موقع الرأي / !: فلورنس غزلان

في الوقت الذي ترفع فيه " خيام الوطن " من الساحات العامة السورية، والتي نصبها النظام ورجالاته لدعم مواقفه شعبياً، و على ما يبدو لم يعد يحتاجها ـ حسب اعتقاده ـ فقد أوفت بالغرض المطلوب اعلامياً على الصعيد الداخلي وهو الأهم بالنسبة للنظام، وعلى الصعيد الخارجي كون النظام لايريد أن يزعج أمريكا بعد، وربما تكون مساعيه الصلحية قد سارت في طريق يضمن معه بقاءه ولو كلفه هذا بعض التضحيات..خاصة أن أشقاءه العرب، والذين يهمهم بقاءه المرتبط أيضا ببقائهم، فالكل يشرب من نفس النبع والكل يغرق في نفس البحر ، لهذا نجدهم يسعون جميعا عند اللزوم لحشد فرق الانقاذ لبعضهم بعضاً..وخاصة بعد التقرير الثاني لميليس والقرار 1644، والذي اعتبره النظام السوري نصراً ولو مؤقتاً، أو مهلة تمنحه بعض التنفس ليلتقط أنفاسه، ويعيد توظيب أوراقه التي خلطها رجالاته كما خلطها أسلوبه المخابراتي العقيم.، الذي أدى بزجه في مأزق حرج وخانة ضيقة حصرته وكادت تهصره ...لولا انقاذ الأخوة ومحاولات التنازل التي بدأت تأخذ العد العكسي...لانقاذ السلطة بطريقة أكثر حافظية منها صدامية ـ ان جاز التعبيرـ وصارت تلوح بوادر الراحة والتنفس على وجوه المسؤولين، لكن السؤال المطروح .. هل هناك صفقة ما في الأفق على حساب الوضع اللبناني وقضية الحريري؟ أم أن هناك ثمن سيدفع لانقاذ مايمكن انقاذه؟ وكلاهما لايصب في مصلحة الشعب السوري بل في خانة خسارته الفادحة لأنه من سيدفع الثمن من حريته وديمقراطيته التي ينشد.. وستكون هذه الحلول على حسابه هو... كما ستكون كارثية بالنسبة للأخوة في لبنان أيضاً.

أما دور المعارضة الضعيفة ، والتي يحاول البعض اخراجها الى نور العلن والوحدة والالتقاء على أطر توافقية تحفظ لكل طرف أو تيار خصوصيته وتلتقي على الحدود الدنيا للمطالب الوطنية متمثلة باعلان دمشق، وعلى الرغم مما وجه لهذا الاعلان من نقد وتشريح من قبل البعض ، دون أن ننكر مالقيه من اجماع وقبول حتى من أطراف انتقدته لكنها وجدت فيه أملها مع كل هذا ..فان اتفقنا مع بعض بنود الاعلان واختلفنا على بعض فقراته ، انما هذا لايمنعنا من تأييده والسعي والمطالبة في استمرارية العمل لتبلور موقع المعارضة ودفعها باتجاه طريق أكثر فاعلية ووضع برنامج وخطة عمل مستقبلية تقوم على الحراك الشعبي ومحاصرة النظام من أجل التغيير..وبكل الطرق المشروعة والممكنة.. انما ضعف الموقف لدى بعض أطراف المعارضة، الى جانب عدم الوضوح في الرؤيا لدى شريحة لابأس بها من أبناء الوطن والذين يمكن أن يكونوا رافدا للتغيير وسائرا في مركبه...نجدهم يقفون بحكم مفاهيم الخلط بين الوطن والنظام ...وبحجة الموقف " القومي " ـ حسب تعبير البعض ـ يقفون الى جانب الاستبداد!! ويفضلون " الاستبداد الذي تعرف على ديمقراطية لاتعرف هويتها"!!! وكله حسب مانسمعه من تفسيرات وطروحات !!

وهنا لا بد من سؤالهم : ـ هل القومية العربية صنواً للاستبداد والقمع ؟؟ وهل وقوف المعارضة ضد الاستبداد يجعل منها متواطئة مع الغرب والمشروع الأمريكي ؟ ـ حسب مايحلو للبعض الغلو والقول والخلط ـ

وهل حصار النظام وأزمته مع المجتمع الدولي تعني حصار الوطن بالذات والشعب السوري أيضاً؟ هل الشعب السوري من اختلق العداوة للنظام الدولي ومن خلق أزمة معه؟؟ وهل كل ما هو غربي يعتبر عدواً ويصب التعامل معه في خانة التخوين والخيانة الوطنية؟؟؟

أن أكون ضد الاستبداد هذا أمر بيهي ومشروع لكل مواطن عانى الظلم والاضطهاد والقمع ، وحوصر وسلبت أرزاقه وانكفأ باحثا عن لقمة العيش ممنوعاً من ممارسة السياسة.. ممهوراً بختم الرعية لا المواطنة.. معزولا كونه ليس من أبناء الحزب القائد، أو من مافيا السلطة وأزلامها المنتفعين والفاسدين ، والذين أودوا باقتصاد الوطن الى درك الهاوية...من الطبيعي اذن أن تصبح أمنية المواطن الشريف في هذا الوطن هو الخلاص من الاستبداد وأن يكون حلمه بناء دولة الحرية والديمقراطية ...دولة الحق والقانون... دولة تمثيل المواطن أمام القانون بغض النظر عن جنسه ولونه وعرقه ..عن تساوي كل شرائح وأطياف الموطنين السوريين خاصة أمام قانون اختاروه ودستور صوتوا عليه ...هذا حلمي كمواطنة عادية ..تسعى الى تحقيقه بطرق سلمية .. وهل يعني هذا التخوين؟؟ وهل تعني القومية العربية ...أن أقف مع " طابور السلطة والبروباغاندا الدعائية لها"، باعتبارها حامية الوطن و " آخر قلعة من قلاع القومية العربية " للدفاع عن قضية فلسطين !! وهي التي ضمنت لاسرائيل حدوداً آمنة وهادئة خلال أكثر من ثلاثة عقود، ولهذا نجد شارون يرفع عقيرته منادياً بالابقاء على النظام السوري !! ويرفض حتى اقامة سلام مع سورية" النظام" لماذا برأيكم؟؟ ولماذا يعيد الجولان أيضا؟؟ طالما أنه ضامناً لتفوقه العسكري، وقدرته على احباط أي رد فعل ولو بالدفاع عن النفس من قبل هذا النظام ، بالاضافة لأنه يضمن السلام الذي يريده دون ثمن فلماذا يعيد الجولان؟ وهل هناك قدرة سورية على استعادته بالقوة أو حتى المقاومة؟؟ لكن هذا النظام يلعلع بالابقاء على سلاح حزب الله باعتباره سلاح مقاومة!! لله في خلقه شؤون!! وللنظام في رأيه شؤون أيضاً وفهمكم كفاية!!.

ألم تلاحظوا كيف يقف هذا النظام عاجزاً حتى أمام مطالب أهل جولانه في أبسط الأمور الانسانية ، وأقلها حقوق مواطنيه الجولانيين عليه ، وهو تبادل أسرى الجولان بجثة جاسوس اسرائيلي، وأكثر من هذا يطالب أهل الجولان " المحتل " باقامة خيمة وطنية لدعم مشاريعه ومواقفه الخاطئة والثمن الذي يراد للمواطن السوري أن يدفعه وقد دفعه طيلة عقود من العسف والظلم تحت رايته السلطوية ...من أجل انقاذ حفنة قتلة من رجال مخابراته، وليس حقيقة من أجل انقاذ الوطن من التآمر عليه ، فمن يتآمر على الوطن؟ ومن وضع هذا الوطن بفم المدفع ؟ وكيف وصل الوطن الى اتهامه بالقتل. وهل الشعب السوري هو القاتل ؟ وهل يقوم المواطن الفقير بارتكاب جرائم الاغتيال لأصوات الحق والحرية؟؟ لصوت الكلمة سلاح الانسان السلمي من أجل حرية وطنه ...لكم في سمير قصير وجبران تويني وشدياق وغيرهم خير مثال... وقد هدد هذا النظام مرارا على لسان مسؤوليه بنشر الفوضى والدمار فيما لو أدين...وعلى طريقة شمشون .." علي وعلى أعدائي يارب " ... أو علي وعلى الوطن ...ان لم ينقذ رجالاته من أبناء السلطة والأسرة الحاكمة.

المؤسف هنا، هو موقف بعض من يضعوا أنفسهم تحت سقف المعارضة والديمقراطية !! والتي تطالبنا أصواتهم اليوم الانضمام الى " الوطن النظام!" بحجة ان الوطن في خطر ! وأن هناك تآمر أميريكي على الوطن ولانقاذ قلعة الحرية والصمود " النظام السوري"!!!

لنفرض جدلا أن هناك تآمر على المنطقة وهناك مخططات للمنطقة ، وهل هذا جديد علينا؟ وهل لعاقل لايدرك أن للدول الكبرى مصالحها الحيوية في المنطقة؟ وهل لعاقل لايعرف أن هذا النظام قد خدم ولعقود طويلة هذه المصالح وبأمانة الولد المطيع لأسياده ...ونفذ كل مطاليب أميركا بالذات في المنطقة من أجل ضمان استمراريته والابقاء على حالة اللا سلم واللاحرب السائدة من أجل سلامة اسرائيل وسلامة نظامه القائم على حساب التوازنات وبنفس الوقت حساباته البنكية في نهب لبنان وسورية... والمساومة بالقضية الفلسطينية و بين أطراف المقاومة خاصة على طريقة " فرق تسد " .

.وفي لبنان حين سحب كل سلاح المقاومة الوطنية ، والتي هي من بدأ بمقاومة المحتل وعلى رأسهم آنذاك الحزب الشيوعي اللبناني والقومي السوري، وحصر سلاح المقاومة في أيدي حزب الله الذي بدأ يخلق آنذاك بفعل الوجود القوي الايراني في لبنان، وكي يجعل من المقاومة ذات طابع طائفي لا طابع وطني ديمقراطي ...فلو انتصر الطابع الديمقراطي لشكل خطرا كبيرا على المنطقة وعلى حساباته فيها وعلى حسابات أمريكا والديمقراطية التي تريدها أيضاً.. لا التي يريدها اللبناني والسوري ...بل خطرا على وجوده، .وكي يحمل حزب الله فيما بعد صفة البطولة وتنسب اليه فقط المقاومة والتحرير ...ولا ننسى الدعم اللوجستي والمادي الكبير المدفوع من جيب ايران وليس من جيب السلطة السورية.

اذن التآمر لم يتوقف وسيبقى قائما مادامت أوطاننا تضم بين جوانحها أنظمة استبدادية وديكتاتورية..لكن ألا توجد داخل هذه الدول المتآمرة تنظيمات ومؤسسات وقوى حية وأحزاب سياسية تدعم قضيتنا من أجل تحريرنا ومن أجل بناء دولة الحلم عندنا؟ ويمكنها دعمنا في مسيرتنا هذه ونضالاتنا ويمكن لمصالحها السياسية أن تتقاطع مع مصالحنا؟ ...هل يمكننا تخوين مناضلينا شهداء السادس من أيار والذين نسميهم رجال نهضتنا وتحررنا من الاستعمار العثماني آنذاك ؟ حين ذهبوا مرارا وتكرارا لعرض مطالبنا على الدول الغربية من أجل خلاصنا من الحكم التركي... نحتفل على الدوام بنضالاتهم ولا نتهمهم بالخيانة كونهم رفعوا صوت الحرية في المحافل الدولية. فلماذا التخوين لكل من يرفع صوته مطالباً بالضغط على هذه السلطة من أجل التغيير ؟

التغيير لانريده بالطبع من خلال الدبابة ، ولا نريده من خلال حصار اقتصادي على الوطن يدفع المواطن ثمنه

ولا نريده من خلال التسلط العسكري والاحتلال...لكننا بالتأكيد مع كل ضغط سياسي ومعنوي يمارس على الاستبداد ..نمد له يدنا وندعمه من أجل صالح الوطن والمواطن..من أجل الانتقال بهذا الوطن من حالة الاستبداد والديكتاتورية الى حالة الحرية والديمقراطية... فأين تقع الخيانة؟؟ وفي نفس من؟؟ وأين تكمن القومية العربية هنا وأين تمس مصالحها ؟؟؟ ولماذا لاننعت السلطة نفسها حين تتنازل حتى عن الأرض في سبيل بقائها بالخيانة؟؟؟؟

ولماذا عند تفاوضها لحماية رجالاتها وليس الوطن لاتنعت بالخيانة؟؟ وينعت كل من يرفع صوته عبر الاذاعات والبرامج التي تفتح نوافذها لصوت الحرية بغض النظر عن مآربها التي ربما نختلف معها ...لكن ألا نستطيع تسخيرها لنقول مانريد قوله؟ في وقت تغلق أمامنا فيه كل نوافذ الاعلام العربي المتواطيء والاعلام الرسمي الوطني أمامنا من أجل سيادة سلطة القمع والاستبداد ...فكيف يمكنني بعد هذا أن أقف مع نظام كهذا؟؟ وكيف يجرؤ ..أحدهم على نعت كل من ينادي بالحرية أنه خائن... فمن الخائن بيننا؟؟؟ حكموا الضمير بالوطن وبأنفسكم ومسيرتكم ...فان كنتم تريديون بهذا حماية رؤوسكم فقط خوفا من بطش السلطة ، فاننا لانحاسبكم ...لكن لاتغطوا عجزكم وتخاذلكم بأثواب الوطنية ...ولا تتهموا من هم أكثر منكم جرأة في طرح القضية بالخيانة... وعلى الأقل رحمة بأنفسكم وبمواطنكم وبالتاريخ ... قفوا على الحياد ولوذوا بالصمت فهو الأجدر بأمثالكم ...

أعتقد أن أمام المعارضة أكثر من معركة عليها أن تخوضها في عالم كثر فيه المنظرون ، وانتشر فيه الضعف والهزال الوطني ...والمرض الايديولوجي ، فيجب البحث عن المخارج السياسية ونقاط التفاهم السياسية قبل الايديولوجية ...للخلاص والانتقال بوطننا المعاني والمتعب والمكتئب والمظلوم من حالاته ...الى نور الحرية والديمقراطية ، ولنختلف بعد هذا على الايديولوجيا ...أمام صناديق الاقتراع...