محمد نور الدين/السفير

لم يكن رجب طيب أردوغان، رئيس الحكومة التركية وزعيم حزب العدالة والتنمية يتوقع أن تكون <<هدية>> العام الجديد ثقيلة الى هذا الحد. فالتصريحات التي خرج بها البروفسور عز الدين دوغان، زعيم جمعية <<جم>>، أكبر المجموعات العلوية في تركيا، في حوار أجرته معه صحيفة <<ميللييت>> يوم الاثنين الماضي، بمثابة القشة التي ستقصم ظهر البعير، والكيل الذي طفح والذي بدأ بالامتلاء منذ أكثر من خمسة عشر عاما.

وضع دوغان نقاط وجهة نظر العلويين في تركيا على الحروف وقام بجردة حساب شاملة مع الجميع: العلمانيين والإسلاميين ورئاسة الشؤون الدينية، مكررا المطالب الرئيسية للعلويين: التمثل في رئاسة الشؤون الدينية أو إقامة مجلس خاص بهم، إدراج المذهب العلوي في مناهج التعليم، مساعدة الدولة لبناء دور العبادة العلوية مثلما تساعد في بناء الجوامع.

ويستمد العلويون في هذه المرحلة قوى دفع لم تكن متوافرة سابقا، وهي إدراج مطالبهم والاعتراف بهم ك<<أقلية مسلمة>>، في تقرير الاتحاد الأوروبي. وهو ما سوف يشكل بكل تأكيد أحد أكبر التحديات التي ستواجه حكومة أردوغان تحديدا، التي عليها أن توافق بين قاعدتها الإسلامية السنية وبين مطالب الاتحاد الأوروبي حول الحريات الدينية والمذهبية. وسيكون ذلك امتحانا حقيقيا لقول أردوغان: <<كنتُ إسلامياً وأصبحت ديموقراطياً محافظاً>>.

يقول عز الدين دوغان إن تطوير الديموقراطية وتجذيرها يحتم إقامة بنية نسميها علمانية، وتقتضي الاعتراف بحرية المعتقد. إذا لم تطبق الحريات الدينية بشكل متساو فلا فرصة لتعميق الديموقراطية. حرية المعتقد لا علاقة لها باليمين أو اليسار، وإهمالها لا يحقق السلم الاجتماعي. وإذا لم يجد العلويون مكانا لهم في تركيا، فلا يمكن توقع أن يساهم 20 25 مليون علوي في الديموقراطية.

يعيد دوغان افتقاد العلويين لأحزابهم السياسية، الى سياسة الصهر التي طبقتها الدولة العثمانية على امتداد أربعمئة سنة ضد العلويين، بل سياسة المجازر ضدهم والتي أبادت زعاماتهم واضطرتهم للجوء الى الجبال. ويقول إنه عندما اعتنق الأتراك الإسلام بدءاً من القرن التاسع للميلاد، كانت الجغرافيا الإسلامية تشهد حدثا آخر وهو الاضطهاد لكل من يمت بصلة لسلالة النبي محمد، ومقتل معظمهم. ومن تمكن منهم من الفرار قصد شمال أفريقيا وباكستان وتركستان. وقد فتح الأتراك صدورهم لنسل محمد وعلي. ولمن لا يعرف فإن القبور الجماعية العائدة لأهل البيت موجودة الآن في تركمانستان وبخارى. انه اختلاف تفسير الأتراك للإسلام عن تفسير العرب له يكمن هنا. فالتركمان وعلويو الأناضول الذين احتضنوا أهل بيت علي، قاموا بتفسير أكثر حرية للإسلام والقرآن.

ويعترف دوغان بأن شيعة إيران أقرب إلى السنة وليس إلى العلوية. لكن الرابطة الأكثر أهمية بين الشيعة والعلوية هي حب أهل البيت والأئمة الاثني عشر، ليس لدى الشيعة موسيقى، ولا تؤدي النساء الصلاة الى جانب الرجل. المبشرون الإسلاميون الذين جاؤوا الى الأناضول كانوا أكثر حرية في التفسير. فتحولت الصلاة الى <<جمع>> (مكان عبادة العلويين). وهنا الانتقاد الأكبر الذي يوجه للعلويين. لرئاسة الشؤون الدينية تقول إنها الممثل الوحيد للإسلام. إنها مؤسسة تقول إنها تفسر الدين وفقا للقواعد الإسلامية وليس المذهبية. هذا كذب من الأساس. ورئاسة الشؤون الدينية تستحق، مع الأسف، هذه الكلمات القاسية. إن الهوية العليا هي الإسلام. فمكان العبادة الوحيد في الإسلام ليس الجامع. إن الصلاة في الإسلام ليست الصلاة التي تظهرها رئاسة الشؤون الدينية. ليس من جامع في القرآن. والله جعل الأرض كلها مسجدا.

وفي عهد الرسول كان الجامع أربعة جدران. أما المئذنة فقد أضيفت في العهد الأموي.

وحول <<بيت الجمع>>، المكان الذي يقيم فيه العلويون صلواتهم، يقول دوغان إنه تقليد علوي منذ ألف عام، لكنه لم يظهر، منذ العثمانيين، إلا في مطلع التسعينيات من القرن العشرين. ويقول إن الفرق الأكثر أهمية بين العلوية والسنية هو أن السنة يعملون لنيل رضا الله، فيما الله لدى العلوية هو عند الناس. لأن الله ليس بحاجة لرضا الناس. وهذا لا يعني الإلحاد بل على العكس هذا يعني أن الإنسان قد خُلق على شاكلة الله ولا حاجة له للتوجه الى مكان آخر. وكل واحد يفسر القرآن وفقا لفهمه. حتى في عهد النبي كانت توجد تفسيرات مختلفة للقرآن.

الإسلام لدى الأتراك أكثر تسامحا وسلاما. وحتى بداية عهد السلطان سليم ياووز (الأول) كانت العلوية هي الحاكمة. والى الخلافة، حمل السلطان سليم معه من مصر، حوالى ألفي عالم دين من جامعة الأزهر وحوّل العثمانيين الى الإسلام السني.

وحول وصف حزب العدالة والتنمية بأنه يمثل <<إسلاما معتدلا>>، يقول عز الدين دوغان: <<لا تنخدعوا بالمظاهر. عندما تلقي السياسة بقناعها يتغير البشر. كنا نأمل من حزب العدالة والتنمية الكثير. في برامجه الانتخابية وبيانات حكوماته وردت وعود حول الحريات الدينية والمساواة بشكل تلبي تطلعات العلويين. وفي العام 2002 أعطينا أصواتنا كعلويين الى حزب العدالة والتنمية. لكن العلويين يعيشون اليوم خيبة أمل كاملة. لم يفوا بوعودهم. الأمم اليوم تظهر اهتماما بمصيرها. وحزب العدالة والتنمية وجه رسائل حرية الى العالم. لكنه لم يتقدم الى الأمام. بل على العكس لا يزال يعرّف العلويين على أنهم <<رؤوس حمر>> (قيزيل باش)، ان الكثير من قادة العدالة والتنمية جاؤوا من حزب الرفاه. لا يزالون ينظرون الى العلويين على أنهم مجتمع يطفئ الشموع ولا يعترف الفرد لا بأمه ولا بأخته وغير مسلم. إنها ذهنية القرون الوسطى>>.

ويرى دوغان ان أردوغان لم ينسلخ عن تقاليد أربكان. ولو كان صادقا في التكامل مع الاتحاد الأوروبي لكان تجاوب بسهولة مع الحقوق العلوية. ولولا الضغط الأوروبي لما كان حزب العدالة والتنمية التفت الى العلويين. لأن الاتحاد الأوروبي يعتبر عدم الأخذ بحقوق الأقليات سببا لتعليق مفاوضات العضوية. ويقول دوغان <<لم نلجأ الى الاتحاد الأوروبي. كنا نعتقد أننا سنأخذ حقوقنا في تركيا. وتحدثنا حول القضايا العلوية مع كل رؤساء الحكومة السابقين. وكانوا يطلبون منا الصبر وبعض الوقت. نحن ننتظر منذ أربعين عاماً>>.

ويرفض عز الدين دوغان اعتبار التقرير الأوروبي بالعلويين أقلية: <<العلويون ليسوا أقلية في تركيا. هم عنصر أصلي. وقد جاء مصطفى كمال لدى تأسيس الجمهورية الى مدينة كيرشهر للحصول على دعم شيخ علوي. وعند التصديق على قوانين الثورة، في البرلمان، كان شيخ مولوي يجلس الى يمين أتاتورك وشيخ علوي هو شلبي أفندي، يجلس الى يساره. والدعم الأكبر في معركة الاستقلال كان من النواب العلويين. لقد أسسنا معا الجمهورية. إن نموذج الدولة الذي أسس الجمهورية واستمراريتها هو نتاج العلويين أيضا. النموذج البديل لهذه الدولة، في الجغرافيا نفسها، هو الجمهورية الإسلامية. وهذه ليست دولتنا. هل هذا يعتبر عصيانا أو ثورة؟ نعم لنقل إنه عصيان. نحن فقط ندافع عن هذه الدولة كمواطنين لجمهورية علمانية. إن دولة إسلامية تقودنا الى الثورة. وهذا يعني، بالمعنى المدني، حربا أهلية. هذا يدفعنا الى حرب أهلية. إن الجمهورية الإسلامية ليست مجال حياتنا ولا نموذجنا>>.

وحول احتمال وجود <<مشروع إسلامي>> لحزب العدالة والتنمية وفرص تحققه في مرحلة الاتحاد الأوروبي، قال دوغان: <<كنا نأمل بتركيا أكثر ديموقراطية عندما وصل حزب العدالة والتنمية الى السلطة. إن منح 20 25 مليون علوي حريتهم الدينية في ظل شروط المساواة، معياره الديموقراطية. لو حصل ذلك لكنا وثقنا بأن حزب العدالة والتنمية مخلص في موضوع تطوير الديموقراطية وبأنه لا يمارس التقية. لكن آمالنا ذهبت هباء. لقد أرسل لي رئيس الحكومة قبل عام ونصف أنه سيكون سعيدا بلقائي. لكن اللقاء لم يحصل. هذا الأسبوع زارنا في مركز الجمعية نائب من العدالة والتنمية وقيادة منطقة اسطنبول. إنها الانتخابات من جديد. رئيس الحكومة، فضلا عن ذلك، يقول ان الديموقراطية أداة ووسيلة. إنهم ليسوا صادقين في هدف الاتحاد الأوروبي. يريدون التوجه الى أوروبا فقط لإلغاء تأثير الجيش. وكما يستغلون الديموقراطية، يستغلون الاتحاد الأوروبي. ان هدفهم النهائي، أن يؤسسوا، عبر الانتخابات، ديموقراطية إسلامية وجمهورية على النمط الإيراني>>.

عز الدين دوغان، رمى كرة نار كاملة في وجه سلطة حزب العدالة والتنمية، في أقوى إشارة الى أن العلويين في تركيا يتحضرون، مدعوين من الاتحاد الأوروبي، لخوض أهم معاركهم <<الاستقلالية>> منذ أبادهم السلطان سليم وخلفاؤه في القرن السادس عشر. فماذا هو فاعل رجب طيب أردوغان و<<إسلامه المعتدل>>؟