حسين الربيعي

اذا وافقنا على نزاهة الانتخابات البرلمانية الاخيرة ، و تجاوز المشاهد الكثيرة و المتعددة التي لاحظناها كمواطنين و التي تدخل قناعة مطلقة لعدم وجود اي مظهر من مظاهر النزاهة و اتهامات الكيانات و القوائم السياسية لبعضها التي تطورت لمظاهر تعدت مظاهر الرفض او الاستنكار، الى تحشيد المظاهرات و استخدام التهديدات من مختلف الاطراف لبعضها ، لو انا تجاوزنا كل ذلك و وافقنا على نزاهة العملية السياسية برمتها فما الذي سيستنتجه المواطن العراقي لحد الآن و منذ ما يقارب الثلاث سنوات التي امضاها بالمزيد من المعاناة المضاعفة ، مضافة لمعاناته القديمة. فالحروب لا تزال هي الصفة الدائمية لهذه البلاد منذ ما يقارب الربع قرن ، الطائرات لا تزال اصواتها تشق هدئة الليل المخيفة و المعتمةو الممنوعة من الحركة عن قرار منع التجول ، و هي نفسها "الطائرات" التي تئز الاذان في النهار لترعب الصغار و الكبار و تحول الانظار نحو السماء خوفاً و ترقباً ، و لا تزال همراتهم ، و مدرعاتهم ، و دباباتهم ، و اسلحة اخرى عملاقة تجوب شوراعنا ، و تقطع طرقنا ، و توقف سبلنا بالاضافة لمسلحين يرتدون بدلات "رسمية" زرقاء او "كاكية" يشهرون السلاح بوجهك و وجهي و وجه المواطنين العزل في كل لحظة ، هذا ما يجري في بغداد التي اغلقت اكثر من نصف شوارعها و اصبحت بعض جسورها ممتلكات خاصة "للنخبة" زوار السفارة واصدقائها . و بعض منازل و قصور صدام أواولاده و بناته او تابعيه حيث كانت عصية للتقرب من المواطنين ، صارت تمتلك المزيد من العقبات العصية بعد ان اصبحت قصور و منازل و مقرات للطبقات الجديدة.اقول كل ذلك يجري في بغداد ، و الحال في بعض او اكثر مدننا الاخرى اكثر سوءاً ، فما بالكم بالفلوجة او الانبار او البصرة او غيرها .

اعود لأقول لو وافقنا على نزاهة الانتخابات ، فأننا سنصطدم بالتعابير العميقة بالغضب و التشاؤم المرسومة على وجوه العراقيين ، فهم ادركوا بعد قرار زيادة اسعار المحروقات ان حالتهم الاقتصادية و السياسية ستتحول من سيئ الى اسوأ يومياً فالمقاطعون للانتخابات و هم في هذه المرة "قلة" يؤكدون صلاحية رؤيتهم ، و المشاركون من مؤيدي القوائم المتعددة ، غير القائمة المتنفذة و الكردية يتمسكون بفكرة تزييف الانتخابات ، اما مؤيدي قائمة الائتلاف فهم على نمطين ... الذين ايقنوا انه غرر بهم و دفعوا لانتخاب من لا يراعي مصالحهم و مصالح المسلمين و المواطنين ، و جزءٌ من القلة "ربما تكون مستفيدة" من الذين ركبت الظلالة عقولهم فلا زالوا يدافعون عن كل شئ للائتلاف و كأنهم فعلاً من المعصومين عن الخطأ.

و الحقيقية ان النزاهة ... بعيدة كل البعد عن مجمل العملية السياسية منذ التاسع من نيسان 2003 و لحد الآن مروراً بكل محطات الاحتلال ... منذ الحاكم المدني ، و مجلس الحكم ، و الحكومة الانتقالية التي جائت بعد الانتخابات الاولى (المزيفة باعتراف قادة الائتلاف و رئيس القائمة عبد العزيز الحكيم) و الاستفتاء المزور و الذي تم عن طريق اقرار دستور ينتقص من سيادة العراق و وحدته و يضع ابنائه في متاهات الفرقة و الطائفية . و لم تكن الانتخابات الا تأكيداً ، قد تكون اكثر وضوحاً على عدم امكانية الجمع بين النزاهة ، و العملية السياسية و من يديرها و يستفاد منها.

و مع كل ذلك ايها الاخوة ، فأن المتنفذين على امور البلاد بما فيهم منتسبوا "المفوضية" العليا للانتخابات ، التي فوضها برايمر و صادق على تفويضها مجلس غير شرعي لانه مزيف حسب تقدير الكتلة الاكبر في هذا المجلس لا زالوا في خشية من امرهم و امر البلاد . فالنفر الاكبرمن المسؤولين ظل ابنائهم و زوجاتهم خارج العراق لعلهم سيلحقون بهم في فرصة قادمة مع القوات الغازية التي ستطرد لاحقاً و لن يطول الزمان ان شاء الله ، فهم من مواطنيهم ، يملكون جنسياتهم . و لكننا نود ان نتسائل عن اولئك الذين لا يتمكنون من الفرار بعد ان يطرد المحتلين ، عدداً من هؤلاء وصل الى هذه النتيجة فأستعجل لقطف ثمار خدمته في طلب التقاعد (فريد آيار و موظفون اخرون في المفوضية) خصوصاً و ان التقاعد ارقاماً كبيرة مسروقة من ابناء العراق المحاربون في معيشتهم الضنكى .حتى يفلتوا من حساب الشعب القادم مهما حاولوا تأخيره.

يقول الامام علي "ان شر افعال الرجال الكذب"

ففي ندوة اجرتها فضائية البغدادية التي يشرف عليها الاستاذ الفاضل ارشد توفيق و كانت حول محاكمة صدام ، ادعى عباس البياتي ان حراس صدام عراقيين و انه معتقل لدى السلطة العراقية و انه ليس معتقلاً لدى الامريكان ، و حينما يستمع المواطن لهذا "المسؤول" باعتباره نائباً سابقاً في المجلس الذي شارف على الانتهاء ، و مرشح في قائمة الائتلاف حيث سيكون نائباً في "الدورة الجديدة للبرلمان" فأنه يعتقد ان ما يسمعه صواباً و لكن حبل الكذب قصير ... فماذا يقول البياتي بعد ان قامت "قيادة" الاحتلال باطلاق سراح بعض المعتقلين من اركان النظام السابق و ترحليهم خارج العراق ، بعد زيارة تشيني لبغداد و مقابلته للطلباني و الجعفري و الحقيقة ان كلامي هذا ليس دفاعاً عن صدام و لكن دفاع عن الحقيقة و بالقدر الذي استنكر فيه كذب البياتي فأني استنكر كذب اركان النظام السابق و خصوصاً برزان اثناء المحاكمة الذي بالغ جداً بطيبته غير الحقيقية لأنه اراد ان يصور لنا الذئب حمامة سلام بيضاء.

و حول الانباء التي وردت عن اعتقال وزير الداخلية (بيان جبر) من قبل القوات الامريكية للتحقيق معه في عدة مسائل منها معتقل الجادرية و تزوير الانتخابات، و الحقيقة ان هذا التصرف الامريكي "اذا كان صحيحاً" يدحض ادعاءات البعض عن استقلال العراق و سيادته ، (كما يؤكده خبر اطلاق سراح بعض المعتقلين من المسؤولين السابقين) و من هؤلاء المدعين بهذه الاستقلالية و السيادة السيد وزير الداخلية ، و مع ذلك فأن اعتقاله كان يتطلب موقفاً رافضاً للتدخل الامريكي و لكن السيد وزير الداخلية ترك اثراً سيئاً في نفوس العراقيين خصوصاً بعد فضيحة معتقل الجادرية ، و قد نسي السيد الوزير ان عرش الجلالة يهتز لو تعرض آدمياً للظلم في حين انه قال : "لماذا أقاموا الدنيا و اقعدوها بسبب سبعة تعرضوا للتعذيب" في حين انه كذب بالعدد و مع ذلك فأن السيد وزير الداخلية لم يهتز له عرش لسبعة كما يدعي ، في حين ان عرش الجلالة يهتز لظلم آدمياً واحداً .

و في ظل هذه الواقعية في الحياة العامة في العراق ، فأن ما يجب ان يفهمه المواطن العراقي ، بعد ان ينتهي العاملين في العمل السياسي من الوطنيين العراقيين هو الاقرار بعدم امكانية التغيير المرجوة عن طريق هذه العملية السياسية التي يشرف عليها الاحتلال و تقوم تحت رعايته . في حين ان طريقنا للتغيير ترعاه جماهيرنا ، بعد ان تتبين حقيقة القائمين على تزوير الحقائق بعد ان يتبينوا كلام الامام علي حين يقول "لعن الله الامرين بالمعروف، التاركين له . و الناهين عن المنكر ، العاملين به"