البيان/مجدي شندي

قامت الدنيا ولم تقعد لأن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد تحدث عن الهولوكوست اليهودي بكلام لم يبتدعه هو ، بل أكده قبله علماء ومؤرخون وأساتذة جامعات غربيون شجعان لم يستجيبوا للابتزاز الصهيوني والتواطؤ العالمي.

لكن وسائل الإعلام الغربية التي يسيطر اليهود على معظمها لا تفوت أي فرصة لإدارة الاسطوانة المشروخة نفسها خوفا من أن تصاب تجارة الهولوكوست الرائجة بالبوار.

من الطبيعي أن تقوم قائمة إسرائيل فهذه التجارة تدر عليها أرباحا طائلة إذ إنها حصلت على أكثر من ستين مليار دولار من بلدان أوروبية معدودة على رأسها ألمانيا والنمسا وسويسرا.

ولم يقتصر الاتجار الصهيوني على من ماتوا في المحارق النازية بل يمتد إلى الناجين منها، ويعلق نورمان فرانكلستين على ذلك ساخرا بالقول «لا أبالغ إذا قلت إن واحداً من كل ثلاثة يهود ممن تراهم في شوارع نيويورك سيدعي بأنه من الناجين».

وفوق الأرباح المادية هناك مكاسب معنوية لا تقدر بثمن إذ إن الإلحاح الدائم على القصة، الخرافة يشعر الغرب بعقدة ذنب دائمة تجعله مضطرا من الناحية الأخلاقية إلى التكفل بتوفير مظلة حماية دائمة لإسرائيل ، هذا فضلا عن أن متحف الهولوكوست يجعل الدولة العبرية تتمتع بالحصانة رغم تصرفاتها (على حد قول الصحافي الإسرائيلي آرى شافيت) وذلك مهما أوغلت في إرهاب الدولة.

لكن العصي على الفهم هو أن يتم افتتاح بازار عربي يتبارى فيه السياسيون والصحافيون والكتاب وأساتذة الجامعات للرد على نجاد وإلصاق تهم ( ما أنزل الله بها من سلطان ) بالرجل مع أنه لم يقل إلا ما يعتقده في عصر تتسامح من يكفر بوجود الله عز وجل. أما من يكفر بالهولوكوست فلا تسامح ولا غفران.

إذا لم تكن هناك ازدواجية ممقوتة يعاني منها العالم والعرب على حد سواء ، فلماذا يصمت الجميع عن 50 مليون شخص أبادتهم الحرب العالمية الثانية ، ولماذا تخرس الألسنة عن إبادة أكثر من 40 مليون إفريقي عبر مئتى عام من نظام العبودية.

وعن إبادة 112 مليون من الهنود الحمر تمت تصفيتهم جسدياً عبر الحروب و عبر الأوبئة التي نقلت من أوروبا إلى أميركا الشمالية (د.نبيل خليل خليل - أميركا بين الهنود و العرب - السيرة السياسية الأميركية بجدارة ). ثم لماذا لا يتحدث أحد عن ضحايا الحرب الفيتنامية الذين قدرهم نعوم تشومسكي بما يتراوح بين 3-4 ملايين شخص.

ولماذا نذهب بعيدا ، لماذا لا يشغل أصحاب البازار العربي أنفسهم بضحايا الحروب العربية الإسرائيلية من قتلى ومهجرين وأسرى تمت تصفيتهم بدم بارد على يد جنرالات لا يزالون أحياء.

وهل مرور عقود على محو 500 قرية ومدينة عربية من الوجود في فلسطين يغفر لنا صمتنا عنها ، ألم يحدث ذلك بعد الهولوكوست بسنوات ، ولماذا يبتلع الجميع ألسنتهم إذا ما أثار أحد موضوع مقتل نحو 100 ألف عراقي في حرب ضارية لا تزال رحاها تدور حتى اللحظة .

وعن قتل نصف مليون طفل منذ عام 1991 بالحصار الجائر وعندما سئلت عنهم مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة أجابت بالقول «إننا نعتقد أن ثمرة الحصار تستحق ذلك» ) أنتوني آرنوف - العراق تحت الحصار: الأثر المميت للعقوبات والحرب).

كثيرا ما يرى الإنسان حبرا أجنبيا يسيل في أقلام كتاب عرب ، ويبدو أن الباحثين عن الحقيقة المجردة صاروا غرباء ومطاردين حتى في أوطانهم وعلى صفحات صحفهم. فطوبى للغرباء.