نجيب نصير

اولا وقبل كل شيىء اعتذر عن الخطأ المقصود لغويا ، فالسكان يسكنون المكان وهو ظرف مكان ، ولا يسكنون الزمان مع ان الزمان هو المجال الوحيد للسكنى منذ الثورة الصناعية ، وبسبب نضالنا المستمر للحفاظ على خصوصيتنا واصالتنا حافظنا على هذا الفصل الدقيق والعبقري بين الزمان والمكان ، وليطق انشتاين واحمد زويل والخ من هذه المقدمة العجفاء ...

اما بعد يا ابنائي ( وهنا يحق لي استخدام كلمة اينائي لأني وبحكم السن سوف اكون الاقدم وبالتالي الاعرف والافهم والامثل بناء على قوانين اللغة على الاقل ) .. اما بعد ونحن نودع عاما جديدا هو 2005 ، فأني اود ان اخبركم ان كل شيىء بقي على حاله منذ القرن السابع او الثامن او البكالوريا ليس ثمة فرق ، فها نحن نعيد بكل اخلاص تراثنا التليد على الرغم من اجتياح الاختراعات الحديثة لنا والتي استطعنا بقوانا الذاتية وخصوصيتنا الفريدة ان نطوعها على قياس عاداتنا وتقاليدنا وثقافاتنا ، واخذنا منها ما نريد وتركنا ما لايتناسب معنا ، وعلى فكرة ويجب ان تنتبهوا لهذه الملاحظة ان الاشياء التي لا تتناسب معنا هي لا تناسب غيرنا ايضا ولكنهم مخدوعون بها وهاهم يدفعون ثمن اجترائهم هذا على شكل تسونامي وانفلونزا الطيور وايدز وتفكك اسري وجرائم والخ من بدع الحداثة القاتلة ولكن ما لنا ومالهم يكفيهم ما فيهم من عري وجنس وقلة شرف فهم شعوب بلا كرامة .

ايها الاناء الاعزاء ، نخبركم لقد دفنا السينما وشردنا المسرح وهتكنا التصوير والرسم وفضحناهما اما الكتب والطباعة فقد انتصرنا عليهما واسقطناهما ببنصرنا الصغير ولم يبق لدينا الا الغناء والدرامة التلفزيونية وقد جاء دورهما ولن يحل عام 2055 الا وتكون الاجواء نظيفة نماما من كل هذه الاشياء المزرية . لأننا وقد اعطينا العالم درسا في كيفية استخدام الاشياء والوسائل ، خذوا مثالا : الاسمنت مثلا لقد استطعنا استخدامه في بناء عشوائيات لا نهاية لها واستنبطنا من البلوك جماليات لم تكن في الحسبان ، اما السيارات فقد اكتشفنا طرق فريدة للحوادث ولتراتب الطبقات الاجتماعية افقيا وعموديا ناهيك عن انظمة السير البهلوانية والتي نتحدى بها كبريات المدن في كيفية اسالة المرور وجعلنا من الخمساوعشرين ليرة ( اقل من نصف دولار ) لغة يتفاهم بها مستخدمي قانون السير ، ولنا انجاز كبير آخر في هذا المجال فقد استطعنا بقوانا الذاتية تحويل انظمة الادارة او ما يسمى بيروقراطية من الموجب الى السالب تعبيرا عن الملكية العامة ( القبلية طبعا ) لوسائل الانتاج . اما الوسائل الاكثر حداثة مثل التلفزيون والكومبيوتر وما يسمى الانترنت (حاليا ) فقد اصبحت طوع بنانا في تصدح بالمديح والتبجيل بالتاريخ والجغرافيا وتحليل جماليات الاواني في العصر الفاطمي .. لا تسألوا بل اشكروا ، فكل ادوات العصر الحديث المادية والمعنوية طورناها بما يناسب تراثنا (بعضهم يقول ماضينا) واذا ثابرنا ولكن بعلم واخلاص سوف يأتي عام 2055 وقد اخترعنا الرمح الالكتروني ذو الفعالية الاكيدة من على ظهر الحصان الاصيل وربما نكون قد انجزنا احدث عمارة يمكن التفكير بها المتمثلة بعمارة بغداد في العصر العباسي وادخال الكهرباء اليها ، وسوف تصدح صرخة وامعتصماه عبر موبايلات صغيرة ودقيقة للغاية مثل التي نراها حاليا في جهاز التلفزيون حيث يحاول الكوريون والصينيون اختراعها .

ايها الاعزاء لم يتغير لدينا شيىء مع كل الهمروجة التي قد تصلكم من مظاهر الحضارة والحداثة ،( ارجو عدم التذمر من شكل انوفكم او شفاهكم بالنظر الى انوف وشفاه جداتكم في 2005 فالموضة الان هي عمليات التجميل ربما في عهدكم سوف تكون هذه العمليات عبر تعديل الجين الوراثي ... على كل ؟؟ ) على الرغم من كل الصراخ الذي حصل مما قد يسمية البعض عصر النهضة او اروراق النهضة لقد انهزم الكواكبي الى غير رجعة وتبعه ابو خليل القباني وطاهر الجزائري وكل من تكلم عن نهضة سقطوا هكذا بكل سخف وتركوا لنا ما نتسلى به من معلومات نتحسر بها على بدايات لم تبدأ ، وكأن بنا كرياضي يريد القفز فرجع الى الوراء كي يأخذاندفاع اكبر ولكنه ظل يتراجع ثم يتراجع وظل يتراجع والى الآن اي في عام 2005 لم يصل الى المسافة الكافية التي تؤمن له الاندفاعة المناسبة ، لذلك ونحن في عام 2005 لا نعرف احداثياتنا لا في الزمان ولا في المكان لأننا لم نبدأ بعد والعالم مندفع الى الامام ونحن نتلفت يمنة ويسرة سائلين كيف السبيل مع قناعتنا الاكيدة ان ما سوف نختاره هو الصحيح حتى لو اخترنا ان نبقى ها هنا قاعدون .

عفوا ابنائي لهذه الصورة المزرية التي انقلها لكم ، ولكن هناك صورا مضيئة للغاية فلانتخابات وعلى سبيل المثال سمح باستعمالها لدرجة انه في الانتخابات المصرية لم يذهب الا قتيل واحد ودون اي تزوير للتزوير ، ولا تحت اي نوع من انواع الضغط غير المتداولة تحت شرعية احتكار العنف الشكل الوحيد الذي نعرفه من استخدام هذا الاختراع الذي اسمه الدولة ، وكذا في العراق فقد نجحت الانتخابات في تقسيم الناس الى ملل ونحل والدم هو الورقة النقدية المعترف بها ولكن الانتخبات نجحت في كل المقاييس الاعلامية وهي علامة مضيئة بالمقارنة مع الانتحاريين اللذين يرفضون الانتخابات والاعراس في فنادق النجوم الخمسة ....

ماذا تريدون ان اروي لكم ايضا ؟؟ استطيع ان اسطر لكم صفحات بيضاء وصفراء ورمادية بركام هائل من الهبل المقصود ومن المغرر به ومن النوع الطبيعي الصافي ، ولكن وبما انكم من ابناء جلدتي فأني اعتقد ليس هناك لزوم لكلام سوف لن تسمعوه حتى لو صرخت في عقر اذانكم ، ناهيك انني على ثقة ان ما نعانيه اليوم وما يحصل معنا اليوم وما نمارسه اليوم ، سوف يكون وسوف يحصل تماما عام 2055 وعام 2105 وعام 2155 الخ فهذه التواريخ وهذه الاعوام ليست الا سنين اضافية حسب اعتقادنا فكل شيىء قد حصل وتم واكتمل في الماضي واذا لم نستطع النسج على منواله فالى بئس المصير لآن كل العالم على خطأ ونحن على صواب ، لذلك ارجو لكم انتم بقايا ابنائي في عام 2055 ان لا تكون منقسمين الى قسمين الاول انتحاري والثاني ضحية الانتحاري بحيث وربما ان يبقى من بينكم ما يمكن ان يشكل الصفر الحضاري لسكان ذاك الزمان ..

والصفر الحضاري ايها الاعزاء هو مكانة رفيعة اذا ما قيست بالمكانة الحضارية التي نعيشها ، في كل الاحوال ارجوكم عدم ادانتنا بقسوة نحن اجدادكم المبجلين فهذا ما لدينا كي نقدمه لكم شوية تخلف على شوية انقسامات على شوية تنظير ( ارجو عدم استخدام العشوائيات لفتح المطاعم كما دمشق القديمة )عل شوية سوء استخدام لكل الوسائل الحديثة وشوية سوء فهم لكل المفاهيم المعرفية والاهم هذه الحفنة البسيطة من علاقة خاطئة مع الزمن بوصفه الجبار الوحيد على هذه القرية المسماة خطأ الكرة الارضية والخ والخ ..

ملاحظة : ارجو زراعة البادية السورية لأنها ليست صحراء ، وعدة مقترحات من هذا النوع ، وكل نصف قرن وانتم ( بخير ) وأقول نصف قرن لأن العالم في ايامنا هذه يحسب الزمن بأجزاء الثانية ولكننا ولحد الان لا زالت الوحدة الصغرى لقياس الزمن لدينا هي النصف قرن ...... ودمتم