معاريف

يوسف حريف
عندما كشف رئيس الحكومة للمرة الأولى عن خطته المتعلقة بفك الارتباط أحادي الجانب عن غوش قطيف وعن عدد من مستوطنات شمال الضفة، تحدث عن بشرى مزدوجة: هذه الخطوة ستعزز الأمن وتقرب السلام. لكن بعد ثلاثة أشهر على تنفيذ هذه الخطة، يبدو أنه ثمة أساس لهذه البشرى المزدوجة. ذلك أنه لم تكد تمضي بضعة أسابيع حتى سيطرت حركتا الجهاد الإسلامي وحماس على المنطقة التي أخليت، وبدأتا بإطلاق صواريخ القسام باتجاه مستوطنات مدنية وأهداف عسكرية في إسرائيل، ولم تترددا في الأيام الأخيرة من توجيه عمليات قصفهما الى منطقة أشكلون، زيكيم وكيبوتس ساعد.
صحيح أن شارون قال عندما قدم خطته إن تنفيذها لن يضع بالضرورة حداً للإرهاب، لكنه أصر على موقفه القائل إن فك الارتباط سيساهم في تعزيز الأمن، أما بالنسبة للإرهاب، فهو وعد بأن الحكومة ستعرف كيف تتعامل معه بشدة وصرامة.
صحيح أن الجيش الإسرائيلي رد في الفترة الأخيرة بإطلاق نيران المدفعية وعمليات القصف من الجو، واستأنف التصفيات المركزة (الاغتيالات)، لكن يبدو أن هذا الرد غير فعال بشكل كافٍ. وحتى أنه يبدو أن كثيرين من مؤيدي فك الارتباط لم يتكهنوا أننا سنصل الى وضع تضطر فيه إسرائيل الى تنفيذ منظومة إجراءات وقائية ضد القسام.
من المناسب جداً التذكير أنه كان هناك عدد من الأشخاص، أبرزهم رئيس الأركان السابق موشيه يعلون، حذروا من سوء الوضع الذي سينشأ نتيجة للانسحاب الأحادي الجانب، ولا جدوى من العودة الى هذا السجال، لكن من الواجب فحصه عبر الواقع، فقد ثبت، خلافاً للتوقعات المتفائلة، أن الوضع الأمني للمناطق التي أخليت لم يتحسن، بل ازداد سوءاً.
يعلن رئيس الحكومة دوماً أن "خارطة الطريق" هي الخطة السياسية الوحيدة الموجودة لدفع السلام قدماً، لكن شرطه الرئيسي والأول لاستئناف المفاوضات هو واجب السلطة الفلسطينية بوضع حد للإرهاب واجتثاث بنيته التحتية. وعملياً، اعترف رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن، أنه ليس في مقدوره السيطرة على حماس والجهاد الاسلامي. وإذا كان الأمر كذلك، فإن إسرائيل تجد نفسها مجدداً من دون شريك للسلام.
يشعر شارون أن ضبط النفس من جانب إسرائيل يؤدي الى مفاقمة الوضع. فالجمهور لا يستطيع أن يتحمل لفترة طويلة من الزمن فقدان الأمن، وفي المسار السياسي نشأ فراغ لضعف رئيس السلطة وعجزه عن فرض سلطته على خصومه في المنظمات المختلفة. على خلفية هذه الأمور، أصدر شارون أوامره هذا الأسبوع الى المحافل الأمنية لزيادة الهجمات على قادة الجهاد الإسلامي وحماس وعلى مؤسساتهم، واستكمال التحضيرات لتشغيل منطقة عازلة في قطاع غزة.
أمس الأول نشرت في "معاريف" صيغة البرنامج السياسي لحزب "كاديما"، وبموجبه سيعمل الحزب بكل وسيلة ممكنة من أجل تقدم عملية السلام ولوضع الأسس لبلورة الحدود الدائمة لدولة إسرائيل. وبالفعل، ومن أجل السلام، من المناسب العمل بكل وسيلة باستثناء وسيلة واحدة هي مبدأ "أحادية الجانب". فالدروس المستقاة من فك الارتباط عن غزة تلزم اتباع نهج حذر ودقيق عندما يحين وقت مناقشة مصير الضفة الغربية. لقد ثبت أنه مع "شركاء" مثل الفلسطينيين، فإن فك الارتباط الأحادي الجانب يشكل وصفة لمواصلة الحرب، وأن المناطق التي تخلى لا تقرب السلام، بل تتحول الى مواقع تطلق منها صواريخ القسام القاتلة.