الخليج

عام انفجار التناقضات وخروج سوريا من لبنان

كان الحدث الأبرز الذي ألقى بكل ثقله على الوضع اللبناني طوال العام المنصرم، وأثر على نحو قاطع هو حدث اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وتداعيات هذا الحدث المدوي، والتي كان من أبرز معالمها:

انسحاب سوريا عسكرياً من لبنان بعد وجود دام نحو ثلاثين عاماً.
انحسار التأثير السوري في الوضع السياسي اللبناني، والذي تكرس اكثر ما يكون بعد العمل باتفاق الطائف في عام 1980 وقد تجسد حدث انحسار الظل السوري من لبنان، بنتائج الانتخابات النيابية التي أدت الى غلبة نيابية معادية لسوريا.

شروع رئيس لجنة التحقيق الدولية بقضية اغتيال الحريري القاضي الألماني ديتليف ميليس برحلة تحقيقات طويلة أفضت على نحو أولي الى اعتقال أربعة من قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية وأسفرت عن وضع تقرير رفع الى الأمم المتحدة، حاصر سوريا وفريق عملها في لبنان بشبهة الضلوع في اغتيال الحريري، وعلى أساسه أصدر مجلس الأمن قراراً جديداً حمل الرقم ،1636 وضع بموجبه سوريا وجهاً لوجه امام المجتمع الدولي، وخيرها ضمناً بين أمرين، التعاون المطلق مع ميليس والسماح له باستجواب 5 من القادة الأمنيين الذين عملوا في لبنان، أو فرض عقوبات مختلفة.

دخول العلاقات اللبنانية السورية التي كانت تقدم في السابق كنموذج يجب ان يحتذى للعلاقات التكاملية بين بلدين وبين متجاورين، في ازمة متفاقمة، بلغت مراحل قصوى، وأفضت الى انقسام لبناني حيالها، لا سيما بعد ان بادرت الحكومة اللبنانية التي يترأسها، الرئيس فؤاد السنيورة المحسوب مباشرة على تيار الحريري الى فتح ملفات من شأنها زيادة عامل التوتير في هذه العلاقات، ومنها ملف ترسيم الحدود، وملف السلاح الفلسطيني في لبنان وسواهما من الملفات الشائكة والمزمنة.

وعموماً فتح حدث اغتيال الحريري، المدوي، الوضع اللبناني عموماً على كثير من الاحتمالات الإيجابية بنظر البعض والسلبية بنظر البعض الآخر، وإنما عرّض هذا الوضع لرياح التأثيرات الخارجية، واعاد ادخال لبنان مجدداً في عين العاصفة الاقليمية والدولية بعدما خيل للكثير من اللبنانيين، في الاعوام السابقة خصوصاً بعد سقوط العراق، أن بلدهم لم يعد الساحة التي تتفجر فيها تناقضات المنطقة، او يبعث المعنيون عبرها بالرسائل بعضهم لبعض.

مقدمات التأزم، او بوادر الانفجار، حبل بها العام ما قبل الماضي، وبالتحديد عندما أصرت دمشق على التمديد لرئيس الجمهورية العماد اميل لحود لنصف ولاية رئاسية (أي ثلاثة أعوام).
هذا الإصرار، كان رغم المعارضة الضمنية لعدد من حلفاء دمشق والمعارضة المعلنة لبعضهم الآخر، إضافة الى معارضة مطلقة من جانب الشارع المسيحي الذي كان يُدرج الرئيس لحود في خانة الموالي لسوريا والمؤتمر بأمرها.

علماً ان هذا الشارع كان بدأ منذ عام 2000 يُعبر عن مناهضته للوجود السوري العسكري والسياسي في لبنان، وقد نظم بقيادة المرجعية الدينية المتمثلة بالبطريركية المارونية حركة احتجاج واسعة على هذا الوجود.

في بداية الحديث عن الرغبة السورية بالتمديد للحود، اعرب الرئيس الشهيد الحريري عن معارضته لهذا الأمر في اكثر من مناسبة.
وقد عد العديد من المراقبين هذه المعارضة، مظهراً من مظاهر بداية فتور العلاقة بين دمشق والحريري.

ورغم ذلك فإن الحريري، وقبل ساعات من موعد اجتماع مجلس النواب اللبناني في آب/أغسطس للتمديد للحود، فاجأ الوسط السياسي، بإعلانه النزول عند رغبة دمشق، والالتزام بما تريده، على رغم ان حلفاءه وخصوصاً رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، صوتوا جهاراً ضد التمديد معتبرين إياه “هرطقة” قانونية مخالفة لأبسط قواعد الديمقراطية.

وكان ذلك التمديد بمثابة “قيمة مضافة” غذت الاحتقان السياسي اللبناني، ما دفع جبهة المعارضة للتمديد ولسوريا الى التحرك بشكل اكبر من السابق، مدعومة هذه المرة بمناخ دولي مساعد، تتصدره واشنطن وباريس. إذ لم يمض وقت طويل حتى صدر القرار الدولي الرقم 1559 والذي نص صراحة على ضرورة الجلاء السوري عسكرياً وسياسياً عن لبنان وعلى حل الميليشيات المسلحة وجمع اسلحتها، وقد كان المعني بذلك سلاح المقاومة في الجنوب، والسلاح الفلسطيني في داخل المخيمات وخارجها.

المعارضة التي أخذت توسع أفقها، وتخرج من اطارها المسيحي الصرف، وجدت في هذا القرار فرصتها، إذ انها صارت تتصرف وكأن الوجود السوري في لبنان قد صار قاب قوسين أو أدنى من الرحيل، على اعتبار ان هذا القرار وضع لينفذ.

وذهبت هذه المعارضة الى ابعد من ذلك، عندما قالت: ان النظام السوري وقع في اصراره على التمديد للرئيس لحود في فخ شبيه بالفخ الذي وقع فيه الرئيس العراقي السابق صدام حسين، عندما اجتاح الكويت عام ،1990 بعدما ظن (صدام) ان كلام السفيرة الامريكية في بغداد في ذلك الزمن ابريل غلاسبي، اشارة على عدم الممانعة الامريكية لهذا الفعل. وهكذا تسلحت المعارضة اللبنانية بالقرار الدولي رقم ،1559 والجو السياسي المحتقن لرفع وتيرة تحركها، فكان “لقاء البريستول” الاول الذي جمع اطيافاً معارضة واسعة من كل الطوائف والمناطق، ظهرت معه هذه المعارضة وكأنها معارضة وطنية شاملة، وليست معارضة فئة أو شريحة.

وفي خضم ذلك الحدث، يأتي الحدث الثاني، الذي يكون عنصراً اضافياً مهماً لحركة المعارضة، وهو محاولة اغتيال النائب والوزير السابق مروان حمادة في محلة رأس بيروت، في اول تشرين الأول/اكتوبر من العام ما قبل الماضي وينجو المحسوب على النائب جنبلاط والرئيس الحريري مباشرة باعجوبة، ويتحول الى “شهيد حي” بنظر المعارضة التي تندفع اكثر في حراكها، وتتجرأ على نحو غير مسبوق في توجيه اصابع الاتهام لسوريا، وللنظام السياسي والأمني اللبناني الدائر في فلكها.

البدايات

ومع هذه المحاولة تنقطع كل جسور العلاقة بين دمشق وجنبلاط الذي “يفتح النار” بشراسة على القيادة السورية وعلى الرئيس لحود مطلقاً سهام التشكيك بشرعية وجوده في القصر الجمهوري في بعبدا، بعد “التمديد اللاشرعي له”، خصوصاً ان جنبلاط كان سحب بعد التمديد للرئيس لحود وزيريه حمادة وغازي العريضي من الحكومة التي كانت برئاسة الحريري، احتجاجاً على هذا التمديد.
وعلى الجانب الآخر، تبرز معالم مواجهة من نوع آخر بين قصر بعبدا والحريري على خلفية تشكيل حكومة جديدة بعد حدث التمديد.
في البداية كانت كل الدلائل تشير الى ان الحريري سيكلف مجدداً تأليف الحكومة، وبالفعل بدأت الكواليس والصالونات السياسية تتداول اسماء التشكيلة الحكومية الجديدة.

الفراق

ولكن الأمور تتعقد لاحقاً مع بروز شرط ان يكون في يد الرئاسة الاولى، “الثلث المعطل”، وهو أمر لم ينسجم معه الحريري، ورفضه رفضاً قاطعاً.

وفي صبيحة يوم من ايام تشرين الأول/اكتوبر من العام الماضي، يرن الهاتف في مكتب الرئيس الحريري في السرايا الحكومية الكبيرة المشرفة على ساحة رياض الصلح، ويكون على الطرف الآخر رئيس مجلس النواب نبيه بري العائد لتوه من زيارته الاسبوعية التقليدية لقصر بعبدا.

وخلال دقائق معدودة يقطع الرئيس الحريري المسافة القصيرة الفاصلة بين مقر رئاسة الحكومة، ومجلس النواب، حيث يتبلغ من الرئيس بري ضرورة حسم الأمر سريعاً: إما القبول بالتشكيلة الحكومية، وفق الخطوط العريضة التي رسمها الرئيس لحود، أو الاعتذار لتكليف شخصية اخرى بهذه المهمة.

وعندما تيقن الحريري ان الموقف السوري اقرب الى لحود، او على الأقل عندما اخفقت الاتصالات التي اجرها، على نحو غير مباشر مع دمشق، في ان تزحزح القيادة السورية عن “حيادها” المعلن، ادرك الحريري تمام الادراك انه لم يعد مرغوباً به سورياً، فآثر الاعتذار، والانتقال الى صفوف المعارضة وان بشكل هادىء وتدريجي.
ومع تكليف الرئيس عمر كرامي تشكيل الحكومة الجديدة والتي خلت من أي وزراء محسوبين على الحريري، انصرف الحريري الى امرين هما اولاً: تعزيز حضوره في المعارضة، ومشاركته في تحركاتها عبر السماح لاعضاء من كتلته النيابية، بالانضمام الى اجتماعاتها والانخراط في انشطتها ولقاءاتها.

وثانياً التحضير لخوض معركة الانتخابات النيابية التي كانت مقررة في مطلع نيسان/ابريل من العام الفائت، على نحو يضمن له ولحلفائه اكتساح غالبية المقاعد النيابية، لتشكيل اكثرية فاعلة ووازنة. وبالفعل بدأ الحريري، يجري اتصالات ولقاءات لتزكية لوائح في كل المناطق اللبنانية من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال مروراً ببيروت والجبل والبقاع.

وخلال الاشهر القليلة التي فصلت بين اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة وعملية اغتياله المدوية برزت جملة مؤشرات تدل على تعقد العلاقة بينه وبين دمشق، فخلال هذه الأشهر كان النواب المنضوون في كتلته ينضمون واحداً إثر واحد الى اجتماعات المعارضة التي رفعت صوتها اعلى فأعلى، كان الوزراء الجدد في حكومة كرامي والمحسوبون على دمشق مباشرة، يفتحون ابواب السجال الكلامي بينهم وبين الحريري على مصاريعها ويتهمونه باتهامات شتى ويطلقون عليه في بعض الاحيان “صفات” خارجة عن مألوف السجال السياسي.

وحيال ذلك، ساد الاوساط السياسية اعتقاد راسخ بتوتر العلاقة بين الحريري ودمشق وقد جرت محاولة سورية لترطيب الاجواء تمثلت بزيارة قام بها رئيس فرع جهاز الامن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان العميد رستم غزالة، للحريري في دارته في قريطم. وعلى رغم ان الزيارة طالت لساعات وتخللها غداء عمل إلا ان نتائج عملية لهذه الزيارة لم تظهر على الصعيد السياسي العملي، على نحو يوحي بالانفراج أو بعودة المياه إلى مجاريها.
ولاحقاً برزت محاولة اخيرة من جانب الحريري وتمثلت في ادلائه، وقبل يوم واحد من اغتياله بتصريح الى جريدة “السفير” يؤكد فيه عمق العلاقة التاريخية مع سوريا ويرفض أي محاولات لقصمها، ويعلن وقوفه الى جانبها.

الاغتيال

في وسط كل هذه التعقيدات والأجواء المتشنجة، يدوي الانفجار الضخم ظهر يوم الاثنين في 14 شباط/ فبراير، في محلة عين المريسة في رأس بيروت وخلال نحو ساعة ينجلي الدخان الكثيف للانفجار عن مجزرة مروعة، يكون الرئيس الحريري و 19 شخصاً 7 منهم من مرافقيه والآخرون عابرو سبيل من ضحاياها.

ومنذ هاتيك اللحظة المشؤومة، يصير الوضع اللبناني برمته أسير هذا الحدث المدوي الضخم، فالرئيس الحريري لم يكن شخصاً عادياً أو زعيماً محلياً، بل كان شخصية عربية وعالمية لها مكانتها الكبرى. وأكثر من ذلك يمسي هذا الانفجار المدوي معلماً اساسياً من معالم التاريخ اللبناني المعاصر، إذ إن مسار الوضع اللبناني بعد الاغتيال هو شيء مختلف تماماً عما قبله إذ تمتد تداعيات هذا الفعل في الزمان على نحو غير متوقع.

والمفاجأة الكبرى، هي انه ومنذ اللحظات الأولى للاغتيال تحاصر سوريا بشبهة الاتهام، وتخون الجرأة أي أحد أو أية جهة في توجيه أصابع المسؤولية إلى سواها، واستطراداً وللمرة الأولى في تاريخ الانفجارات والأحداث اللبنانية المشابهة، لا يبرز اسم “إسرائيل” “على سبيل المثال” كمسؤولة محتملة على هذا الفعل الإجرامي الذي تبين لاحقاً انه على درجة عالية من التخطيط الدقيق والمعقد، لأنه استطاع تجاوز أجهزة انذار متطورة يمتلكها عادة موكب حماية الرئيس الحريري، ولأنه استطاع النفاذ إلى عمق الجهاز الأمني الخاص بالحريري، والذي ينظم عادة تنقلاته ويضمن سلامته الشخصية.

وأكثر من ذلك استطاع الجناة تنفيذ عملية تفجير متطورة ومعقدة، بحيث لا يمكن لأي مستهدف فيها النجاة منها، بدليل ان التحليلات الأمنية لهذه العملية عجزت حتى الآن عن تقديم صورة جازمة وحازمة وكاملة حول تفاصيل العملية وخيوطها، باستثناء انها تمت فوق الأرض وليس في باطن الأرض كما أُشيع أولاً وبواسطة سيارة مفخخة بنحو طن من المتفجرات.

ولئن كانت الجهات الأمنية، قد قصرت في فك الخفايا الأمنية لهذه العملية على نحو دقيق ومقنع، فإن المعارضة اللبنانية ما لبثت ان سمت مباشرة وبسرعة قصوى “الضالع” بالجريمة وحاصرته بالتهمة فوراً، إذ وخلال أقل من ثلاث ساعات على الحدث المدوي كان كل أركان المعارضة يجتمعون في دارة الحريري في قريطم وفي مقدمهم النائب جنبلاط وعائلة الحريري وأركان المعارضة المسيحية ويصدرون بياناً يتلوه النائب باسم السبع، يحمّل السلطتين اللبنانية والسورية مسؤولية الاعتداء ويرفعون شعار المطالبة بالانسحاب الكامل للقوات السورية من لبنان، والذي سيصير الشعار السياسي الأكثر حضوراً ولمعاناً وإغراء لتيار الحريري وجمهور المعارضة عموماً.
وبعد يومين، يوارى جثمان الحريري الثرى في ساحة الشهداء في قلب العاصمة، وتحديداً في مسجد محمد الأمين الذي تكفل هو ومؤسسته ببنائه كمعلم عمراني ضخم، ولكن بالمقابل تنفتح كل الأبواب ضد سوريا وفريق حكمها في لبنان، واستطراداً تنفتح الأبواب أمام أزمة سياسية شاملة تعصف بلبنان من أقصاه إلى أقصاه. فالذين شاركوا في تشييع الحريري، وهم بمئات الآلاف ومن مختلف الطوائف والفئات (غالبية مطلقة سنية، واكثرية مسيحية ودرزية وأقلية شيعية) رددوا هتافات معادية لسوريا وللنظام اللبناني.
اللافت ان التشييع كان شعبياً بعدما رفضت عائلة الحريري رفضاً قاطعاً أية مشاركة رسمية، وقد كان ذلك تمهيداً لرفع شعار إقالة رئيس الجمهورية العماد لحود، وإقالة رؤساء الأجهزة الأمنية، على خلفية اتهامهم بالضلوع في الجريمة والتخطيط لها والعمل على تغطيتها.

وفي مقابل صيرورة شعار الانسحاب السوري من لبنان، الخبز اليومي للمعارضة، التي نزلت بكل ثقلها إلى الشارع وحولت مكان دفن الحريري مسرحاً لاعتصام يومي، ازداد الضغط الدولي على سوريا للجلاء عن لبنان، ومن واشنطن بالتحديد، التي دأبت على إطلاق أكثر من تصريح يومي على لسان أكثر من مسؤول يدعو سوريا إلى التعجيل بإجلاء قواتها وجهاز أمنها من لبنان، والكف عن التدخل بالشؤون الداخلية اللبنانية.

وخلال الأيام التالية يصير صوت المعارضة هو الطاغي على ما عداه من أصوات، فمع نزول اكثر من 100 الف متظاهر صبيحة 21 شباط/فبراير إلى مكان اغتيال الحريري، هدد نواب المعارضة بالاعتصام أمام مقر المجلس النيابي، ونفذوا هذا التهديد، إلى ان استدعاهم رئيس المجلس نبيه بري، واتفق معهم على أمرين الأول تأجيل بحث قانون الانتخاب الجديد الذي كان قيد الدرس في اللجان النيابية، والثاني عقد جلسة خاصة لمناقشة موضوع اغتيال الحريري.
وبالفعل يجتمع المجلس في 28 شباط/فبراير ويبدأ نواب المعارضة بإطلاق الاتهامات ضد الحكومة على مرأى ومسمع من نحو أكثر من 60 ألف مواطن تجمعوا في ساحة الشهداء القريبة، متحدين حظراً للتجمع، كانت أعلنته الأجهزة الأمنية.

وأمام هذه الهجمة الشرسة للمعارضة يفاجئ الرئيس كرامي الجميع بإعلان استقالة حكومته. وعلى الفور سارعت المعارضة إلى رفع شارات النصر معتبرة ما حدث انجازاً كبيراً لها، وثمرة من ثمار تحركها.
وتكتمل لدى المعارضة، صورة النصر بإعلان الرئيس السوري بشار الأسد من على منبر مجلس الشعب السوري سحب القوات السورية من لبنان نهائياً على مرحلتين إلى البقاع ثم إلى داخل الحدود السورية.
ومع هذا الإعلان الذي ألهب أكف المعارضين بالتصفيق تعبيراً عن شعور بالنصر، حذر الأسد اللبنانيين من 17 أيار/مايو آخر، أي حذر من وقوع لبنان مجدداً تحت قبضة “إسرائيل” على غرار ما فعلته في عام ،1983 بفرضها اتفاقية على لبنان تنتهك من سيادته وتجعله خارج دائرة الصراع العربي “ الإسرائيلي”، وتغير هويته القومية.
وأمام هذه الهجمة العارمة للمعارضة، خرج المحسوبون على سوريا عن صمتهم وانكفائهم، وشنوا هجوماً مضاداً ثلاثي الأبعاد.
فعلى المستوى الشعبي نظم هؤلاء وفي مقدمهم “حزب الله” تظاهرة حاشدة في ساحة رياض الصلح شارك فيها (حسب تقديرات المنظمين) نحو 700 ألف شخص، أطلق عليها اسم تظاهرة “الوفاء لسوريا”، والمطالبة بكشف حقيقة اغتيال الرئيس الحريري. وزج “حزب الله” بكل ثقله ورصيده في هذه التظاهرة التي كان جمهوره وأنصاره عمودها الفقري، وألقى أمينه العام السيد حسن نصر الله كلمة، شكر فيها سوريا على ما قدمته لدعم لبنان، وإخراجه من محنته، مما ألهب حماسة المعارضين وزاد في الانقسام السياسي الحاد.

وعلى المستوى السياسي، نظم الموالون لسوريا أنفسهم وجمعوا اشتاتهم وأطيافهم في لقاء أطلق عليه “لقاء عين التينة”، حيث اجتمعوا في مقر الرئاسة الثانية برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وعلى المستوى السياسي الآخر أعاد رئيس الجمهورية تكليف الرئيس كرامي مجدداً بتشكيل الحكومة، وقبل كرامي هذه المهمة نزولاً عند رغبة “لقاء عين التينة”.

واتضح لاحقاً ان “الموالاة لسوريا” قبضت عملياً على رئاسة الحكومة، وابقتها أسيرة بيد أحد أبرز أركانها أي الرئيس كرامي، الذي بدأ رحلة مماطلة تحول دون إعلان حكومته، وذلك عبر دعوته المعارضة للمشاركة معه في حكومة وحدة وطنية، وهو أمر رفضته المعارضة رفضاً باتاً.

وفي الوقت عينه كانت الموالاة نفسها تحكم قبضتها على رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب، وعلى الأجهزة الأمنية ومعظم المرافق العامة، وتستعد للمواجهة تحت شعار الدعوة إلى الحوار الوطني.

وبمعنى آخر، اعتصمت الموالاة في مواقعها، مانعة المعارضة من قلب الأمور والإمساك بزمام اللعبة السياسية. ولكن المعارضة ترفض الاستسلام، بل تواصل تحركها وحراكها، وتوجه للموالاة ضربة كبرى، عبر تظاهرة ساحة الشهداء التي جمعت عدداً فاق (حسب تقديرات المنظمين أيضاً) عدد المشاركين في تظاهرة ساحة رياض الصلح، وتضم بين جنباتها أكثرية سنية ومسيحية ودرزية.

وهكذا وفي يوم هذه التظاهرة أي في 14 آذار/مارس بدا لبنان منقسماً عمودياً إلى ساحتين، وبدا أيضاً ان الانقسام مستمر ما لم يأتِ فعل خارجي يعمل على ايجاد قواسم ولغة مشتركة، ويساهم في معالجة الاحتقان الحاصل.

وفيما بدأ المشاركون في تظاهرة 14 آذار/مارس يتهمون خصومهم في ساحة رياض الصلح بأنهم يمثلون فقط الطائفة الشيعية التي بدت وكأنها خارج الاجماع الوطني، أبدى الكثيرون خشيتهم من إطالة أمد الأزمة في الشارع وعلى المستوى السياسي، مع بروز احتكاكات ومناوشات بين المجموعات المتنافرة وظهور حالة احتقان وانقسام وعمليات قتل للعمال السوريين وتهجير لهم، مما أعاد إلى الأذهان صوراً من بدايات سني الحرب الأهلية.

وفي ظل كل هذه الأجواء يعتذر الرئيس كرامي عن تشكيل الحكومة الجديدة فتمسي البلاد بلا حكومة.

وبعد نحو أسبوع تبرز في الأفق معالم توافق فرنسي سعودي سوري قوامه تكليف الوزير السابق نجيب ميقاتي، تشكيل الحكومة الجديدة، وإجراء انتخابات نيابية في موعدها.

انفراط 14 آذار

وفعلاً نجح هذا الشخص الطرابلسي القريب من القيادة السورية، والذي لم يشكل تكليفه استفزازاً للمعارضة، في تشكيل حكومة موقتة أخذت على عاتقها تهدئة الأمور، وتنفيس الاحتقان، والاشراف على اجراء انتخابات نيابية.

وقد حققت هذه الانتخابات التي جرت بدءاً من نهاية شهر أيار/مايو (متأخرة عن موعدها المقرر شهراً وبضعة أيام) جملة معطيات جديدة تركت انعكاسات على مسار الوضع اللبناني عموماً.

أفضت هذه الانتخابات إلى اندلاع الخلافات وظهور التناقضات بين المعارضين أنفسهم إذ أدت إلى تفسخ جبهتهم وانقسامهم، فهم اختلفوا بالأصل حول قانون الانتخاب نفسه، ففيما أيد بعضهم القانون الذي على أساسه جرت انتخابات عام ،2000 فإن البطريركية المارونية رفضت ذلك محملة ضمناً المعارضين في لقاء “قرنة شهوان” المسؤولية.

ثم كان الانفصال الثاني بين العماد ميشال عون، وباقي المعارضة، وقد تجسد ذلك في اكتساح العماد عون الذي كان عاد إلى بيروت في أوائل أيار/مايو بعد نفي دام أكثر من 14 عاماً، لمقاعد المسيحيين في مناطق المتن وجبيل وكسروان، وإلحاقه الهزيمة ب”رفاق” الأمس، في المعارضة التي بدا واضحاً ان عقدها بدأ بالانفراط، خصوصاً بعدما سقطت رموز مهمة في حركة 14 آذار/مارس ومنهم النائبان اللذان يدرجان في عداد المرشحين للرئاسة الأولى وهما نسيب لحود وفارس سعيد.
وعملياً كرست الانتخابات النيابية في جبل لبنان، أمرين أساسيين، الأول بروز العماد عون زعيماً مسيحياً أكبر من باقي الزعامات والثاني انفراط عقد التجربة السياسية المسيحية المتمثلة بلقاء “قرنة شهوان”، مما شتت “المعسكر المسيحي”، فصار عون وحده فيما التحق الباقون وأبرزهم تيار “القوات اللبنانية” بتيار الحريري، أو ما يسمى “الأكثرية النيابية”.

وفي المناطق الأخرى سجل تيار الحريري اكتساحاً لمقاعد العاصمة والشمال والبقاع الغربي، فيما اكتسح حليفه جنبلاط مقاعد الشوف وعاليه وبعبدا بدعم واضح من “حزب الله”.

أما على الصعيد الشيعي فقد نجح الحزب في تحقيق “حصن شيعي” له عبر تحالفه الوثيق مع “حركة امل” وفوزهما بكل المقاعد في الجنوب والبقاع. يومها قيل: إن ثمة تحولاً جذرياً في السياسة اللبنانية تجلى في “اندماج سياسي” موقت لساحتي 8 آذار/مارس (ساحة رياض الصلح) و14 آذار/مارس (ساحة الشهداء).

وقد تبين لاحقاً ان ثمة تفاهمات جرت بين رمزي الساحة اللبنانية وهما تيار الرئيس الحريري و”حزب الله”، قوامها حسب ما ظهر لاحقاً معادلة تقوم على ركنين هما: تعهد الحزب بعدم التدخل بعمل اللجنة الدولية للتحقيق بقضية الرئيس الحريري، والتي كانت شرعت بعملها بعدما حضر رئيسها القاضي ميليس ومعه نحو مائتي مساعد من دول عدة، على ألا يساعد تيار الحريري في تنفيذ الشق المتعلق بسلاح المقاومة، في القرار ،1559 أو بمعنى آخر ألا يقدم على ما يساعد في تنفيذ هذا الشق.

وعلى أساس هذا التفاهم وبعد الانتخابات العامة ارتسم المشهد السياسي اللبناني في نهاية شهر ايار/مايو على النحو الآتي:
خروج سوريا عسكرياً بشكل نهائي من لبنان (في 26 نيسان/إبريل).
صار وريث الزعامة الحريرية النائب سعد الحريري، زعيماً للأغلبية النيابية (72 نائباً) بعدما نجح في اكتساح كل مقاعد محافظة الشمال مسقطاً رموزاً اساسية محسوبة على سوريا، منها النائب والوزير السابق سليمان فرنجية، وبالتالي صار الحريري زعيماً مطلقاً للسنة خلفاً لوالده، ورمزاً أول لتحالف سياسي عريض، ينخرط فيه إلى جانب الزعيم الدرزي المطلق النائب جنبلاط، تيار “القوات اللبنانية” وبقايا لقاء “قرنة شهوان” وأطراف أخرى مثل “اليسار الديمقراطي” وشخصيات مستقلة.

صارت هناك “مساكنة”، تقترب من الائتلاف بين تيار الحريري وما يمثله من حالة سياسية، والائتلاف الشيعي الذي يضم “حزب الله” وحركة “امل”.

وعلى أساس هذا المشهد نفسه، انطلقت عملية سياسية جديدة في لبنان، إذ كلف أقرب المقربين من الرئيس الشهيد وهو فؤاد السنيورة تشكيل حكومة جديدة، لم تبصر النور بيسر، اذ سجل الائتلاف الشيعي تحفظات انتهت بعد أخذ ورد استمرا نحو اسبوعين. وللمرة الأولى تمثل “حزب الله” في هذه الحكومة بوزيرين احدهما قيادي في الحزب (محمد فنيش) والآخر مقرب، (طراد حمادة).

وعلى أساس المشهد عينه أعيد انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب رغم اعتراض كل النواب المسيحيين وتصويتهم ضده، وكان واضحاً ان تمسك الحزب بهذه الشخصية لاعتبارات عدة، هو الذي ساهم في عودته إلى المنصب الذي يشغله بلا انقطاع منذ العام ،1992 رغم ان بري قد بدا ضعيفاً سياسياً وقليل الحضور في المعادلة. وعلى وقع سلسلة أحداث أمنية منها تفجيرات في المناطق المسيحية واغتيالات طاولت الصحافي والكاتب المعارض سمير قصير، والأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي، ومحاولة اغتيال وزير الدفاع الوطني الياس المر بدأ السنيورة مهمته انطلاقاً من ان ثمة عهداً سياسياً جديداً، عصبه الأساسي “الاغلبية النيابية” وبالتحديد تيار الحريري.

وكانت أولى ثمار هذا التحول السياسي، اطلاق سراح قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع المعتقل منذ 11 عاماً بتهم شتى منها اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رشيد كرامي وذلك بموجب عفو خاص أقره مجلس النواب اللبناني، وأيده بري وكان ذلك في 19 تموز/يوليو الماضي.
وبعد ذلك التاريخ، تتوجه الأنظار بشكل خاص إلى مسار التحقيقات التي كان يجريها ميليس، حيث كان من أولى نتائج عمله إصداره توصية للقضاء اللبناني بتوقيف قائد الحرس الجمهوري اللواء مصطفى حمدان والقادة السابقين للأمن العام ومخابرات الجيش وقوى الأمن الداخلي اللواء جميل السيد والعميد ريمون عازار واللواء علي الحاج، وقد خضعوا هؤلاء للاستجواب ثم سجنوا في سجن رومية، بعدما وجهت اليهم تهمة الضلوع في عملية اغتيال الحريري. وبعدها انقسم الرأي العام اللبناني بين مؤيد لعمل اللجنة وانجازاتها وبين مشكك بها ومعتبراً انها مسيسة. وفي غضون ذلك كانت العلاقات بين لبنان وسوريا، تدخل مرحلة تأزم وتوتر شديد، وقد تجلى ذلك بجملة امور تمثلت اكثر ما يكون في تعقيد حركة عبور الشاحنات والسيارات على الحدود بين البلدين.

وتكون “القنبلة” الكبرى في 20 تشرين الأول/ اكتوبر الماضي، إذ يسلم ميليس تقريره المنتظر الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في نيويورك بعد 4 اشهر من التحقيق.

ويتهم التقرير سوريا مباشرة بالضلوع في الجريمة وبعدم التعاون مع اللجنة الدولية، رغم ان هذه اللجنة زارت دمشق وقابلت ضباطاً ومسؤولين بصفتهم شهوداً.

وعليه يصدر مجلس الأمن قراراً جديداً حمل الرقم ،1636 يطلب من سوريا تسليم 6 قياديين عسكريين بينهم صهر الرئيس السوري آصف شوكت، وإذا لم تستجب فإنها معرضة لجملة إجراءات دولية بينها فرض حصار اقتصادي وانزال عقوبات دولية.

وترد دمشق على لسان رئيسها بشار الأسد بخطاب يعلن فيه نية بلاده التجاوب برغم انها تعتبر ان الحكم بحقها قد صدر سلفاً. والمفارقة في الخطاب ان الأسد حمل بشدة على تيار الحريري وعلى رئيسه النائب سعد، وعلى رئيس الوزراء السنيورة، معتبراً انه “أي السنيورة” خان تعهدات اطلقها سابقاً ابان زيارته لدمشق وواصفاً اياه بأنه “عبد مأمور عند عبد مأمور”.

وبالطبع، القى هذا الخطاب بثقله على الساحة اللبنانية التي خيم عليها التوتر والانقسام مجدداً، خصوصا بعد ان أعلن “حزب الله” ان تقرير ميليس لا يتضمن حقائق ولا يكشف ملابسات الجريمة، وانه “مسيس”.

وعليه يشرع الحزب في “مواجهات سياسية” مع حكومة السنيورة إذ يبدي اعتراضه المطلق على فتح هذه الحكومات لملفات شائكة مثل ترسيم الحدود مع سوريا وسحب السلاح الفلسطيني. وكانت ذروة التباين بينهما انسحاب الوزراء الشيعة من جلسة للحكومة كان السنيورة طلب ادراج بند على جدول اعمالها للرد على خطاب الأسد.
وفي الاسبوع الأخير من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يفاجىء الحزب، لبنان بعملية نوعية على تخوم مزارع شبعا، يخسر فيها 4 من خيرة عناصره ولكنه ينجح في تظهير الأهداف السياسية والكامنة وراء هذه العملية. ولاحقاً تنجح الاتصالات بين تيار الحريري والحزب في تخفيف التوتر. وقد بدا واضحاً ان الحزب يستغل رغبة الجميع في ابقاء الاوضاع هادئة، للحيلولة دون اغراق قضية التحقيق باغتيال الحريري في متاهات يمكن ان تغيب التحقيق او تجعله بلا بريق، لذا فهو يصر على ترسيم خطوط اعتراض على اندفاعة الحكومة في أماكن معينة.

ولاحقاً ايضا يبدي لبنان ارتياحه لنتائج المفاوضات الاقليمية التي اسفرت عن قبول ميليس بعدم اجبار سوريا على القبول بأن يتم استجواب المتهمين الستة في مقر اللجنة الدولية في “المونتفردي” في جبل لبنان. ويبادر السنيورة الى طي الملفات الخلافية ومنها قضية السلاح الفلسطيني وترسيم الحدود ثم يعقد في برشلونة لقاء بين السنيورة ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع، يفضي الى تنفيس الاحتقان نسبياً بين البلدين، ويمهد لفتح صفحة جديدة بينهما، رغم ان الكثيرين لا يعولون على هذا الانفراج ويرونه مؤقتاً. وتسري معلومات في بيروت مفادها ان كل ذلك الانفراج قد تم بناء على توجه سعودي، بدأت بوادره في تدخل خادم الحرمين الشريفين لاقناع المجتمع الدولي بقبول فيينا مكاناً لاستجواب القادة الامنيين السوريين الستة، ولإقناع النظام السوري اولاً بالتجاوب وعدم “المكابرة”.
والسؤال المطروح الآن في بيروت هو ماذا بعد؟

حتى الآن هناك يقين كامل لدى المسؤولين في العاصمة اللبنانية. مفاده ان البلد استطاع حتى الآن تجاوز ازمة كبرى بأقل الخسائر وبأدنى الأثمان إذ كان الكثيرون يخشون ان يؤدي اغتيال الحريري الى تفجير البلاد وهذا اليقين يتعزز حكماً في كل مرة تحمل فيها الأنباء معلومات عن امكان تجنيب سوريا العقوبات والحصار، لانه إذا ما صار السيف مصلتاً بشكل جدي على عنق سوريا وبالتالي تكررت معها التجربة التي تعرض لها العراق، فما من احد في لبنان يضمن ألا تمتد الى هذا البلد التأثيرات والتداعيات السلبية والخطرة.

اغتيال جبران التويني

صباح يوم الاثنين 12 ديسمبر/كانون الأول 2005 تم اغتيال رئيس تحرير صحيفة النهار اللبنانية والنائب في البرلمان جبران التويني في المكلس الى الشرق من بيروت بواسطة سيارة مفخخة.

وقد استنكرت مختلف القوى السياسية اللبنانية عملية الاغتيال واعتبرت انها تدخل في اطار المؤامرة التي يتعرض لها لبنان في سلسلة عمليات الاغتيال التي شهدها خلال العام 2005. وتم تشييع جثمان التويني في بيروت بمشاركة حوالي 300 ألف شخص.

وإثر عملية الاغتيال صدر القرار 1644 من مجلس الأمن والقاضي بالتمديد 6 أشهر للجنة التحقيق الدولية التي تحقق باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وقد قرر رئيس اللجنة الألماني ديتليف ميليس التخلي عن رئاسة اللجنة وطلب تعيين بديل له.