سيريا نيوز /نضال معلوف

راجع أسماء الناجحين في امتحانات " مجلس الشعب " الأخيرة ..

جلس ينفخ دخان السيجارة في وجهي ، متمهلا في طرح اسئلته متباطئا الى حد الاستفزاز في تدوين كل كلمة اقولها ، والموضوع متعلق ، باجتماعي مع بعض الصحفيين والمراسلين السوريين قبيل صدور تقرير ميليس الاول ناقشنا فيه الخطاب الاعلامي الذي يخدم المصلحة السورية في تلك المرحلة .. تبادل للافكار والخبرات .. لا أكثر ..

وبقدرة قادر بدأت واحدة من الجهات الامنية تلاحق كل من كان في الاجتماع وتسأل عن الاسماء ، وبدأت الاتصالات من الصحفيين الذين كانوا موجودين تعلمني بان " الامن " اخذ علما بالاجتماع ( وكأنه اجتماع لتحضير انقلاب ) وبدأ يسأل عن المجتمعين.

خلال أيام تلقيت اتصالا من عنصر امن ( بدون رتبة ) ، وخلال اقل من نصف ساعة كان في المكتب يسأل عني ، قطعت اجتماعاً كان منعقدا في غرفة الاجتماعات وخرجت لاستقبل الضيف الذي لم يعتد الانتظار ، وكانت المشكلة ، انه اثنان من موظفي سيريانيوز ممن حضورا الاجتماع ليس لدى فرع الامن معلومات عنهم.

بعد جدل واخذ ورد ، رفضت ان يقابل " المطلوبين " على ان اعطيه المعلومات التي اعرفها عنهما ، انصرف بعد 4 سيكارات وفنجان قهوة وغرفة مليئة بالدخان .. وحالة ترقب لمستقبل مجهول..

فكل من يريد ان يناقش قضية في بلدي ، وان كان الهاجس وطني ، يجب ان يكون " مفّيشا " في فروع الامن ، ويروق لرؤساء الاجهزة ان يرسلوا لنا نفس العنصر الذي يقابل المجرمين والفارين واصحاب السوابق والملاحقين في قضايا التهريب والدعارة ..

فالقضية ، تبدأ بالتحجيم ، والرسالة هي بانه .. انتبه مهما علا شأنك وانتشر اسمك وابدعت في عملك ، وكسبت احترام جمهورك .. فسعرك .. " عنصر " امن لم يحصل على الشهادة الاعدادية .. وله ان يدخل مكتبك ( وهذا تنازل منه ) ويلف رجل على رجل ، وينفخ دخان سجائره في وجهك وعليك ان تجيب وتترقب ، وتلعن الساعة التي فكرت فيها بالوطن ..

مجموعة من الشخصيات والمسؤولين .. سيستهجنون كلامي ، وعند هذه الاسطر سيقولون " انت من يتكلم " و انت الذي لا تترك احدا من شرك وقد تخطيت الكثير من الخطوط الحمر والهوامش .. " الله يلعنك شو قليل الاصل " ..

وهم محقين فيما يذهبون اليه ( لا اتكلم هنا عن قلة الاصل ) ، وليس لي الا ان اعترف بانه قد تم انجاز تطور كبير على مستوى حرية التعبير في سورية في السنوات الماضية.

ولكن المشكلة ، بان حرية التعبير هذه ما زلت تعتبر منحة ، تحتفظ بها على سبيل الامانة ، يمكن ان تسلب منك لحظة يريد صاحبها ، مثل سيارات المسؤوليين ..

اذكر قبل عدة ايام ، وبعد يوم عمل طويل ، وبينما كنت مستلقيا لدقائق قليلة قبل استئناف نشاطي الليلي ، اتصل بي المدير التنفيذي للموقع ( الياس ) وصرخ ملهوفا .. نضال .. لقد حجبوا الموقع .. لقد حجبوا الوقع .. ؟؟!

قفزت مفزوعا مهرولا الى الكمبيوتر ، وحدثت الصفحة الرئيسية ، وتنفست الصعداء عندما ظهر الموقع امامي .. لاكتشف انه في اعماقي ( رغم اني انفي ذلك دائما ) يعيش ذاك الخوف من قرار ( على غفلة ) بإغلاق الموقع ..

خدام في مجلس الشعب

الحالة التي يعيشها المواطن السوري اليوم، كالتلميذ الذي يؤذن له بالحديث في حضرة المدير في صف مغلق ، وللمدير في أية لحظة انهاء الحديث وتأنيب التلميذ..

وقد اعطى المدير الإذن لأعضاء " مجلس الشعب " بالحديث ، ومن الطبيعي ان يتكلم هؤلاء كتلاميذ، " يسمّعون " الدرس ليحصلوا على افضل علامة ، والفارق الوحيد ، بان ما يحدث في المدرسة مستور ، اما جلسة مجلس الشعب فكانت " بجلاجل " تبثها الفضائيات في عرض عالمي فريد ..

وفي الواقع هم معذورين .. فكل واحد فيهم مثلي ، ينتظر في حال الخطأ التأنيب ، بدأ من عنصر امن ينفخ دخان السجائر في وجهك ، وصولا الى قرار قد يعزلك من واقعك لتعيش في الحظر تنتظر الرحمة ..؟
هذا الواقع ، ينتج امثال السيد عبد الحليم خدام ( ولو ان كلمة " السيد " ستزعج رئيس مجلس الشعب التي اوصى بحذفها قبل اسم خدام ) ، لانه ببساطة تعودنا ان نقول ما كتب لنا في المقرر..

وفي المقرر ، كان فصل " خدام " محذوف ، او لم يدخل في بعد في المناهج الحديثة ، ووفد علينا كملحق مقرر سيأتي منه السؤال الرئيسي في امتحان الولاءات ..

ولكن على ما يبدو ان الاسئلة تسربت قبل حين ، والاجوبة كذلك .. و " صار "ان الخوف فجأة طار ، و " طلع " في دروج كل اعضاء مجلس الشعب ملف خدام بكل تجاوزاته مكتمل ، يحفظونه عن ظهر قلب بالارقام والمواقع والتواريخ وبشهادة الشهود والادلة الدامغة .. وبدأ الفيلم الهندي ( ست ساعات ) مترجم بالمكسيكية واللهجة البدوية والعامية .. و(جديد ) الشوارعية..

كانت اسرع محاكمة فساد في التاريخ .. واصدر الحكم قبل بدء المداولات ، والامتياز يستحقه القاضي .. لان لجنة المحكمين وافقت برفع الايدي .. دون الحاجة لان يعدها احد .. هكذا " شيلة " بالإجماع ..

ايها السادة .. الشعب يمتلك حكم ( مكتوم ) على خدام وأمثاله منذ زمن طويل بتهمة الفساد والخيانة ، فقط اسمحوا لنا ان ننطق بالحكم الذي ابتلعناه طويلا..

و اذا كانت ( صعبة ) فقط انصتوا جيدا .. الى اصواتنا المكتومة .. الى الهمسات ، النبضات ، الآهات ، الصلوات .. الدعوات إلى الأماني الخرساء..

ستتردد الاسماء والحوادث وتتطاير مثل الالعاب النارية لتنير ليلكم الاسود ، عندها فقط نعدكم بانه لن يكون في مستقبلنا خدام آخر