النهار/ غسان تويني

"ان لبنان هو اكثر من بلد، انه رسالة حرية ونموذج في التعددية للشرق كما للغرب. (...) وان مجتمعاً تنعشه مثالية ديمقراطية متعددة، له تراث ثمين لا يمكن أحداً ان يسلّم بأن يراه في طريق الزوال...".

البابا يوحنا بولس الثاني

لماذا التكرار من مقال الى مقال، وقد سبق لنا ان استشهدنا بهذا القول للبابا الراحل من أسبوع؟

لأن اللبنانيين يكادون يتحولون شعباً من دون ذاكرة... ولأننا، ونحن ننظر الى رقصات الحوارات التي أطلقها الرئيس نبيه بري وراءه وذهب الى مؤتمر برلماني في القاهرة يكاد اذا خطب فيه من جديد الأمين العام (أمين على ماذا؟) السيد عمرو موسى يصبح مؤتمراً هزلياً... ومع ذلك كلما تقدمت رقصات الحوار وتعددت حلقاتها، ازداد اللبنانيون حزناً، في الأعياد المجيدة، وازداد اليأس الذي يدب في نفوسهم ويلفّها...

الا انهم وهم يتفرجون على صور بيت لحم يحاصرها ويقسّمها جدار الغيتو الشاروني يكادون يتساءلون هل اصبحنا كلنا يهوداً بعضنا في وجه البعض، ومتصهيني الأحقاد على تعدد لغات كمثل بابل وأبراجها؟

"(...) له تراث ثمين لا يمكن أحداً ان يسلّم بأن يراه في طريق الزوال"؟...

بلى... سيسمح العالم، وقد لا يبالي، وقد تتكاثر الصفقات الهواجس على حساب تراثنا اذا استمر ثمنه يرخص في أسواق بازاراتنا التي نسمّيها حواراً !!!

"تنبّهوا واستفيقوا أيها العرب"... صرخ شاعر النهضة التي هدرنا من قرنين، وكان لبنانياً !

أما آن الأوان ان يصرخ آخر من عندنا: "بل تنبهوا واستفيقوا أيها اللبنانيون!".

تنبهوا واستمعوا، شيعة وسنّة ودروزاً ونصارى، الى نداء سماحة الامام السيد محمد حسين فضل الله (ويطيب لنا ان نكرر، لمن لم يفهم بعد):

"أقول للبنانيين: ارحموا بلدكم (...) ولا تكن طوائفكم منطلقاً للعداوة والبغضاء وتسجيل المواقف بعضكم ضد بعض".

فلنرحم بلدنا... ولنرحم أنفسنا ولنرحم بعضنا البعض قبل ان ننتظر من الغير ان يرحمنا وينقذنا.

تحضرني هنا حكاية محاولة حوار قديمة دارت في حضور السيد علي بزي، النائب والوزير السابق (والأقدمون يفهمون ما الرابط). كان يحاول قيادة الحوار رئيس حكومة معذب مثل الرئيس السنيورة واكثر، يعاونه السيد علي بزي. فلما اشتد الجدل بين زعماء الاحزاب المتقاتلة ويكاد حوار اليوم العقيم يعيد رسم خطوط تماسها ! - نهض احدهم وصرخ في وجه تقي الدين بك: نحن نمثل المقاتلين على الارض، فمن تمثلون حضرتكم ؟

 من نمثل نحن؟ سأل تقي بك. نحن نمثل القتلى الذين تقتلون!!! وكفى الشعب قتلاه.

لمن "يريدون التفاؤل بالخير فيجدونه"، تقول الحكاية ان الحوار انتهى الى "وقف اطلاق نار" مهّد لحقبة سلام رحم خلالها احزاب المقاتلين بعضهم بعضاً، والناس... كي لا تثور.

اما المتشائمون ودعاة السوء، فيقولون ان عبثاً يحاول أهل القتلى سلاماً... ها هي الألسن صارت حراباً والحجج أسلحة ستقوم ولا ريب في وجهها أسلحة.

أوَهذا هو ما تريدون؟

ومن يقاوم العدو بعد ذلك؟ وأية مقاومة تجدي لبنان، وتنقذ له حدوداً، اذا حوّل بعضنا الآخر الى صهيوني وهوّد كل واحد منا محاوره؟

مسكينة بيت لحم في هذا العيد. لم تترك اسرائيل فيها موقعاً يصلح مهداً لرسول سلام...

فهل يهرب رسل السلام كلهم من لبنان الى مغارات البؤس بدل مغارات العيد، والقبور المكلّسة بدل كهوف العبادة.

أين من يؤسس لنا حزباً يمثل القتلى وأهلهم؟

أينك تقي بك؟ وأينك علي بزي؟