معاريف

ليس ثمة شك في أن صحيفة "نيوزويك" الأميركية تنشر قصصاً لا أساس لها، فالاقتباس من الأقوال التي قالها مستشار استطلاعات الرأي لرئيس الحكومة كلمان غاير للصحيفة، هو اقتباس موثوق بحسب جميع الآراء، وبحسب ما نُشر، فإن الحل السياسي لرئيس الحكومة، اريئيل شارون، يُمهد لاقامة دولة فلسطينية فوق 90 في المئة من مساحة الضفة الغربية، ولتقسيم القدس.
إن اعلان النوايا هذا يناقض الشعار الذي يتكرر ترداده على لسان رئيس الحكومة والناطقين باسمه المخولين لذلك: لن يكون هناك خطوات أحادية الجانب أخرى، واسرائيل تلتزم "خارطة الطريق". هل هذا تناقض؟ لا بالذات. "خارطة الطريق" ليست مخططاً للحل المرجو، بل هي طريقة ومنهج فقط. من هنا، يوجد في أقوال غاير رسالة ووعد لليهود وللفلسطينيين معاً.
ربما يكون النشر هدف إلى خدمة هدف آخر ـ إلى اختبار الرأي العام في اسرائيل في هذه القضية المركزية التي هي تقسيم القدس. كان الرد العلني في أساسه مندهشاً ورافضاً رفضاً تاماً. "إن تقسيم القدس يشبه تدنيس قدس الأقداس ومسه". وبالرغم من ذلك، فان استطلاعات الرأي العام تُظهر أن 50 في المئة من الجمهور أصبحوا يؤيدون اليوم تقسيم المدينة من جديد، مرة أخرى. كما في حالات كثيرة في الماضي، يسبق الجمهور قادته. تقتضي المشاعر الصحيحة عند الجمهور تقسيم المدينة من جديد، ولا ينبغي أن يكون ذلك لا سمح الله على امتداد الخط الأخضر من حزيران 1967، بل على أساس التقسيم العرقي، وفق تطورات الـ 39 سنة الأخيرة، ولثلاثة أسباب رئيسة:
الأول، عدم الخيار السكاني، فقد أصبح اليوم يعيش في شرق القدس ما يزيد على 200 ألف فلسطيني أكثريتهم الساحقة ترفض الحصول على جنسية اسرائيلية ويرى أكثرهم أنفسهم جزءاً لا يتجزأ عن الجانب الفلسطيني.
منذ حزيران 1967 ازداد عدد سكان المدينة العرب بأربعة أضعاف تقريباً. التنبؤ السكاني للمستقبل المنظور يثير القلق. إن تقسيم المدينة سيحرر بدفعة واحدة نحو 20 في المئة من كتلة العرب الذين يعيشون اليوم في اسرائيل.
السبب الثاني: فشل محاولة جعل جزءي المدينة مدينة واحدة. فقد بقيت القدس مُقسمة من كل ناحية تقريباً. واحتمال رؤية اندماج بين الجزءين في المستقبل هو أضغاث أحلام.
والسبب الثالث، هو التصور السياسي. فلا نستطيع أن نتجاهل الأهمية الحيوية للقدس عند الفلسطينيين والعرب والمسلمين. ان من يسعَ إلى الوصول في يوم ما إلى اتفاق سياسي، فلن يستطيع أن يفعل ذلك اذا ما حاولنا فصل شرق المدينة عن الدولة الفلسطينية، واذا ما جعلنا القدس حاجزاً يفصل جنوب الضفة الغربية (جبل الخليل) عن شماليها (السامرة)، إن تقسيم القدس من جديد هو بمنزلة شرط لاتفاق مستقبلي بين الطرفين.
تقسيم القدس من جديد يهدف الى انقاذ القدس، والى انقاذ اسرائيل كدولة يهودية والى انقاذ احتمال ان نصل الى اتفاق ذات يوم.