الدستور/ راكان المجالي

لو دققنا في الأوضاع السائدة في المنطقة بعد الحملة الاميركية المنبثقة من فكر وأيدولوجية اليمين الديني المسيحي المتصهين المحافظ صاحب النظرية وصاحب الفعل في الحرب الوقائية لوجدنا ان التدقيق في الأمر يوضح بشكل جلي اسباب انفجار ردة فعل دينية يمينية اسلامية محافظة أيضا وقد شهدت السنوات الأخيرة وفي ظل الحملة الاميركية تصاعد دور الاسلام السياسي وأبرز نماذجه مؤخراً تنامي شعبية حركة حماس في فلسطين وجماعة الاخوان المسلمين في مصر، وبكل أسف فانه لا يمكن انكار تنامي الدور العسكري للحركات الاسلامية المتطرفة والظلامية التي تخوض معركة تدمير عشوائي شامل بما في ذلك تدمير الذات وجر الويلات على المنطقة.

واذا كان النجاح الذي حققته على سبيل المثال جماعة الاخوان المسلمين في مصر ملفتاً للانتباه من حيث المضمون حيث مثل ذلك تطوراً هاماً عبر توجه الاخوان المسلمين نحو الليبرالية واقرارهم بالنهج الديمقراطي ومشاركتهم فيه بما فيه ترشيحهم لسيدة في الانتخابات وتوجهاتهم نحو الحوار مع الاخر وهذا امر هام حيث تؤكد ابرز نظريات العلوم السياسية: »ان مبدأ القبول بالآخر هو شرط التأسيس للعبة السياسية الحقيقية بعيدة عن الادعاء باحتكار الحقيقة، اضافة الى انه المبدأ المحصن للجميع ضد العنف، خصوصاً ان تاريخ العنف ارتبط دوماً باقصاء الاخر«. لكن المؤسف هو ان التطور الفكري والنفسي نحو قبول الاخر يقابل من اميركا برفض الاخر وباقصاء الآخر وانكار وجوده وابرز مثال على ذلك محاولة اقصاء حماس عن الانتخابات التشريعية.

لكن جوهر المعضلة في الوطن العربي هو العجز عن تطور تدريجي حقيقي نحو الديمقراطية، وحتى الانتخابات لا تفرز قوى تغيير او مشاركة انما تفرز قوى موالاة وقوى اعتراض على قاعدة اليأس ورفض الواقع دون امتلاك قوى الاعتراض لبديل او رؤية فما بالك بامتلاك القدرة حيث لا تريد الحكومات من المعارضة ان تكون اكثر من ديكور!!

المؤسف ان كل النجاحات للاسلام السياسي هي ردود فعل، ردود فعل على الحملة الاميركية العدائية، ردود فعل على فشل تجارب الحكم وهزال واختلال الدولة الحديثة في الوطن العربي، وضعف القوى المدنية، ورد فعل على فشل الاحزاب ونماذج الحكم القومي اليساري في البلدان العربية، وبالاضافة الى ردود الفعل والعجز عن الفعل، فان احدى خصائص المعضلة هي انعدام الثقة لأن لاميركا سياسات مضمرة هي موضع شك كل العرب والمسلمين ولأن للحكومات العربية سياسات مضمرة هي موضع ريبة من قبل شعوبها، ولأن للحركات الاسلامية السياسية والعسكرية سياسات مضمرة تخيف الحكومات وتزعج امريكا خاصة ان هذا المضمر اسلامياً صريح ومعلن فكرياً وهو جوهر عمل كل التنظيمات الاسلامية المتمثل باقامة دولة الخلافة الاسلامية ولعل في رسالة قائد ومفتي المقاتلين الاصوليين العرب ابو عمر السيف الذي اعلن عن مقتله مطلع هذا الشهر ما يؤكد هذا التوجه الاسلامي حيث يقول في رسالته:

»... انني ادعو أهل السنة في العراق والمجاهدين الى الكفر بالديمقراطية لأنها مزاحمة لشرع الله و»ديانة كافرة« يجب تركها، وان يعمد اهل السنة في العراق، الى اختيار امام عدل تنطبق عليه شروط الامامة الشرعية، وفق مواصفات الفقه السياسي لدى اهل السنة قبل أزيد من الف سنة في كتب الاحكام السلطانية وحتى بما هو افقر بكثير مما هو موجود في تلك الكتب.

وخلاصة ما نريد قوله هو ان هنالك معضلة وفوضى فكرية ومزاجات شعبية متباينة وضياع وتشتت وكل ذلك على قاعدة ردود فعل على قاعدة حالة التردي والاحباط ولا حول ولا قوة الا بالله.