الحياة / عبدالله اسكندر

لعل اكثر ما يلفت في القراءة التي قدمها نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام للأزمة الداخلية التي تواجهها سورية وللأزمة في علاقتها مع لبنان هو ان واقع الحال ليس مرتبطاً بمؤامرة خارجية وإنما هو نتيجة لإدارة داخلية ولاخطاء ذاتية. وإذ تحدث عن ضغوط خارجية على سورية، فإنه ردها الى سوء تلك الادارة والاخطاء، معتبراً ان وضعاً داخلياً يسوده التفرد والفساد وتحكم الأجهزة لن يكون غير قادر على مواجهة هذه الضغوط فحسب، وإنما وراء الضعف الذي يوفر الدوافع لهذه الضغوط.

ومن الواضح ان هذه القراءة التي بدأت تظهر مؤشراتها، منذ اغتيال الحريري الذي جاء خدام «بصفته الشخصية» ليعزي عائلته، عندما اصر على عدم تسمية اسرائيل كمسؤولة عن الاغتيال، ومعلناً على نحو غير مباشر انه ينبغي التفتيش في الداخل اللبناني والسوري عن هذه المسؤولية. وتقطع مثل هذه القراءة مع ذلك التراث من الادارة السياسية، والذي يلقي مسؤولية كل الأزمات على عدو ما وعلى قوى متآمرة، ليقول ان ما يقوم به هو الافضل والأحسن، وأي معارضة له تخدم العدو والمؤامرة. ومثل هذا التراث هو الذي انهى دور المؤسسات وانتهى على النحو الذي وصفه خدام.

وإذا كانت شهادة النائب السابق للرئيس السوري مجروحة نظرا الى الدور الكبير الذي لعبه، عندما كان هذا التراث في ذروة مجده، وإذا كان بعضهم قد يندفع الى اعتبارها كيدية بعد إخراج الرجل من السلطة بتهمة انتمائه الى الحرس القديم الذي يعيق الاصلاح والتقدم، فإن قراءته للأحداث عن بعد، وهو في خضم كتابة مذكراته، لم تترافق مع برنامج آخر للحكم يطمح الى العودة اليه. أي أن هذه القراءة تستمد قيمتها من كون صاحبها لا يطرح نفسه كزعيم معارض صاحب برنامج وتحالفات، ويرغب في إحداث انقلاب داخلي يطيح القائم ليجلس مكانه. لقد اراد لشهادته ان تكون في «مصلحة الوطن» وليس «النظام».

فكان التحليل متطابقاً مع الفكرة التي قدمها خدام عن أسباب الأزمة، وهي العوامل الذاتية والداخلية وليس المؤامرة، هذه المؤامرة التي ينجح النظام ما دام قائما في إحباطها، منذ حرب 1967، عندما قال النظام إنه احبط مؤامرة العدوان الاسرائيلي، بدليل انه لم يسقط بنتيجتها... وما زال النظام يعتبر ان المؤامرة مستمرة وان وظيفته التصدي لها بغض النظر عن كل انواع الأزمات الداخلية المتراكمة والتي يتحدث عنها النظام نفسه وأركانه الحاليون، مع فارق أساسي وهو ان هذه الأزمات يمكنها الانتظار الى حين وصول النظام الى بر الامان.

وصف خدام وضع النظام الذي بات يقتصر على «الحلقة الضيقة» وكيفية نشوء الفساد وأسباب احباط الاصلاح في الداخل، وكيفية ادارة العلاقة مع لبنان وصولاً الى اغتيال الحريري والأزمة الحالية بين البلدين، لكن الأهم من كل ذلك إسقاطه لأولوية الحفاظ على النظام بأي ثمن، بما يعيد الى هذا النظام وظيفته الأساسية في خدمة الوطن وليس ان يكون الوطن في خدمة النظام. وهو في ذلك يقدم مخرجاً وطنياً لأزمة النظام، يقوم على الانفتاح الداخلي أولاً وقبل كل شيء، وفي اتجاه تلبية حاجات سياسية واقتصادية تفرضها تطورات الحياة والتغيرات في المنطقة والعالم... إلا إذا اعتبر كلام خدام، وهذا الأرجح، كتعبير عن المؤامرة.