محمد شقير/الحياة

بدأ حلفاء سورية في بيروت يروجون لاحتمال التوصل الى تسوية أميركية – سورية – ايرانية بذريعة ان عامل الوقت سيكون قريباً لمصلحة دمشق نظراً لانشغال الرئيس الاميركي جورج بوش في الانتخابات الفرعية الاميركية لاختيار عدد من اعضاء الكونغرس وقرب انتهاء ولاية الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي يعتبرونه من وجهة نظرهم الاكثر تشدداً في المجتمع الدولي في مناوئته للنظام السوري.

ويعزو هؤلاء، الذين ينتمون الى تيارات غير «حزب الله» وحركة «أمل»، التوجس الدائم لدى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى وجود احساس داخلي عنده من ان الوضع في لبنان سيخضع عاجلاً ام آجلاً لتسوية لن يكون فيها الرجل القوي بخلاف ما هو عليه الآن، بعد انسحاب الجيش السوري في 26 نيسان (ابريل) الماضي.

وإذ يفضل الحلفاء عدم الغوص في طبيعة التسوية التي يراهنون عليها، خصوصاً ان الاجواء الدولية الراهنة لا تشجع على الخوض في احتمال كهذا، فإنهم في المقابل يتصرفون وكأن التهدئة الأمنية في العراق التي سبقت الانتخابات النيابية هناك كانت ثمرة لمعاودة الحوار الأمني الاميركي – السوري. ويشيرون الى ان رهانهم على التسوية التي يجرى اعدادها حالياً لا ينطلق من رغباتهم فحسب وانما من معلومات استحصلوا عليها من كبار المسؤولين السوريين.

لكن الحلفاء يرون في المقابل ان هناك صعوبة في التوصل الى تفاهم دائم بين «حزب الله» وحركة «أمل» من جهة، وبين «تيار المستقبل» و «اللقاء النيابي الديموقراطي» من جهة ثانية ما لم يستند الى مقاربة مقبولة للعلاقات اللبنانية – السورية التي تزداد تأزماً يوماً بعد يوم. كما يؤكدون ان ما يحصل في الوقت الحاضر من مشاورات بين القوى المنتمية الى الحلف الرباعي بغية اقناع الوزراء الشيعة بوقف تعليق حضورهم جلسات مجلس الوزراء، لن يتجاوز التوصل الى هدنة سياسية ستكون معرضة الى الانتكاسة تلو الأخرى.

وبكلام آخر، يعتقد الحلفاء بأن خروج الجيش السوري من لبنان لا يعني نهاية المطاف من ناحية ولا يلغي الدور السياسي لدمشق من ناحية ثانية وان كان قد تراجع لبعض الوقت.

ورداً على سؤال يوضح هؤلاء ان التسوية لن تكون متوازنة بين الولايات المتحدة الاميركية وبين سورية وايران وان الاخيرتين ستقدمان بعض التنازلات لقاء الحفاظ على حد ادنى من الدور السوري في لبنان للحفاظ على المصالح السورية فيه وتثبيت الحضور السياسي لـ «حزب الله» الذي لم توقف الادارة الاميركية استهدافها له، علماً ان الحزب موجود بقوة في الحياة السياسية اللبنانية.

ويضيفون ان التسوية ستكرّس الدور المميز لايران في العراق في موازاة دور أقل لسورية، مشيرين ايضاً الى تسليم النظام السوري بزعامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) ومبادرته الى التضييق على ما يسمى قوى التحالف الفلسطيني الحليفة له، اضافة الى انه سيقدم المزيد من التنازلات الامنية في العراق، خصوصاً ان للتهدئة التي شهدها في الانتخابات وجهاً آخر وهو ان لسورية علاقات مباشرة بالقوى العراقية الداعمة للتصعيد العسكري.

إلا ان الحلفاء انفسهم يعترفون ايضاً بأن «أمل» والحزب لن يفرطا بعلاقاتهما التحالفية بسورية التي ترعى بالتعاون المباشر مع ايران بعد وصول محمود أحمدي نجاد الى رئاسة الجمهورية، الحال الشيعية الرافضة لمبدأ استهداف النظام السوري من لبنان.

وفي المقابل، أكدت مصادر في الغالبية النيابية لـ «الحياة» ان لا مؤشرات الى احتمال التوصل الى تسوية اميركية – سورية – ايرانية، لافتة الى ان الحديث عن انفراج في علاقة دمشق بالمجتمع الدولي لا يقوم على ادلة وبراهين بمقدار ما ينم عن رغبة سورية.

ورأت المصادر نفسها ان النظام السوري يحاول ان يوحي بأنه مرتاح الى وضعه في المنطقة على خلفية ان القرار الاخير لمجلس الامن الدولي الرقم 1644 والخاص بالتحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم يكن لمصلحة خصوم سورية في لبنان.

وسألت عن مبرر التفاؤل الذي يعبر عنه حلفاء سورية في بيروت طالما ان النظام السوري لا يزال مستنفراً الى اقصى الحدود ضد القوى المحلية المناوئة له. وأضافت: «اذا كان النظام السوري يبدي ارتياحه لما سيتوصل اليه التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الحريري، على قاعدة ان لا علاقة له بالجرائم التي حصلت في لبنان منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، فما هو المبرر لمواصلة حملاته الاعلامية المنظمة ضد القوتين الاساسيتين في الحلف السياسي المناوئ له، «تيار المستقبل» و «اللقاء النيابي الديموقراطي»؟

وأكدت المصادر ان الغالبية لم توجه التهم الى النظام السوري جزافاً ومن دون أدلة وبراهين وانما نتيجة ما توصلت اليه من معلومات موثقة تتعلق بمحاولة اغتيال حمادة، اذ ان كبار الضباط السوريين العاملين آنذاك في جهاز الاستخبارات السورية في بيروت بادروا الى الاتصال بضباط لبنانيين يتولون التحقيق فيها وطلبوا منهم التركيز في التحقيقات على ان اسرائيل تقف وراء المحاولة من دون ان يسقطوا من حسابهم ان يكون حمادة شخصياً هو الذي دبّر المحاولة ضد نفسه بغية حب الظهور وتسليط الاضواء عليه باعتباره واحداً من ابرز المستهدفين!

ورأت المصادر ان الغالبية كانت اول من اعلن انها ضد فرض عقوبات على سورية او استهداف النظام السوري من لبنان، لكنها ستواجه بقوة المحاولات الرامية الى استرداد العلاقات السورية – اللبنانية كما كانت عليه في السابق وكأن شيئاً لم يكن.

وأيدت المصادر تفهمها للانتقادات التي يوجهها جنبلاط للنظام السوري وتتعامل معها على انها تصب في خانة الدفاع عن النفس طالما انه على لائحة المستهدفين وخصوصاً ان بعض وسائل الاعلام السورية من رسمية وشبه رسمية كانت تحرض ضده في حين كان رئيس «التقدمي» بادر الى تجميد حملاته على النظام السوري.

ونقلت المصادر عن اوساط في الحزب التقدمي الاشتراكي ان جنبلاط «هو اول من أتم واجباته حيال «أمل» والحزب وكان بادر الى دعم عودة الرئيس نبيه بري الى سدة الرئاسة الثانية وحمل لواء الدفاع عن المقاومة وسلاحها، لكن الحركة والحزب لم يتعاملا معه بالمثل وضغطا على مجلس الوزراء لمنعه من اصدار رد على الرئيس السوري بشار الاسد عندما هاجم رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وانتقد بشدة جنبلاط وسعد الحريري».

وأعربت الاوساط نفسها عن اعتقادها بأن «المقاومة لا يحميها الا الإجماع الداخلي بخلاف رهان البعض على العامل الاقليمي وتحديداً السوري على انه الرافعة الاساسية التي توفر له هذه الحماية».

وسألت الاوساط: «هل بات في مقدور قوة خرجت أمنياً من لبنان وضعف دورها ان توفر الحماية للمقاومة كبديل عن القوى الحليفة للحزب وأمل؟»، وقالت ان الاختلاف حول الجهة التي تؤمن هذه الحماية كانت وما زالت البند الاساس على جدول اعمال الحلف الرباعي.