الدستور / راكان المجالي

بات واضحا ان كل مرحلة من مراحل ما يسمى تطور العملية السياسية في العراق هي مرحلة سلبية ومحطة في درب تدهور الاوضاع في العراق، ولا يقتصر الامر على تردي الاحوال المعيشية وانعدام الخدمات وتدمير البنية التحتية، لان كل الانهيار على الارض وزعزعة الأمن والاستقرار ليست الا انعكاسات للمأزق السياسي المتمثل في تأجيج الصراعات الطائفية والاثنية، بحيث تبدو تداعيات الاستحقاقات السياسية ابتداء من تشكيل مجلس الحكم المحلي وصولا الى الانتخابات الامريكية وكأنها مخطط مرسوم، حيث يعمق كل استحقاق جديد الخلافات ويزيد التناقضات ويفاقم الصراعات.

ومن هنا فإن الاحتجاجات الواسعة من قبل سنة العراق على النتائج الاولية للانتخابات التشريعية التي لم تعلن نهائيا هي احتجاجات جدية خاصة في ظل الحديث عن ان هذه الانتخابات تؤسس لصيغة الدولة العراقية المستقبلية..

وعندما تصل الامور الى حد ان وزير الخارجية الامريكي السابق كولن باول يحذر من حرب اهلية في العراق لا تبقي ولا تذر، فإن معالجة الخلل الناجم عن التدخل في الانتخابات التشريعية الاخيرة والتأثيرات السلبية المختلفة هو امر خطير خاصة انها تأتي من الخارج، وفي مقدمتها التواطؤ الامريكي لتغذية الخلافات وافساح المجال امام ايران لتنفذ مخططا دينيا شيعيا في العراق، من خلال العمل على تمكين الشيعة من السيطرة على مقدرات العراق، والعمل بكل الوسائل على اقصاء السنة، وتهميش دورهم في المرحلة القادمة استمرارا لما كان قائما في العامين الماضيين، كل ذلك لا بد ان يكون له نتيجة واحدة وهي انفجار الوضع الداخلي في العراق والاحتراب والفوضى!!

ومن كلام باول نفهم ان الرهان الامريكي على الفوضى غير حكيم، لان الفوضى لن تكون بناء، بل هي فوضى مدمرة تمتد آثارها لتشمل المنطقة، والامر الصحيح الوحيد في النظرية الامريكية هو ان النموذج العراقي سيعم المنطقة ولكنه ليس النموذج الديمقراطي حسب وقائع الحالة الراهنة، فهو نموذج الفوضى والحرب الاهلية الداخلية وأكثر من ذلك فهذا النموذج لن يظل محصورا في الاطار المحلي الفطري، لان تفاعلات وتداعيات الصراع السني الشيعي تتجاوز حدود العراق حيث يرمي المخطط الخبيث في نطاقه الواسع الى صراع تقوده وايران ضد النظام العربي السني في المنطقة، هذا النظام الذي كان مستهدفا في حرب الخليج الثانية بالتمزق، وظل مستهدفا لانه كان وسيظل عنوان التوازن والاستقرار في المنطقة وهو هدف جماعي للفوضى البناءة او الخلاقة كما تصفه رايس، والتي تعتقد ان تفكك وخراب المنطقة هو ركيزة الخيارات الامريكية للهيمنة واعادة تشكيل الوطن العربي.