د . م . نبيــــل طعمـــــة

دخلت يوماً، أيام الدراسة في أوربا على صديق لي في غر فتة وبينما كان يصنع القهوة كانت عيناي تجولان في أشيائه ، لفت نظري صورة موضوعة على طاولة الدراسة وهي لسيدة إفريقية نصفها الأعلى عارٍ كان خلفها مشهد مؤلف من كوخ وبعض الأشجار والصخور كانت صورتها بالنسبة لي فاقدة من وجهة نظري لكل عناصر الجمال وبينما قدم لي القهوة سألته من تكون فقال بسرعة أنها ملكته وضحك واستدرك فقال لي هي زوجتي وهذه مملكتي بيتي كم أنا وفي بلاد الجمال والأناقة أشتاق ومشتاق للعودة إلى مملكتي وملكتي . كانت بلده زيمبابوي في إفريقيا الجنوبية .

كانت أسئلتي وأنا احتسي القهوة سريعة هل تحبها أجل وتابع زوجتي مملكتي وأرضي يشدني حبها تجذبني صخورها تستهويني شمسها التي بفضلها تحولت إلى هذه السمرة السوداء ليس أنا فقط بل أنا وكل أبناء أرض وطني افريقية سألته كم تحبها .

أجاب وهل تسألني عن حياتي وروحي التي إذا انفصلت عني انتهت ولم يعد لي هنا وجود أعود لأقول لك فهي وجودي وشخصيتي وفكري ولوني. أنا هنا لأعود لطبيعتي بكل مافيها .. وأنا هنا مرغم لم ولن تغرني كل هذه الأشياء المحيطة بنا وبهم الآن هدفي أن اكسب معرفة أكثر لأعود واثبت وجودي وأني استحق البقاء، لاكما هم يخططون لنا أن الرب أبيض وأنهم ممثلوا الرب وعلينا طاعتهم وخدمتهم، وأن علينا أن نفتح أبواب منازلنا وقرانا ومدننا ودولنا لهم. وأن لهم الحق في أن يفعلوا مايشاؤون وأن ينهبوا ثرواتنا، ولكن إرادتنا أقوى أرادوا لنا التخلف والإنهدام والانهزام أمام ممثلي الرب فقاومنا وقاومنا. وأنا الآن كما ترى أتعلم لأقاوم وأتعلم لأعود فالفضل لإفريقيتي مملكتي وملكتي التي من ترابها تكونت وبمائها عجنت ومن هوائها حييت هكذا أنا . هي انتمائي والفضل الواجب عليّ أن أرد لها فضلاً، فلو لاها لما كنت ولما كان بيتي ولما كانت مدينتي ودولتي. إنني أعتز بلون بشرتي أعتز بعاداتي وتقاليدي فهي هويتي بين الأمم.

ثم خاطبني أنت عربي لونك عربي شكلك عربي صوتك عربي، وخصوصيتك سوريه عرفتها منك بأنك سوري أي أنك عربي سوري فمهما حاولت أن تخرج من جلدك لن تخرج ومهما اغتربت وارتحلت خصوصيتك معك في أعماقك بين جنباتك لأنك معجون من تربه عربية وهواء عربي وماء عربي خصوصيتك السورية أنت عربي سوري فلتعتز بسوريتك العربية كما أعتز ببلدي الإفريقية.

انتشيت بهذا الكلام الحقيقي وتحفزت وشكرته على فنجان قهوته واستقباله، وأنا أغادره كان أن إلتفت للمرة الأخيرة إلى الصورة فوجدتها جميلة من خلال ماحدثني به بأنها ملكته ومملكته. عدت إلى غرفتي تفكرت بلون علمي المكون من الأبيض والأحمر والأسود والأخضر فوجدت دم الشهداء على مر العصور دم العلماء دم الأنبياء والأولياء.. دم المتحضرين الذين بنوا بلدي سوريا والذين منا وعليها نشروا الحضارة وأشادوها وعلموها للعالم أجمع.. وجدت الحرب على الظلام والظلم الأسود والمؤامرات التي تحاك لبلدي لشموخها وإباء أبنائها..

وجدت السلام الأخضر غصن الزيتون الذي ننشده ونحمله لنا ولغيرنا نحمله بين جنباتنا ونقدمه من أيدينا ليتعلم منه الجميع وجدت النور الأبيض الذي نرَى ونُري من خلاله الأمم ونضيء لهم الدروب والمسالك كي يروا الحقيقة بكل أشكالها تعالوا ننتمي جميعاً لترابنا ومائنا وهوائنا سمائنا وشمسنا وقمرنا ونجومنا تعالوا ننتمي لعلمنا بألوانه نتعلم منه الحب فهو الذي يرفرف فوقنا طائراً جميل بألوانه يناشدنا بأن نتوحد معه ونتحد تحت لوائه شعباً وقيادة وقائداً يداً واحدة ندافع عنه ففيه عبق التاريخ ودم الشهداء وغصن الزيتون والسلام الذي نشده لنا وليغيرنا فلننتمي لبعضنا أكثر وأكثر معانقين معاهدين على حمايته وصون عزته وكرامته.