معاريف

في أعقاب اطلاق صواريخ القسام من قطاع غزة، كان يمكن أن نتوقع ان تقدم الخلية الأمنية الخاصة بعمير بيرتس نصائح مفيدة لقيادتنا الامنية، وفق النظرية الجديدة لسياسة العقوبة الشديدة. لكن تمخض الجبل فولد فأرا. خمد صوت الزعيم؛ اتهم عامي ايلون، الشخصية الامنية المركزية، شارون أنه الاب الذي اوجد حماس وحزب الله (في الحقيقة هذا نوع جديد من معاداة السامية الاسرائيلية)؛ وعبر بن اليعيزر عن معارضة فكرة وقف تزويد غزة بالكهرباء، بسبب "المس بالسكان المدنيين"، لكنه أوصى بفرض طوق على القطاع (أليس في هذا مس بالسكان المدنيين؟)؛ أما متان فلنائي، من جهته، فنصح بادخال قوات برية إلى القطاع، وهو عمل تعارضه قيادة الجيش الاسرائيلي في هذه المرحلة. في هذه الاثناء لم نسمع بعد اتهاماً يفيد ان كل عمليات اطلاق صواريخ القسام ليست سوى مناورة اعلامية من رئيس الحكومة، ولكن من يعرف، ربما سيأتي هذا أيضاً.

ثمة دور رئيسي للانتخابات الوشيكة في قضية اطلاق صواريخ القسام. على الجانب الفلسطيني، مطلقو صواريخ القسام من منظمات ارهابية على رأسها الجهاد الاسلامي. وهذه المنظمات موجودة خارج اللعبة السياسية الفلسطينية، ولا تشارك بنصيب في الانتخابات التي ستجري هناك. بالنسبة اليهم، يعتبر اطلاق صواريخ القسام رسالة تتضمن "اشارة حياة" للجمهور الفلسطيني؛ نحن نطلق النار على اليهود، أي أننا موجودون، حتى اذا لم نكن ننافس في الانتخابات. أما حماس، من جهتها، فلا تطلق النار الآن بسبب خوفها من رد اسرائيلي شديد يفضي إلى تأجيل الانتخابات، التي تأمل فيها انجازاً كبيراً. الضلع الثالث، هو منظمة فتح المنشقة والسلطة الفلسطينية لأبي مازن اللتين تثيران انطباعاً بأنهما معنيتان خاصة برد اسرائيلي شديد، يشتمل على دخول بري، من اجل تأجيل الانتخابات. ولكن كل اجراء واسع شديد للجيش الاسرائيلي عشية الانتخابات، سيحظى عندنا بعناوين مدوية "نعود الى غزة"، وهو ليس وجبة شهية لمعدة شارون. لكن هذه الصورة قد تتغير في حال سقوط قتلى، لا سمح الله.

في خصم كل هذا، من المثير للاهتمام فحص تصرف الجمهور الفلسطيني. من المعقول الافتراض انه غير راض عن اطلاق صواريخ القسام وخرق جدار الصوت كرد للجيش الاسرائيلي. إنه غير راض، لكنه لا يفعل شيئاً: لم نر مظاهرات عامة بجوار مساجد الجهاد الاسلامي؛ ولم نجد منشورات تعارض شيوخ الجهاد؛ ولم نسمع عن مسيرات ضخمة، تندد بالارهاب وتدعو إلى الكف عنه. المسيرات الوحيدة التي تجري هي وقت تشييع الجنائز، حينما تكون الموسيقى الخلفية هي نداءات الانتقام من اسرائيل واستمرار القتل والعذابات. انه جمهور خائف، منشق، بلا مبادرة، جمهور يحيا في جو "كل وغد ملك"، بلا سلطة، وبلا أي شيء.

منحت السلطة الفلسطينية فرصة ذهبية "لفعل شيء ما" في قطاع غزة. كل الذرائع عن "الاحتلال" أو "حدود مغلقة" قد انتهت. لكنها لم تفعل. على العكس، ازدادت الفوضى، فبعضهم يقتل وبعضهم الآخر يختطف، والارهاب يستمر. ماذا يوجد في المجتمع الفلسطيني بحيث يجعله دائماً يطلق النار على قدمه، ولا يجرؤ أن ينظر لنفسه في المرآة وأن يرى؟ لا املك جوابا جيداً، ولكن يبدو أنه تمكن الاشارة إلى عدة معان تنبع من ذلك. أولا، ان من يعتمد على ان الجمهور الفلسطيني سيجلب وقف الارهاب، أو ان منفذي الارهاب سيأخذون في الحسبان السكان الفلسطينيين يعيش في الخيال. اسرائيل تهتم بالسكان الفلسطينيين اكثر من اهتمام قيادتهم ومنظماتهم. وثانياً، ان من يعتقد ان هذا الجمهور وهذه القيادة يمكن ان تتقدم معهما الآن لصنع تسوية دائمة، كما يعتقد اعضاء الخلية ويوسي بيلين، يعيش في عالم وهم حلو. لن يكون بعيداً اليوم، الذي ستنقطع فيه المساعدة الدولية لقطاع غزة وللسلطة الفلسطينية ببساطة. اصبح اصدقاء هذا المجتمع الفلسطيني من الاوروبيين يضيقون به ذرعاً أيضاً.