الخليج/سعد محيو

دمشق تتهم خصومها اللبنانيين بأنهم ينفذّون “أجندة” غربية “إسرائيلية”، تهدد الأمن الوطني السوري والقومي العربي، وتمهدّ لاتفاق 17 أيار جديد بين لبنان و”اسرائيل”.

وخصومها اللبنانيون يردّون باتهامها ليس فقط باللهاث وراء “الأجندة” الامريكية “الأسرائيلية” ذاتها، بل أيضاً بأن نظامها الحالي لم يكن ليستمر لولا انه “يقدّم الخدمات متصلة لواشنطن” (على حد تعبير وزير ناري معارض): من ضرب اليسار اللبناني والمقاومة الفلسطينية العام ،1976 بتفويض من واشنطن، إلى القتال إلى جانب الامريكيين ضد نظام قومي عربي آخر العام 1991. ومن الحفاظ على “الهدوء” في الجولان المحتل طيلة 38 عاماً، إلى تطييف انبل ظاهرة لبنانية عربية: المقاومة الوطنية اللبنانية.

أي الطرفين على حق؟

كلاهما.. فالاكثرية الجديدة في لبنان تبدو بالفعل مسّيرة من جانب القنصلين الامريكي والفرنسي اللذين ورثا مملكة قنصل عنجر السوري. لا قرار في لبنان يتخذ من دون موافقتهما، او على الأقل قبل التنسيق معهما؛ ولا خطوة تتخذها الحكومة اللبنانية على الصعيد الدولي إلا ويكون لها صدى فوري في واشنطن وباريس.

وهكذا، وحين صدر قرار مجلس الامن الأخير الرقم ،1644 والذي اعتبرته دمشق كسباً لها (لا احد بعد يعرف كيف!)، سارع الصحافيون إلى سؤال أقطاب الأكثرية: ألم تعرفوا سلفاً من السفيرين حدود مواقف بلديهما في مجلس الأمن؟ ألم ينصحانكم؟

بالطبع، يميل القنصلان الغربيان أحياناً إلى المبالغة في الكشف عن مدى سطوتهما، كما فعل مؤخراً السفير الأمريكي فيلدمان حين “نصح” الأكثرية بالحكم من دون حزب الله، الامر الذي أجبر رئيس الحكومة السنيورة على الطلب منه “تقديم النصح إلى مجلس النواب الامريكي لا اللبناني”. بيد ان هذه حالات استثنائية. القاعدة هي وجود “اوكارديون” سياسي حقيقي بين القنصلين وبين الأكثرية.

في المقابل، اتهامات المعارضين للنظام السوري، تبدو دقيقة هي الأخرى. فدمشق تبذل جهوداً مضنية هذه الأيام لمحاولة إحياء “التفاهمات السابقة” مع واشنطن، والتي مكنّتها خلال ربع القرن الماضي من ممارسة دور إقليمي كبير، خاصة في لبنان.

وبرغم ان الطاقم السوري الحاكم يدرك انه لا يستطيع إحياء عظام هذه التفاهمات بعد ان أصبحت رميماً، عبر المراهنة مثلاً على نيل تفويض امريكي جديد للعودة إلى لبنان، إلا ان تعوّده على صيغة الصفقات وتبادل الخدمات مع وكالة “السي. أي. آي” أو مجلس الأمن القومي الامريكي، ينعشان دوماً آماله باستعادة حظوة الامبراطور الأمريكي.

وهي آمال تبدو مزدهرة هذه الايام، ليس فقط بعد قرار مجلس الأمن الأخير، بل أيضاً بعد البيان المثير الذي أصدره قادة الجيش الامريكي في العراق وامتدحوا فيه “التعاون السوري لقمع المتمردين عبر الحدود عبر اعتقال أكثر من 1500 منهم”، وأيضاً بعد تلميحات إيجابية من وزارة الخارجية بأنها “راضية عن التسهيلات السورية للانتخابات العراقية”.

لماذا إيراد كل هذه المعطيات الآن؟

ليس بالتأكيد لاكتشاف من على حق في الاتهامات المتبادلة، بل لدعوة كلا الطرفين إلى التوقف عن الضحك على ذقوننا نحن المواطنين السوريين واللبنانيين المساكين. فاللعبة مكشوفة ومعروفة. والجميع في سباق ليس للوصول إلى قلوبنا وعواطفنا، بل إلى عقول ومصالح الأمريكيين؟

نعرف ان هذه الدعوة أشبه بصرخة في قاع صفصف. لكنها على الأقل قد تفهم الطرفين بأننا نعرف بأنهما “في الهم الأمريكي سواء”، وبأن عليهما عدم استغبائنا وهم يبيعون جلودنا، حتى قبل أن يبدأ موسم الصيد الأمريكي!