الاتحاد

سيتمكن البلجيكي سرج براميرتس الذي عين رئيساً للجنة التحقيق الدولية بقضية مقتل الرئيس الراحل رفيق الحريري خلفاً لديتليف ميليس من ممارسة كل هواياته التي يتميز بها حيث وصلت الى بيروت لائحة كاملة، بما يتميز به الرجل من هوايات في الرقص والرياضة والمأكولات والفنون• لكن هل سيتمكن من أن ينهي مهمته خلال مهلة الستة اشهر التي أعلن مقدماً وقبل أن يصل العاصمة اللبنانية انه لن يزيد عنها يوماً واحداً•

ربما سيندم سرج على ما أعلنه مبكراً وسيجد في هذا البلد ما لم يكن يتوقعه ويفضل البقاء فيه طويلاً• سيجد من يرقص معه كما سيجد من يراقصه، وسيجد من يأكل معه ويشرب أجود أنواع النبيذ، كما سيجد من سيأكله شخصياً إن استطاع، وسيتمكن من زيارة المعارض التشكيلية وما أكثرها تماماً، كما سيفاجأ بالمشهد السياسي التشكيلي اللبناني بكل ألوانه وأطيافه الطائفية والمذهبية• وسيتمكن من صرف بعض من راتبه بالليرة اللبنانية، كما سيجد من هو مستعد لصرف كل مبادئه من أجل هذه الليرة•
الرجل آت الى الفسيفساء اللبنانية كما فعل سلفه ديتليف ميليس الذي دخل ذئباً أو ثعلباً كما وصفه البعض وخرج كما لو أنه أصيب بانفلونزا الطيور ليضرب أخماساً بأسداس حول ما يتميز به هذا البلد••ها هو ميليس في برلين يؤنس زوجته التي قيل أنها أصيبت بالاكتئاب لوحدتها بعيداً عنه، وها هو كما قال لبعض الصحف الالمانية سيتفرغ لكتابة مذكراته حول لبنان وإن أعترف أنه مشتاق فعلاً للطعام اللبناني••فقد حاول طويلاً أن يشرح لزوجته كيف يصنع الحمص اللبناني والتبولة، كما سعى لإقناعها بأن هناك من في هذه الدنيا يأكل (السودة النية) فور أن يذبح الخروف•• ثمة من يقول أن الأكل اللبناني يفسد المعدة كما يفسد المزاج أحياناً ••• مع أنه طيب•
••ذلك الوجه المريح
سرج براميرتس يملك وجهاً مريحاً ربما تظهر قسماته بعض البشاشة أكثر مما ميز وجه ميليس الذي بدا فعلاً كوجه ذئب آتٍ من صقيع سيبيريا• لكن أحداً في بيروت لا يستطيع الادعاء بأنه يعرف شيئاً عن الرجل ومن أين سيبدأ•
إن بعض القوى التي وجهت ملاحظات حادة لميليس بل اتهامات على أنه انطلق في تحقيقاته نحو وجهة معينة واحدة هي سوريا تطمح بأن يعمد سرج لانقلاب جذري في بنيوية التحقيق• ان يبدأ من النقطة صفر وأن يسعى الى إحداث تحول شامل في أساس التحقيق ومساره على أمل أن يلتقط شيئاً مختلفاً عما فعله ميليس خلال مهمته•
بالمقابل يأمل فريق تيار المستقبل وبعض القوى المتحالفة أن يكمل المحقق البلجيكي من النقطة التي وصل اليها ميليس أي أن تبقى الشبهة على السوريين وعلى من تمَّ تحديدهم من اللبنانيين، وأن لا يأخذ التحقيق مسارات جديدة حتى لا تحدث انقلابات في المفاهيم السائدة على الساحة اللبنانية•
إن كلمة السر ستظل في جعبة المحقق البلجيكي، وإن كان واضحاً ارتباط بعض المؤشرات الإقليمية بمسار التحقيق وهو ما يدفع بعض المراقبين في بيروت الى التأكيد بأن فترة الأشهر الستة القادمة ستكون حاسمة فإذا نجحت تسوية ما تعمل أكثر من جهة على تحقيقها فإن بعض ما يتعلق بالتحقيق سيأخذ طريقه نحو مسار محدد وقد ينهي عندها المحقق البلجيكي هذا التحقيق، أما إذا ما بقيت الأمور مفتوحة على ملفات أخرى ولم تنجح الوساطة المصرية - السعودية المدعومة اميركياً فإن الأشهر الستة مرشحة لأن تمدد ايضاً من قبل مجلس الامن الدولي وعندها سيكون على هذا المجلس أن يختار رئيساً جديداً للجنة التحقيق وأيضاً عندها سيبدأ الحديث مجدداً عن أسلوب محقق آخر ولجنة أخرى ومهلة تمدد ويظل لبنان معلقاً على احتمالات قد لا تنتهي وفق ما يشتهيه البعض• لقد تداخلت اللعبة السياسية الداخلية مع مسار التحقيق واللعبة الاقليمية ايضاً خاصة حيال ما يشهده العراق من تحولات وطبيعة الدور الاميركي في كل ذلك، الى جانب ما تطمح اليه باريس وما تسعى للقيام به كل من مصر والسعودية، وهذا يعني أن الوضع سيظل تحت تأثير التجاذب دون استبعاد أي تطور أمني مفاجيء قد يترجم بما جرى للنائب والصحفي جبران التويني• وقد لا يختلف اتفاق من اللبنانيين على أن أحداً لن يضمن عدم تجدد عمليات التفجير او الاغتيال بسبب هذا الوضع الذي لا يزال مكشوفاً•
الصراع الداخلي
إن الصراعات الداخلية تحت عناوين مختلفة ومنها ما واجهته حكومة السنيورة من مقاطعة أو الخلاف على التعينات الأمنية أو محاولة إقصاء فريق سياسي كامل عن التوازنات الداخلية إنما هو انعكاس لهذا الواقع ومجرد عناوين صغيرة تحت مظلة عناوين أكبر تتعلق بمسار الوضع برمته على الخط الممتد من العراق الى لبنان وفلسطين مع ما يعني ذلك من الصدام الاميركي - السوري - الايراني والقوى المتشددة ايضاً•
إن الداخل اللبناني يبدو أنه بلا سقف، فحتى الساعة لا يزال الخلاف حول رئاسة الجمهورية قائماً بين من يريد إنهاء ولاية الرئيس اميل لحود ومن يرفض ذلك، بين من يريد تغيرات أساسية انطلاقاً من المناخ القائم حول اتهام سوريا بعملية اغتيال الحريري والاغتيالات الأخرى وبين من يرفض ذلك ويقاومه• ولا يزال الخلاف دائراً بين القوى المتحالفة على الارض بما يسمى فريق 14 مارس أو 8 مارس وايضاً داخل كل فريق• فالخلافات بين صفوف 14 مارس هي اشد مما بين الفريقين السابقين وخاصة بين تيار الجنرال النائب ميشال عون وقوى اخرى، حيث يعتبر عون أنه هو من صنع 14 مارس وأن بعض القوى المنخرطة فيه تتحمل مسؤولية كبيرة عما كان عليه الوضع قبل خروج السوريين وبعد ذلك•
إن الانقسام الداخلي الحاد سيظل كما يبدو على ما هو عليه دون أن تكون هناك قدرة على ضبطه بما يهدد بإمكانية حصول نوع من الفلتان الامني كأنعكاس للفلتان السياسي على خلفية واقع إقليمي معقد، ولهذا جاءت مبادرة السعودية ومصر لترميم هذا الواقع انطلاقاً من تخفيف الاحتقان القائم في العلاقات السورية - اللبنانية والتي هي أوج أزمتها مع استمرار الحملات الإعلامية والسياسية التي تمارسها قوى عديدة ضد سوريا المتهمة من قبل فريق 14 مارس بأنها هي وراء كل ما يجري في لبنان، فيما تحاول قوى اخرى نفي ذلك• لقد دخلت قضية ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا على خط العناوين الساخنة للأزمة، انطلاقاً من الموقف حيال مزارع شبعا ايضاً، حيث تطالب بعض القوى المعارضة لسوريا والاعلامية منها تحديداً موقفاً سورياً واضحاً من مسألة ترسيم الحدود• وتجد بعض هذه القوى أنها قادرة على إحراج سوريا في هذه المرحلة سواء لجهة ترسيم الحدود او ربط ذلك بإصدار وثيقة خطية حول لبنانية مزارع شبعا دون الاكتفاء بما أعلنه وزير الخارجية السوري فاروق الشرع في برشلونة• ولهذا تبدو المهمة المصرية - السعودية الآن هي في التخفيف من حدة الاحتقان ومحاولة إقناع كل الاطراف بأن ترسيم الحدود يجب أن يتم بعد أن تتراجع الأزمة القائمة لأن المنطق يقول ذلك باعتبار أن لبنان ليس في حالة حرب مع سوريا وإن كانت الحملات السياسية المتبادلة بين البلدين تظهر وكأن الحرب اندلعت فعلاً•