما اليانا روس وجاري ايكرمان ، وكلاهما من المجموعة التي رتبت قانون محاسبة سوريا ، كما ان روس هي التي نظمت في الكونغرس الاميركي نشاطات اللبنانيين المعادين لسوريا بعد 11 ايلول . وكانت وراء النشاط الحثيث لادراج حزب الله على قائمة المنظمات الارهابية . وهل لاحد ان يتهمنا بالهاجسية عندما ننتبه الى ان روس وايكرمان هما يهوديان صهيونيان متشددان ؟ هل يمكن الا يذكرنا ذلك بعنوان معاريف خلال الحرب على العراق : اليوم العراق وغدا سوريا والسعودية ، اما مصر فهديتنا الكبرى ؟

التكتيك الاميركي بالنسبة للاهداف الثلاثة الاخيرة ، يختلف بالطبع عن ذلك الذي اتبع في العراق . فاذا كانت القوة والعناد العراقيين قد استحقا حربا اميركية عسكرية دفعت الولايات المتحدة وما تزال تدفع ثمنها غاليا ، فان ما بعد سقوط الجدار الاستنادي لم يعد يقتضي الحرب وانما تتحقق الفائدة الاقل تكلفة بالضغوط السياسية والاقتصادية . ضغوط لا تكتفي الولايات المتحدة بان يكون من يمارسها هو واشنطن وحلفاؤها الغربيون ، وانما تحتاج لها ، واستكمالا لعملية الخنق الى ايد عربية تساهم في الضغط على العنق ، الى تحويل الانظمة العربية الى عصي بيد الانكل سام او الانكل يهوه ، يضرب بكل منها راس الاخر . وبما ان الدور الان هو على سوريا فان المطلوب من مصر ان تتجاوز دور السمسار الاقليمي الى دور اشد قساوة واكثر حماسا في الضغط على عاصمة الامويين . وهذا ما يتأمن بشكل نموذجي عبر تشديد الضغوط على نظام حسني مبارك ، بحيث تشكل هذه الضغوط ، اضافة الى دورها المرسوم حاليا ضد سوريا والفلسطينيين والعراقيين ، تمهيدا لما يمكن ان يمارس ضد مصر نفسها في المستقبل .

النظام المصري مطالب اليوم ، لقاء حياته ، بلعب دور متعهد السياسة الاميركية ، من مؤتمر ما سمي بالوفاق الوطني العراقي ، والذي لم يكن في واقع الامر الا تهيئة الارض للعملية الانتخابية الاميركية في العراق ، وانقاذا لجورج بوش الغارق في المستنقع العراقي ، الى الادوار المعروفة بالنسبة للسلطة الفلسطينية ، والى النصائح والضغوط التي تمارس على بشار الاسد . والنظام المصري يفهم هذا المطلب ويسعى بكل جهد دؤوب الى تلبيته ، لكن قادة سياسة الدولة الكبرى في العالم العربي ، لا يتروون قليلا ، لينظروا في وجه بشار الاسد ، ويروا فيه وجه ابيه الذي وقف معهم في الطابور الاميركي في حفر الباطن انطلاقا من الحسابات نفسها ، الحسابات التي توهم اصحابها بأن تقديم خدمات للاميركيين والصهاينة يمكن ان تغير شيئا في استراتيجية هؤلاء تجاه المنطقة .

الم يعتقد حافظ الاسد انه بموقفه ذاك انما ينقذ سوريا ؟ وها هي الصورة تكتمل ، صورة الدور - الطابور الذي لا يحدد المواقع فيه الا من رسمه ، ولا يقرب او يبعد موعد الاستحقاق الا انشغال هذا الرسام باستكمال المحطة السابقة . عندما سقط العراق جاء دور سوريا وعندما تسقط سوريا سيأتي دور السعودية ومصر . الم تكن الصحافة الاسرائيلية واضحة ومباشرة في رسم المخطط البياني ؟ غير ان ذلك كله لا يلغي حقيقتين وجوديتين : الاولى ان المخطط الاميركي الصهيوني انما يعبر الى تحقيق مآربه انطلاقا من نقاط الضعف التي رسخها النظام العربي وما يزال يفعل ، والثانية ان العامل الوحيد الذي يمكن ان يقلب الطاولة هو مقاومة المخطط لا الاستسلام له ، مقاومة تبدأ من معالجة هذه النقاط ، وتنتقل الى مواجهة ترفض الانصياع الى الاميركي ، ولعب دور العصا التي تكسر ظهر اهلها . فهل يستطيع نظام حسني مبارك او أي نظام عربي اخر ان يفهم ان التنازل للداخل هو السبيل الوحيد لعدم الاضطرار الى التنازل للخارج ؟

لبنان وسوريا بين مطرقة التدويل وسندان الانفصال
الدستور/ د. نوال الفاعوري

أثناء الحرب الأهلية اللبنانية كان التدخل السوري هو البلسم الشافي لوقف هذه الحرب المدمرة وبموافقة عربية ومباركة دولية و الأهداف كانت تخدم الجميع ، وقد تبع ذلك التدخل اتفاق الطائف الذي اخرج لبنان من ذلك المأزق السياسي مؤقتا واتفق حوله اللبنانيون جميعا ولو على مضض من بعض الأطراف ولكنه على كل حال المخرج الوحيد من الكارثة التي وجد اللبنانيون أنفسهم فيها وكان الهدف من هذا الاتفاق إخراج لبنان من نزاعاته الطائفية إلى رحاب المواطنة والتوافق الذي يعتمد الولاء للوطن الأساس الوحيد لبناء لبنان الموحد والحديث مع الابتعاد التدريجي عن قصة المحاصصة الطائفية التي لم تستطع أن توصل لبنان إلى بر الأمان ورحاب التقدم العلمي والحضاري خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة بالرغم من الحلول المسكنة التي جلبتها في بعض الظروف.

لكن الذي حدث أن الوجود السوري قد أطفأ بؤر التوتر والقتال المشتعلة في ذلك الوقت دون أن يحدث تقدم حقيقي في المجال السياسي من خلال تطبيق اتفاق الطائف الذي يفترض فيه تلقي المحاصصة الطائفية تدريجيا وان يحل مشكلة السلاح وان يضع قوانين انتخاب وأحزاب عصرية ترضي جميع الأطراف وتأخذ هذه البلد إلى مجال الديمقراطية الليبرالية الحقيقية لكن شيئا من ذلك لم يحدث لعدم جدية الأطراف العربية والدولية الراعية ولتقاعس بعض الأطراف اللبنانية عن المضي قدما في تطبيق هذا الاتفاق لكن برغم من كل ذلك ففي فترة الهدوء التي أعقبت التدخل السوري حقق لبنان وبمساندة سورية وبتعاون كامل مع الحكومة اللبنانية انجازا تاريخيا بتحريره معظم جنوب لبنان المحتل بواسطة المقاومة اللبنانية والتي شكل مقاتلوا حزب الله عمودها الفقري .
ولكن عدم التقدم في المجال السياسي والتشريعي قد أحال الوجود السوري إلى عبء على بعض اللبنانيين إذ كانت نشاطاتهم تهتم بشكل رئيس في المجال الأمني وأخذت فئات لبنانية كثيرة تشعر أن هذا الوجود البعيد عنها قريب إلى غيرها ولذلك تصاعدت الاحتقانات وتجذرت الاختلافات بين هذه الفئات والوجود السوري خاصة العسكري والأمني والتجاري وقد ظهرت هذه الخلافات الحادة للعيان عند التمديد للرئيس اللبنانية إميل لحود وصدور القرار 1559 حيث شعرت بعض الفئات اللبانين أنها ليست سيدة في وطنها وان هناك من يرسم لها مستقبلها من خارج الأرض اللبنانية حول موضوع التمديد حتى أن بعضها قد وافق على التمديد دون قناعة أو رضا.

وتحت وقع الضغوط الشديدة وأمام هذا الطريق المسدود وبين بعض اللبنانيين والقيادات السورية جرى البحث عن الحلول وما دامت هذه غير متوفرة لبنانيا ولا سوريا أصبحت الطريق سالكة باتجاه الخارج الذي كان ينتظر فرصته بفارغ الصبر فسارع في إصدار القرار 1559 وبعد فترة وجيزة جرى اغتيال الرئيس رفيق الحراري مما سهل وضع الأمور في يد التدويل الذي كان يملك من الرغبة العارمة والقدرات السياسية والدبلوماسية والاستخباراتية والاقتصادية ما يمكنه من التحكم بالأحداث وأخذها بالاتجاه الذي يخدم أهدافه ومصالحه والمشكلة في التدويل أن مؤسسات الأمم المتحدة لم تعد تملك استقلالية أو شفافية حقيقة في التعامل مع القضايا و القوانين الدولية لوجود قوى مهيمنة تمول هذه المؤسسات وتشارك في تعيين موظفيها ولكنها عادة ما تستغل ذلك لتحقق مصالحها ومصالح حلفائها في السياسة والايدولوجيا خاصة عندما يتعلق الأمر بدول ضعيفة ومستهدفة كالدول العربية والإسلامية .

إن من يمعن النظر في المشهد السوري واللبناني يتبادر إلى ذهنه مشاهد تكررت في الماضي القريب في أفغانستان والعراق حيث كانت الأمور تسير بسذاجة وعفوية وفردية مفرطة حيث استغلت استغلالا بشعا من قبل الدول الكبرى المهيمنة وتحت غطاء القرارات الدولية أحيانا وبدون هذا الغطاء أحيانا أخرى لتحقق أهداف إستراتيجية بعيدة المدى بينما تصرفت الإطراف الإسلامية والعربية بالدوران حول ذاتها وعلى مشاعر الكبرياء الفردي أو الفئوي بالرغم من إدراكها لفداحة الثمن الذي ستدفعه الأمة مجتمعة نتيجة لهذه النزوات.

تتكرر هذه الأحداث المؤلمة للأسف الشديد في كل حين أمام أعيننا دون أن نستفيد من نتائجها ودون أن تحرك فينا بواعث العمل المدروس والايجابي والآن يراد لها أن تكون في لبنان وسوريا بالرغم من وجود بعض القوى اللبنانية الحية والواعية والتي تحاول بالقول والعمل ودون كلل أو ملل وقف هذا التدهور لكن ما نخشاه أن إمكانيات القوى الدولية الطاغية وعمى البصر والبصيرة عند بعض الأطراف العربية أن يصل دعاة التدويل إلى أهدافهم ولذلك فان الوضع جد خطير وقد يدفع سوريا ولبنان إلى أتون فتنة كبرى لن نسلم من نتائجها نحن هنا في الأردن ولا في أي قطر عربي أخر وأمام تكرار هذه المشاهد وبمبادرات داخلية فلعلنا نسال أنفسنا ماذا عملنا نحن كافة لمنع تكرار ذلك وغلق الأبواب أمام المتربصين بهذه الأمة والمتخاذلين من أبنائها .

لا شك أن هناك إدراكا لخطورة الوضع فهناك دول عربية تبذل جهدا في هذا الاتجاه لابد أن تشكر عليه وان يسجل لها لكن مشاكلنا وقضايانا معقدة إلى درجة أنها بحاجة إلى أكثر بكثير من هذا الجهد المبذول وبحاجة إلى التصالح بين مكونات الأمة مواطنين ومسؤولين والقبول الطوعي التام بما تفرزه صناديق الاقتراع ودعوة الشعوب لتقول كلماتها وتتحمل مسؤوليتها دون انتظار احد ليعلمنا طرق الإصلاح السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي واعتمادا على رأي الأغلبية ومشاركة الأقلية بأمانة كاملة وعزم وتصميم قال تعالى (( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا )) صدق الله العظيم .