نجيب نصير

نبدو نحن الشعوب الناطقة بالعربية وغيرها من سكان العالم العربي، كمن لم يبارح ارتباكه وتردده في تعريف الأشياء التي حملها نابليون إلى هذا المكان المنكمش على ذاته، المكتفي بذاته لدرجة يمكننا معها ان نصنف سليمان الحلبي ( الذي قتل الجنرال كليبير آنئذ ) تارة كغيفارا، ومرة كقعقاع، وثالثة كاستشهادي حديث /قديم حسب المزاج، وحسب المط الفكري الأخلاقي الذي سوف يفسر هذه الأمثولة أو تلك.

منذ قدوم نابليون ونحن لا نعرف ماذا نريد، ولا إلى أين نتجه، ولم يتبلور لدينا أي مفهوم تجاه المطبعة أو المدفع، لم نعرف ماهيتهما، لم نعرف وظيفتهما، ولا نتائج استخدامهما. ومع ذلك وبقوة العصر تم إدخالهما إلى حياتنا العمومية كمثال على تمدننا. ولكن النتائج كانت مبهرة بتعاكسها مع مفهومي المطبعة والمدفع ( الرمزيين إذا شئنا )، لدرجة اننا استخدمناهما ضدنا نحن ( وليس ضد أنفسنا فقط )، عبر تغيير جذري لتعرفهما كأداة، ومن وقتها لم تعد الأسماء الدالة على الأدوات تعني ذاتها حتى في اصغر تفاصيل حياتنا اليومية، لأن أي استخدام لأداة في وضعها وطريقها الصحيح يفتح الاحتمال على عيب يشبه الخيانة المسمى التماهي بالغرب، على طريقة نكاية بالطهارة سوف أتبول في ثيابي، فما دام نابليون معتد ومحتل فكل نتائج زيارته للشرق باطلة بما فيها القوة التي ظهر بها كمثال على مصير الأمم التي تسعى للحياة، لذلك بدا لنا ان التغيير في طريقة استخدام الأداة هو رد على الاحتلال والظلم كطريقة مشرعنة وشعبية ومفهومة، ولذلك بقي رد الفعل هو أقصى أفعالنا شرفا وإخلاصا، وبقي الكلام الصحيح منسوبا إلى أي ماض هو نبراس التوجه وقوت القلوب، لنتشظى ثقافيا ومعرفيا كظواهر صوتية أولا ثم كظواهر صوتية مصورة.

ما بقي من نابليون هو العداء، ما بقى من نابليون هو الشكوى من جور القوي على الضعيف، ما بقي من نابليون هو انه ( كان ) مخطئا وسوف يظل مخطئا عبر خلفائه، ما بقي من نابليون هو تلك التربية المجتمعية التي تفرح وتطبل وتزمر لمعالجة نتيجة ما أو جزء منها دون أي تفكير بالأسباب … انها لوثة نابليون التي جعلتنا نحمل طائراتنا وسياراتنا وكومبيوتراتنا ( المطبعة والمدفع ) ونهرب إلى زمن هو ما قبل مجيئه، حيث نلعب مع ابنا الخليفة العباسي أو الأموي أو الفاطمي بأدوات لن يستطيع الحصول عليها إلا إذا أصيب بلعنة نابليون.