الوطن القطرية / بسام ضو

تحول ملف العلاقات اللبنانية - السورية الى ملف عربي - دولي بامتياز واذا كان هذا التحول قد برز بقوة وبسرعة في الاشهر العشرة الاخيرة بعد جريمة اغتيال الحريري فانه من حيث العمق والاتساع يتجاوز الجريمة بالذات رغم تداعياتها الكبيرة وينخرط اي هذا التحول - في صلب التعقيدات الجيوسياسية التي تعصف بالمنطقة بحيث يستحيل معالجة ملف هذه العلاقات المتدهورة خارج هذه التعقيدات مثلما يستحيل ان تعالج من دون الاخذ بعين الاعتبار مجموعة حقائق برزت على ارض الواقع ومجموعة تراكمات موجودة في الذاكرة اللبنانية - السورية المشتركة والمتناقضة من داخلها وفي داخلها في الوقت نفسه‚ وهذا ما يجب الالتفات اليه عند التطرق الى موضوع اعادة بناء العلاقات بين البلدين - الدولتين وهو - اي موضوع اعادة البناء - امر ضروري بشرط عدم القفز على المعادلات الداخلية وعدم الوقوع في فخ التوهم لدى اي من الجانبين بأن التسويات الكبرى الاقليمية - الدولية يمكن ان تستمر وتستقر طوعا دون ضمان المعادلات الوطنية.

ليس صحيحا على الاطلاق ان تكون بيروت ودمشق عدوتين وليس صحيحا على الاطلاق ايضا الا تراعي خصوصية التركيبة اللبنانية بذريعة الشعار القومي ولا ان تكون هذه الخصوصية وسيلة لمعاداة سوريا تحت الشعار الوطني اللبناني وهذا بالضبط ما يحتاج الى حسم كي يسهل بعده الحسم السياسي بمعنى ان دمشق يجب الا ترى في لبنان تابعا لها ولا ان ترى في الاستقلال اللبناني مشروعا معاديا لها او للعرب او للعروبة وبالمقابل يجب الا يرى اي فريق لبناني ان الوطنية اللبنانية تشكل ممرا للعداء مع سوريا او للانسحاب من القضايا العربية كما يجب الا يرى في الاستقلال اللبناني عيبا فيرفضه ضمنا ويتصرف على ان لبنان هو مجرد مد حيوي اقليمي لسوريا وبالتالي يتجاهل خصوصية التركيبة اللبنانية الداخلية المعقدة التي اذا انفجرت ستتحول الى شظايا سياسية - طائفية تنهي لبنان ولا تنجو منها سوريا ويصبح الاثنان معا ساحة مفتوحة امام كل التراجعات المأسوية.

ان انسحاب سوريا من لبنان وبغض النظر عن الاسباب وخلفياتها قد انتج حقيقة جديدة وتحولا اقليميا يصعب على اي كان نكرانه وبالتالي تصعب العودة الى الوراء وفقا لأبسط قواعد علم السياسة التي تعلمنا عدم تجاهل الحقائق وعدم اهمال قراءة المتغيرات كي لا نخسر اكثر‚ وهذا يعني ان اعادة بناء العلاقات بين البلدين يجب ان تنطلق فعليا من مفهوم العلاقات بين دولتين سيدتين مستقلتين وعلى قاعدة الإقرار بأن الوطنية اللبنانية ليست نقيضا للعروبة وللانتماء العربي بصورة عامة وليست انسحابا من القضايا العربية والاهم ليست عداء على الاطلاق لسوريا بل اخوة وتعاونا حقيقيين يقومان على الاحترام المتبادل وما لم يكن مفهوم الوطنية اللبنانية على هذا النحو فإنه يؤذي نفسه ويؤذي اللبنانيين بل انه غير قابل للحياة.