مسيرة عام تضع في الأفق صورة متمواجة وربما قاتمة لمستقبل مساحة جغرافية من الصعب تجاوزها، أو رسم خلاصة استراتيجية دون التعامل معها .. وليس تعاليا أو كتابة للمستقبل على إيقاع عقلنا، لكن سورية هي الصورة التي نراها مع عام رحل، أو سنوات قادمة، وفي النهاية نجدها أمامنا وربما امام الجميع نقطة فاصلة، وشكلا اجتماعيا من الصعب رؤيته منفصلا عن الإيقاع العام.
ما لا يمكن تجاوزه هو "سورية" كتكوين يمتلك حق الاختيار، مهما كان رأينا بحركته السياسية، ومهما حاولنا تحليل البنية وإسقاط اتهامات وتقديم تبريرات، لكننا في النهاية سنجد أنفسنا أمام الغد الذي لا يحتمل سوى الاختيار، وإيجاد مساحات أوسع من التقيم الصارم التي يفرضه البعض ضمن تصنيفات تتجاوز المجتمع وثقافته. وشرعية الاختيار لا تقوم على فراغ من التناقض، لكنها تستند إلى:

  ضرورة تجاوز مفهوم المرجعيات المعرفية التقليدية التي تنسحب من التراث إلى تاريخ الأحزاب المعاصر.

  صورة سورية الذهنية التي تشكلت منذ الاستقلال على الأقل كدولة يدخل في بنيتها تنوع مجتمعها الواحد، وتعدد تجربتها التي أثرت على طيفها السياسي بشكل مستمر، ولا يمكن التوقف عن نقطة واحدة لأن "الغد" لا يمكنه انتظار الرؤية القديمة مهما كان مصدرها.

  شكل المواجهة التي تريدها سورية، وهي أساسا مواجهة من أجل المستقبل الذي يقدم لنا تجارب التفتيت، وديمقراطية التعامل مع المجتمع على أساس الكتل "العددية"، بدلا من ديمقراطية التمثيل السياسي على أساس الحداثة.

  إن "المواجهة" بذاتها هي "الاختيار" بعيدا عن النماذج الجاهزة، هذا الاختيار الذي يعرف أن الغد يحمل فصلا واضحا ما بين المفاهيم، ويريد الدفاع عن قيم الحداثة في الدولة والمجتمع وما تحمله من حق "الاختيار" الذي يجعل الاختلاف ميزة بدلا من كونه صراعا.

"الغد" ليس معجزة ننتظرها، بل سعي لاستبدال "التحول الاجتماعي" الذي طرح منذ خمسينيات القرن الماضي، إلى "ارتقاء" اجتماعي يحمل "معرفة المشاركة" بالدرجة الأولى، وإدراك أن المشاركة وجود المستقبل فينا.

و "الغد" هو التحول من "التراث الفكري" إلى الحق في التعامل مع هذا التراث بشكل يثبت مشاركة الجميع في الحياة العامة، بدلا من اقتصار مفهوم المشاركة على مسألة "إعلانات" تأخذ احيانا أسماء مدن أو نخب، لأن المجتمع في النهاية هو المسؤول عن الخيارات وليس أشخاص يحتكرون حق الجميع في الاختيار.

"الغد" هو عصبيتنا لوطن نراه فوق الجميع وللجميع، ونراه في مواجهة المستقبل مجال حيويا لمجتمع يحمل في بنيته ثقافة الحقوق وضرورة الرفاهية والحداثة.