د . م . نبيــــل طعمـــــة

علمتنا الدساتير القانونية والخبرة الحياتية المتوارثة عبر الأجيال أن الجاني دائماً وعلى مّر العصور يدور في فلك الجريمة ويختبئ تحت مظلتها يتابع تفاصيلها يعيش ضمن مسرحها بكونه أحد أهم شخوصها ولاعبيها الأساسيين فإن غاب قد تفقد لاعباً من لاعبيها الأساسيين والذين سرعان ما تشير إليه أصابع الاتهام وينكشف .

لذلك نراه لايبتعد عنها وإن ابتعد عنها تكون عيونه وأصابعه مراقبة وملامسه لها وأدواته تخبره بما يحصل أو قد يحصل وكلما اقترب البحث من اكتشافها تراه يسارع لطمس المعالم وإبعاد الشبهة وإشغال الآخرين بافتعال أحداث وهوامش فلا يبتعد عنها بكونها ملاحقة وتؤرق جفنه وليله ونهاره .

ملكاتها وأرواحها تجذبه ولاتدعه يبتعد ومهما حاول أن يغادر مسرحها لايستطيع فذاكرته وعقده النفسية المتولدة عن جريمته وفعلته لاتسمح له بالإبتعاد بل تدفعه لإنشاء الشبكات العنكبوتية والأدوات المشبوهة المتولدة من الجريمة بكونه قادر على تبنيها والإنفاق عليها فهي لاتعيش إلا تحت ظل وظلمة تسمح لها بالامتصاص وبحكم الموروث المادي الكبير من التركة المسحوبة في الأساس من دماء البسطاء والشرفاء والأوفياء لتبقى جريمته في كنفه وتحت سيطرته ولتبقي له القدرة على متابعتها بتفاصيلها وإدارتها . فلا أيها الجاني ومن معك من جناة مهما تقنعت بالوسامة ومهما ترصعت وتلونت وتزيفت مع محيطك اللامنتمي أصلاً مثلك يجب أن تعلموا أنكم والجريمة ملتصقون وأن هذه الأدوات المحيطة هي أدوات الجريمة ومنفذوها تتفاعل معك وتشاركك العويل والصراخ كالغربان وتَذُرُّ الرماد في العيون وتحاول إغلاق الجفون لتنطق بلسان العماء عن الحقيقة فالحقيقة بصر وبصيرة يراها المخلصون الشرفاء لا كما ترونها .

رويداً رويداً ستنقشع الغمامة لتبدأ الحقيقة بالإشارة إلى هذا وذاك فمواخير ماربيا ومدريد وبيغال باريس والبغاء الذي يجتمعون على طاولته وعقدة الأب الوهمي وعلاقة الهدايا الأنثوية ومحاولات قتل الإبن لأباه في لحظات ريح عربدة سُكْرِيِّه أو خدرة بالأفيون والماريجوانا الأميركية .

إن الإمعان في الحقيقة يرينا أكثر من هذا والعجب لمن يشتري العبد بماله ولايشتري الأحرار بفعاله وإن دَلَّ هذا على شيء فإنما يدل على أنه ممتلك للعبودية في الأصل وهذه العقدة ترافقه فلايشتري العبد إلا العبد .

ياأيها الجاني ومن معك من جناة ، ماذا لديك وماتحمل في جعبتك فإذا نجحت في شراء شخوص طيبة لتبقي وجودك في مسرح الجريمة لن تشتري الضمائر وإذا تطاولت أنت ومن معك لتأمين الرغيف فإن أمَّنته اليوم وديناً فلن تستطيع تأمينه غداً وإذا فكرت بتسييج بلدك وأن ترمي له الفتات بالمظلات فهذا دليل ضعف خبرتك فمن معك من أدوات يقودونك فما هي خبرتك بهذا الضعف وأين أنت ومن أنت وإلى أين أنت طائر في حلمك اللامتحقق فقل لي من تعاشر أقل لك من أنت وقل لي في أي بيئة ترعرعت أقول لك كم تستطيع أن تفعل ومن أي مدرسة نهلت أُقَّدر وزنك الفكري وقيمتك وأي جغرافية أنجبتك أعرف انتماءك الحقيقي .

ها نحن قد بدأنا البحث والتقصي من مسرحك وعلى قاعدة ( من فمك أدينك ) فعبث الطفولة يؤذي الرجال بكون الرجولة مقدرة وقوة صبر واحتمال وبكون الرجولة عطوفة وأمنية ولها من بعد النظر مالا يستطيع الصغار رؤيته وفعل الكبير هو البحث العاقل عن السبب فهو لايعيش معلومة وهمية ولايعيش ضمن الأمنيات الممزوجة بالرغبات المملوءة بالضغائن والأحقاد وعندما يبحث عن الحقيقة يعمل بهدوء وصبر وبُعْد نظر يأخذ بإعتباره الظروف المحيطة والمعطيات والمستجدات وعناصر الضغط والإنفلات . ففعل الرجل الكبير هو امتصاص الصدمة .

فعندما تكون الصدمة كبيرة والجريمة أكبر يستوعبها كي لاتجرفه قوتها ومن ثم يبحث عن الأسباب والمسببات وما الذي أوصل هذا الأمر إلى هذا الحدوث فالمافيا الدولية ومافيا المال والأعمال ودورها من ضمن عناصر الجريمة وعين الحقيقة ، والبحث عن الحقيقة لايمكن أن يتم من خلال الصغار فالأمر بجدية يحتاج لرجال كبار وكم هم قليل الآن في محيط مسرح الجريمة وكم الصغار يلعبون في مسرحها .