باريس نفت وجود اتصالات معه

النهار ، شعبان عبود:

ردت السلطات السورية بعنف وقسوة على المواقف التي ادلى بها نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام الى قناة "العربية" الفضائية السعودية، فقررت القيادة العامة القومية لحزب البعث الحاكم في اجتماع استثنائي طرد خدام من الحزب واعتبرته خائنا للوطن، غداة جلسة عقدها مجلس الشعب السوري وطالب في ختامها وزير العدل بالشروع في تحريك الدعوى العامة لمحاكمته بجرم الخيانة العظمى.

وكانت القيادة القطرية لحزب البعث عقدت الاحد اجتماعا ناقشت فيه تصريحات خدام الذي اعفي من منصبه نائبا للرئيس وعضويته في القيادة القطرية في الحزب خلال المؤتمر العاشر في حزيران الماضي. وقالت مصادر مطلعة لـ"النهار" انه "مذذاك، استبعد العشرات من المديرين العامين والمسؤولين المقربين من خدام عن وظائفهم في بعض المؤسسات، او من كان له دور في الوصول الى مواقعهم". ورأت ان تصريحات خدام "اعادت الاجواء الى ما قبل قرار مجلس الامن الرقم 1644، واعطت جرعة لمعارضي سوريا في لبنان وستؤثر بلا ريب على مواقف اطراف عرب ودوليين، كما ستؤثر على مجريات التحقيقات التي ستجريها لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري".

بيان القيادة القومية

وجاء في بيان القيادة القومية لحزب البعث: "في الوقت الذي تتعرض فيها سوريا العربية نتيجة لمواقفها القومية والوطنية لأشد الضغوط والمؤامرات التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية، ويشارك فيها اطراف مختلفون بهدف ارغامها على التخلي عن سياستها وثوابتها الوطنية، ومواقفها القومية في الدفاع عن الحقوق والمصالح العربية، وفي الوقت الذي تلجأ فيه القوى المعادية الى استخدام جريمة اغتيال الرئيس الحريري والقرارات الدولية المتعلقة بها كذريعة لتشديد ضغوطها وتصعيد حملة افتراءاتها ضد سوريا والتي يشارك فيها اولئك المعادون للمصالح الوطنية السورية كما للبنان والامة العربية... في هذا الوقت بالذات طلع عبد الحليم خدام من باريس عبر قناة العربية لينضم الى جوقة هؤلاء المعادين الذين وجدوا في الخدام ضالتهم المنشودة بتجنيده لنفسه ووضعه لخدماته في صالح مخططاتهم المعادية لوطنه سوريا وشعبها العربي الابي، مجسدا بذلك وعمليا التحاقه السافر والواضح بالمشروع الاميركي الاسرائيلي الذي وضع هدفا له هو ضرب صمود سوريا واحباط دورها القومي وممانعتها للمخططات المعادية في الهيمنة وخدمة المصالح والاطماع الاسرائيلية التي يراد من خلالها فرض الهيمنة على المنطقة".

وأضاف: "ان عبد الحليم خدام اختار ان يكشف عن وجهه الحقيقي على الحزب ووطنه سوريا عندما وجد نفسه خارج السلطة ومواقع المسؤولية في الحزب والدولة، وذلك بعد ان اصبح عاملا معرقلا ومعيقا لمسيرة الاصلاح والتجديد، وهذا ما أكدته ممارساته في الحزب والسلطة والتي عبر عنها في المؤتمر القطري العاشر للحزب وكانت محل ادانة ورفض من المؤتمر، فلم يكن منه الا مواصلة طريق التآمر والدس على الحزب والدولة واختار بخطواته الخيانية التي أقدم عليها وما أعلنه من تلفيقات وافتراءات ضد سوريا ان يقدم خدمة رخيصة مدفوعة الثمن لأولئك الذين جندوا انفسهم وقواهم للصق تهمة اغتيال الحريري بسوريا في محاولة يائسة منه لانقاذ تقريري (رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري ديتليف) ميليس واعطائهما جرعة انعاشية لتصعيد الضغوط على سوريا بتقديمه شهادة زائفة وملفقة ومزورة ضد بلده سوريا وشعبها العربي الابي الاصيل الذي يتبرأ من هذا المرتد والمارق... بذلك كشف عبد الحليم خدام عن زيف وانتهازية انتمائه الى البعث الذي استظل اسمه وتسلق واعتلى واحتل على مدى أكثر من أربعة عقود أعلى مواقع المسؤولية على صعيد الحزب والدولة، احتلها ليمارس عبرها انتهازيته وتقلبه وفوقيته ونرجسيته واستعلاءه وتواطؤه لخدمة مصالحه الشخصية قبل أي شيء آخر، واساءاته وارتكاباته الفاضحة على صعيد ممارسته للسلطة سواء في سوريا او في لبنان، حيث يتحمل هو الجانب الاكبر من الاخطاء المتراكمة في لبنان من جراء تصرفاته ومواقف التي غالبا ما كانت تأخذ طابعا شخصيا، هذه الاخطاء والانحرافات التي يحاول الان زورا وبهتانا التنصل منها".

وقال: "لقد حاول خدام ان يضلل المستمع الى قوله انه اختار الوطن وتخلى عن النظام، فهل اختيار الوطن بالانضمام الى جوقة الاعداء الذين يستهدفون الوطن ومواقفه وما يجسده كقوة ممانعة لمخططات الاعداء... ان خدام قد خان الحزب والوطن والامة وجاءت افتراءاته وتلفيقاته لتشكل تنكراً واضحاً وفاضحاً للتقاليد والقيم الوطنية والقومية الراسخة في حياة الشعب العربي السوري الذي يرفض ويدين أمثال هؤلاء ودعواهم الباطلة وما يشكلون من الغام في جسم الوطن، كما كانت خروجاً سافراً وتنكراً لقيم الحزب ومبادئه القومية، ولهذا السبب استقبل الشعب العربي السوري بكل فئاته وقواه الوطنية التصريحات التي تفوه بها الخدام بالشجب والغضب، كما استنكر اشد الاستنكار ادعاءاته الزائفة بالحرص على الديموقراطية وتوفير العيش الكريم للمواطنين والقضاء على الفقر وذلك لانه يعرف ان عبد الحليم خدام هو من العناوين البارزة لظاهرة الفساد التي تمت على هامش ما تحقق من انجازات في سوريا بما في ذلك منجزات الدور القومي الذي نهضت به سوريا في لبنان بمساهمتها في احباط تقسيمه واسقاطها اتفاق 17 ايار السيء الصيت وتحقيقها السلم الاهلي ودعمها لمقاومته الباسلة التي ارغمت قوات الاحتلال على الانسحاب من جنوبه المحتل وهي تجر اذيال الاندحار".

وخلص الى انه "ازاء فعلة العار لخدام الذي ادار ظهره لوطنه وحزبه والتحق بمخططات اعدائه ومشروعهم التآمري على سوريا، قررت القيادة القومية للحزب طرده من الحزب واعتباره خائنا للحزب ووطنه وخارجاً على مبادئه وقيمه وتقاليده النضالية... ان حزبنا، حزب البعث العربي الاشتراكي، سيبقى وفياً لقيادته ومبادئه واهدافه، كما سيبقى متمسكا بالثوابت الوطنية لسوريا ومدافعا عن الحقوق والمصالح القومية لامتنا العربية ولن يتنازل عنها مهما كانت الصعاب ولن يشكل المرتدون والساقطون على طريق النضال عقبة في متابعة مسيرة الحزب نحو بلوغ اهدافها ولن يرحم التاريخ والشعب والامة من خانوا الامانة".

مجلس الشعب

وكان مجلس الشعب السوري عقد السبت جلسة لمناقشة تصريحات خدام، تحدث فيها معظم النواب من حزب البعث وبقية الاحزاب المنضوية في الجبهة الوطنية التقدمية واجمعوا على ادانة هذه التصريحات واتهموا خدام بالفساد مع افراد اسرته وبتغطية ادخال احد ابنائه شحنة من النفايات المشعة وطمرها في البادية السورية، كذلك انتقدوا دوره في لبنان قبل 1998 وحملوه مسؤولية الاخطاء هناك وطالب بعضهم بتجريمه بالخيانة العظمى. وقالوا "ان ما ادعاه من اباطيل واضاليل ضد سوريا وشعبها اثار استياء عاماً وجماً في اوساط الشعب السوري حيث ارتضى لنفسه ان يكون شاهد زور مأجوراً يتحدث بلسان اعداء الوطن، وانه كان يجب اخراجه منذ زمن هذا الخروج الوضيع والمزري". واضافوا "ان اعجابه بتقرير اللجنة الدولية هو صفعة وضرب بعرض الحائط للرأي العام في سوريا الذي دان وشجب واعتصم ضد هذا التقرير".

وفي ختام الجلسة طالب اعضاء المجلس وزير العدل بالشروع في تحريك الدعوة العامة لمحاكمة خدام بجرم الخيانة العظمى. كما تلا رئيس مجلس الشعب برقية باسم المجلس جاء فيها: "الرئيس القائد بشار الاسد، بكل فخر واعتزاز يعلن مجلس الشعب في ختام دورته العادية التاسعة وباسم الشعب العربي السوري وقوفه خلف قيادتكم الحكيمة والشجاعة ويستنكر المجلس ويدين ما ورد على لسان عبد الحليم خدام من تصريحات ترمي الى النيل من مواقف سوريا الصامدة في وجه المخطط العدواني الذي يحاك لها والذي انضم الى جوقته المذكور ونطلب باسم الشعب محاكمته بجرم الخيانة العظمى بحق الوطن والشعب".

وذكّر رئيس المجلس محمود الابرش بتوجيهات الاسد بتأليف لجان في مجلس الشعب "لمحاربة الفساد والمفسدين وسيتم التعامل مع خدام وغيره في هذا الاطار".

ارباك التلفزيون السوري

وخلال عرض التلفزيون السوري وقائع الجلسة، قطع ثلاث مرات كلمات بعض الاعضاء، مثل مداخلتي النائبين زهير غنوم ومحمد حبش الذي قال قبل قطع كلمته "ان خدام منع نشاط المجتمع المدني في سوريا واصدر الاوامر مباشرة ووقعها باغلاق المنتديات والضغط على الاحرار، مما ادى الى احالتهم ومحاكمتهم وسجنهم"، في اشارة الى معتقلي ربيع دمشق ومنهم رياض سيف وعارف دليلة ومأمون الحمصي. ويبدو ان كلمة "الاحرار" اربكت المسؤول عن البث في التلفزيون السوري فقرر قطع المداخلة.

واوضح المدير العام لهيئة الاذاعة والتلفزيون فايز الصايغ ان قطع البث كان "لمحاولة المذيع ان يجمل للناس ما قاله اعضاء المجلس بعدما كان التوقع ان الجلسة ستكون قصيرة وعندما وجدنا انه اسيء فهم ذلك توقفنا عن قطع المداخلات".

"تشرين"

وكتب رئيس تحرير صحيفة "تشرين" خلق الجراد: "نود أن يقول لنا السيد خدام من أين حصل عليه (المكان الذي تحدث منه في باريس) ولمن تعود ملكيته أساساً، وهل اشتراه والقصور العظيمة الأخرى التي تبلغ أثمانها عشرات ملايين الدولارات من رواتبه التي وفّرها؟!.. حيث تذكّر من خلاله ملايين السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر، وإن كنا نتمنى لو أن السيد خدام تعمق في أسباب فقر هؤلاء، وتوسع بأمثلته عن أصحاب الملايين والمليارات ومنهم أبناؤه "حفظهم الله" وكشف بالمناسبة الكيفية التي أصبحوا من خلالها بهذا الثراء الهائل".

واعتبر أن تصريحات خدام "موجّهة الى الخارج" وفيها "تناقضات خطيرة، حيث يزعم في أكثر من موضع أنه لن يتحدث حرصاً على سوريا، لكنه يعود لتلفيق أحداث ووقائع لا يعرف أحد مدى صدقيتها. والهدف الأساسي من ذكرها الإساءة الى سوريا وطناً ونظاماً وقيادة". وقال إن حديثه "يفتقد الموضوعية، لأنه لم يقدم نقداً ذاتياً لممارساته في الحزب والسلطة مدة خمسة وثلاثين عاماً". وأضاف: "الحقيقة أننا لم نسمع يوماً أن السيد خدام كان ديموقراطياً، وطرح برنامجاً للإصلاح، وأنه كان اشتراكياً ونصيراً للفقراء، "فعلى من تقرأ مزاميرك يا داود"؟!”.

ولفت الى ان "السيد خدام يتحدث عن الأوضاع في لبنان وعن تصرفات البعض هناك، وكأن هذه الأخطاء حصلت فقط لأنه لم يعد مسؤولاً عما يُسمى "الملف اللبناني"، الذي بقي بين يديه طول الوجود السوري وإلى سنوات قريبة، متجاهلاً عن عمد عشرات الشخصيات التي ساهم في تصنيعها وتلميعها وتعويمها وإبرازها، وثبت فسادها ونفاقها وإساءتها الى الشعبين والى طبيعة العلاقات بين البلدين، ويتواصل خدام اليوم مع بعضها ليتبادلوا الآراء والأفكار والمزاعم والحملات السياسية والإعلامية على سوريا وشعبها وقيادتها".

وتساءل" هل انضمّ السيد خدام بصورة نهائية إلى أعداء سوريا المعلنين منهم والمستترين، محوّلاً نفسه إلى "شاهد" منافس "للصدّيق" وغيره من شهود الزور، الذين يجمعهم إما الحقد وإما الكراهية وأما الجشع للمال والطمع في مباهج الدنيا الزائلة؟!..".

وختم: "لقد استحق بجدارة لقب محامي الشيطان، فالمؤكد أن هناك في المقابل إجراءات قانونية، لا بدّ أن يخضع لها من أدخلوا أنفسهم في حظيرة الأعداء، وانحدروا إلى درك الخيانة الوطنية العظمى لينالوا جزاءهم العادل. وفي ذلك إحقاق للحق، واحترام لمشاعر الشعب وإرادته".

ں في باريس (و ص ف) أفاد مصدر ديبلوماسي ان وزارة الخارجية الفرنسية لم تجر أي اتصال مع خدام الذي يقوم بزيارة خاصة لفرنسا.

وقال ان الديبلوماسية الفرنسية علمت من أنباء صحافية ان خدام يقيم منذ حزيران في باريس.