إيلاف / نزار جاف

سأل البعض إمرأة كنت تدعى "لبيبة" ك مرة تزوجت خلال حياتها، فأجابت؛ بأنها لم تتزوج سوى مرة واحدة. وحين سألوا أختها "زبيبة" نفس السؤال، أجابت بسرعة؛ أنا ولبيبة تزوجنا عشر مرات لحد الان! هذه النكة تذكتها وأنا أتابع تلكالصلافة و الصفاقة و الغطرسة التي تزداد يوما بعد آخر عند زمرة شذاذي الآفاق و قطاع الطرق الذين رماهم الدهر على أکتاف العراقيين طيلة35 عاما، وهم يواجهون جريرة أعمالهم الاجرامية التي بيضت وجه ك طغاة و جبابرة العصور. وك ضحك ملء أشداقي وأنا أتابع تلكالمحاضرات الرصينة في الوطنية و التأريخ و الاخلاق والقيم التي مافتأ الدكاتور المخلوع و أخوه غير الشقيق برزان يلقيانها عبر جلسات المحاكة، برزان هذا الذي تقمص جلد شاة و يحاول الدفاع عن التأريخ والقيم و الاخلاق الاصيلة، هو ذاته الذي روى مسؤول في القصر الجمهوري قبل أيام لصحيفة الحياة، عن ذكرياته في القصر الجمهوري وكيف أن أب و إبنه كانا معتقلين في القصر الجمهوري(!!)وينتظران النهار حتى يتم إحالتهما لمحكمة للنظر في أمرهما"بحسب ما يروي ذلك المسؤول السابق"، لكن برزان حين رجع ثملا للقصر ووجد ذلكما الشخصين وإستفسر عنهما، وما أن أخبروه حتى أخرج مسدسه الشخصي و أفرغ عدة رصاصات في الاب و الابن ليرديهما قتيلين، ولسان حاله يقول أنا القانون وأنا بداية الامور و خواتيمها! هذا الرجل الذي ينسى في غالب الاحيان أنه تقمص جلد شاة وبات من ضمن النعاج الوديعة، يكشر عن أنيابه المخابراتية و يقذف لسانه أقذع الافاظ و أنتنها بوجه الشهود، وكأنه فرعون زمانه وليس سوى مجرم وضيع في قبضة العدالة! الذي كان يلفت النظر هو ذلك الانبهار الممزوج بفرح غريب في عيون الدكتاتور وهو يتابع دور برزان بكل دقة. إن الذي يدعو للإستهزاء و السخرية، هو أن يرافع كل من صدام و برزان عن التأريخ و القيم ويحاولان الايحاء بأنهما يتكلمان من موقف"القوة و الإقتدار".

عن أي تأريخ يتحدثان؟ والى أية أخلاق يشيران؟ التأريخ الذي جعل العراقي عالة في إيران وبات الايرانيون يتأففون من كل ماهو عراقي!! التأريخ الذي جعل الخوف و الرعب مخيما في لا في البيوت و الازقة و الشوارع و الاسواق، وإنما حتى في أسرة النوم الزوجية! التأريخ الذي نجده مكدسا في القبور الجماعية في طول و عرض العراق، أم التأريخ الذي نجده في تشتت أكثر من مليوني عراقي في مختلف بلدان العالم هربا من مستقبل مجهول في ظل طاغية أرعن. وعن أية أخلاق يتحدث أبناء "صبحة"، هل هي تلكالاخلاق التي كن صدام يحملها أيام كن يسرق الدجاج من بيوت الناس في العوجة ويبيعه في الاسواق؟ أم عن تلك الاخلاق الحميدة التي كان يحملها سليل الحسب و النسب و"طيب الذكر" عند العراقيين؛ عدي أبن الطاغية الذي كانت مآثره و مناقبه تملأ الآفاق حتى صار من كثرة تداول أخبار فتوحاته و بطولاته يكاد يكون"متنبي"زمانه إذ صار حديث الدنيا و شاغل الناس، وكل العراقيين يتذكرون موقفه الجليل و الاخلاقي جدا من عمه"وطبان"حين كاد أن يرديه قتيلا لولا أن أخطأت الاطلاقات الموجهة من البندقية الرشاشة لعدي أماكن جسده الحساسة وتستقر في رجله! أو عن تلك الاخلاق النبيلة التي تجسدت في عهود الامان التي قطعت لحسين كامل حسن و أخوه ثم فتكوا بهما بصورة بربرية تتفنن بها دوما الاخلاق العوجوية. صدام الذي تحاجج بأنه كان يدافع عن شرف العراقيات بعد أن صار الكويتيون ينالون منهن وطرهم لقاء عشر دنانير، لم يبين السبب الحقيقي لوصول العراقيات الى هذا الدرك، ويحاول على طريقة"زبيبة" آنفا أن يدافع عن نفسه! إنها والله لمهزلة ليست بعدها مهزلة، وأقول مهزلة لأن صدام و بطانته الغبية و الجاهلة لم يفقهوا لحد الان العلة و الهدف المرتجيين من وراء المحاكمة. إنهم يصولون و يجولون و يقولون كل ما يحضرهم من الكلام من دون وجل.

وهؤلاء السذج الاغبياء، حين يذكرون أن هذه المحاكمة هي للتأريخ، فإن طبيعة رؤيتهم الضحلة للأمور تجعلهم لا يعون من الذي أقام هذه المحكمة و يحميها. لقد كان برزان مصيبا جدا حين قال ماقال عن دموية العراقيين، ذلك أنه لو كان وقع"وأخوه الدكتاتور" في أيديهم لكان للموضوع شأنا مختلفا عن الشأن الحالي، وحتى لم يكن بوسع العالم أن يشهد الاداء المملوء طيشا و نزقا للدكتاتور. أمريكا هي التي وضعت و رتبت كراسي المتهمين من شلة دكتاتور بغداد الارعن بهذا الشكل، وهي التي تحميهم من نيران غضب العراقيين، وهي التي تسمح لوسائل الاعلام العربية بنقل تفاصيل المحاكمة. واشنطن ومن خلال هذه المحاكمة، ترسل رسالة فيها الملامح التي يجب توفرها في الأنظمة السياسية بعد إجراء الاصلاحات التي"ترتأيها أمريكا"في بلدان المنطقة. صدام في واقع أمره ليس سوى مجرد "أراجواز"محدود الحركة و الارادة، وإن خطاباته الحماسية الإنفعالية لن تكون في المستقبل إلا نکت"ممجوجة"يوردها کل طالب دراسات عليا بصدد المرحلة الدموية السوداء لهذا الطاغية المجنون. غير أن الذي يجب ملاحظته هنا، هو تشبث صدام و شلته بالقيم و الاخلاق العراقية، وحين يصف برزان العراق بحمام الدم بعد إبادة العائلة المالکة العراقية، فإنه بهذا يذکرني بالنکتة التي أوردتها أعلاه، وقطعا سوف يدرک القارئ الکريم أنني أضع صدام و عصابته في صف زبيبة!