النهار / سركيس نعوم

تلقى متابعون اميركيون محترفون للاوضاع في المنطقة في الايام الاخيرة من السنة المنصرمة معلومات بالغة الخطورة من مصادر اوروبية، قد تكون فرنسية على الأرجح، تفيد ان الاسبوعين الأولين من السنة الجديدة 2006 سيشهدان عملاً عسكرياً كبيراً وخطيراً ضد لبنان وسوريا تقوم به اسرائيل وخصوصاً بعدما عاد لبنانيون او مقيمون في لبنان منفردين او متعاونين وبدعم من دمشق او من دون دعم كهذا الى سياسة اطلاق "الكاتيوشا" وغيرها من القذائف الصاروخية على الشمال الاسرائيلي، وبعدما بدا ان هناك محاولة لاعادة استعمال لبنان وتحديداً جنوبه في عملية عض الاصابع والاشتباك او "الكباش" بين المجتمع الدولي بزعامة اميركا ومشاركة اوروبية مهمة من جهة والتحالف السوري – الايراني المسنود من جهات لبنانية وفلسطينية مقيمة في لبنان من جهة اخرى. وقد اعتبرت المصادر الاوروبية اثناء تداولها المعلومات المذكورة مع المتابعين الاميركيين المشار اليهم اعلاه ان التحذيرات التي وجهها ارييل شارون رئيس وزراء اسرائيل الى لبنان وسوريا قد تكون مقدمة لهذا العمل الكبير .

ماذا كان رأي جهات اميركية معنية مباشرة بالمنطقة وتطوراتها في هذه المعلومات الاوروبية؟

شاركت هذه الجهات المصادر الاوروبية في قلقها حيال الوضع في الشرق الأوسط وتخوفها من تدهوره وخصوصاً بين اسرائيل وسوريا ولبنان. لكنها بقيت على موقفها المعروف وهو ان اي عمل اسرائيلي كبير ضد هذين البلدين لن يحصل الا اذا توالت "الاعتداءات" اللبنانية ("حزب الله") والفلسطينية بطلب من سوريا او بدعم منها وكبدتها هذه الاعتداءات خسائر بشرية جسيمة.

الا ان ذلك لا يعني في نظر الجهات الاميركية ان المفاجآت المزعجة أي السلبية قد لا تحصل. ذلك انها مقتنعة بأن التهديدات الاسرائيلية الأخيرة المتعددة لبيروت و"حزب الله" ودمشق جدية جداً وبأن الاستخفاف بها سيكون خطأ فادحاً . فأرييل شارون وحكومته وقادته العسكريون لديهم ذرائع اخرى للرد غير تكبد اسرائيل ضحايا بشرية كبيرة في عمليات "ارهابية" عليها. ولديهم في الوقت نفسه خطط اخرى سياسية وعسكرية يمكن اللجوء اليها. وهؤلاء يتابعون الوضع اللبناني وتطوراته الصعبة والمعقدة يومياً وبكثير من الدقة. وابرز هذه التطورات الخلاف بين الغالبية النيابية والحكومية من جهة و"حزب الله" وحركة "امل" من جهة ثانية حول موضوع المقاومة وسلاحها والقرار الدولي 1559 وطريقة العمل داخل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وينتظرون ليعرفوا نهاية هذا الخلاف أي ليعرفوا اذا كان التفاهم على حله ممكناً ليحددوا السياسة التي سيتبعون حيال لبنان وسوريا واي تطورات ميدانية قد تحصل. وفي حال استقالة الحزب والحركة من الحكومة، ستعتبر اسرائيل ومعها اميركا ان الاراضي اللبنانية وخصوصاً الجنوبية منها غير الخاضعة لسلطة الدولة اللبنانية سواء لعجزها أو لخوفها او لتواطؤ منها هي ساحة معركة مستمرة وغير منتهية بين الاسرائيليين من جهة و"حزب الله" وجهات فلسطينية عدة مقيمة في لبنان من جهة اخرى. ومعروف ماذا يعني ذلك في صورة عملية. واي عملية عسكرية جديدة ضد اسرائيل سوف تدفع قادتها وزعماءها الى رد عسكري واسع انطلاقاً من اقتناع بأنهم متقيدون بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي رفض لبنان او عجز عن تنفيذها منذ تحرير اراضيه او استعادته اياها في ربيع عام 2000 وبعد صدور القرار 1559 بعد ذلك بأربع سنوات. وهذا التنفيذ لا يمكن إلا أن يكون في ظل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح لأي دولة عضو في المنظمة الدولية حماية نفسها بكل الوسائل الممكنة بما في ذلك القوة العسكرية، أما شمول الرد العسكري المشار اليه اراض في سوريا او اهداف عسكرية واخرى حيوية سورية فلا بد ان يقع بدوره في رأي اسرائيل تحت أحكام الفصل السابع المذكور نظراً الى اقتناعهم واقتناع جهات دولية اخرى بعضها مهم بدور سوريا المهم في تزويد "حزب الله" والمنظمات الفلسطينية المتحالفة معه في لبنان بكل انواع الدعم والحماية السياسيين وبكل انواع الأسلحة التي يحتاجان اليها.

هل تصح معلومات الجهات الاوروبية (الفرنسية على الارجح) او توقعاتها باعتبار ان الناس في كل انحاء العالم ينتظرون توقعات الفلكيين والمنجمين وتنبؤاتهم؟ لا يملك المتابعون الاميركيون المتحدثون جواباً جازماً عن ذلك. لكنهم يقولون ان ذلك يتوقف في صورة اساسية على تصرف مقاومة "حزب الله" وعلى مدى اقتناع اسرائيل وتحديداً رئيس حكومتها ارييل شارون بأن سوريا تستعمل هذه المقاومة أو اي عناصر اخرى لبنانية وغير لبنانية مقيمة في لبنان بغية زعزعة استقرار هذا الأخير والتسبب بأزمة اقليمية كبيرة وربما دولية تطيح كل ما جرى في لبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط الماضي سواء على الصعيد اللبناني الوطني أو على صعيد التحقيق في الاغتيال وتدفع الدول الكبرى والمجتمع العربي الى البحث عن صيغة لا تكون سوريا فيها خاسرة ولا لبنان، ويشير هؤلاء وفي النهاية الى أمرين. الأول، توافق اميركي – اسرائيلي على عدم السماح "للمقاومة" أي لمقاتلي "حزب الله" بأن تكون الباب الذي تعود من خلاله سوريا الى لبنان سياسياً وعسكرياً وامنياً وعلى عدم السماح لها ايضاً بأن تكون القوة المهيمنة في أي حسم للصراع الدائر داخل لبنان سياسياً كان هذا الحسم أو عسكرياً. والثاني، توافق اميركي – عربي على عدم قبول الدور الذي يمارسه في لبنان ويحاول ان يكرسه "حزب الله" وعلى عدم السماح لسوريا بالعودة الى لبنان سواء من بوابة هذا الحزب او من اي بوابة اخرى.

ويخلص المتابعون الاميركيون أنفسهم الى أن على الحزب و"أمل" أن يكونا جزءاً من الحل في لبنان وهذا دورهما الفعلي لأن تحولهما جزء من المشكلة قد يعقد امورهما وربما تسبب بخسارتهما.

هل الاوضاع السائدة حالياً في اسرائيل تسمح لها بالقيام بأي عملية عسكرية او بالأحرى بأي مغامرة عسكرية؟ يجيب المتابعون الاميركيون المحترفون انفسهم ان الوضع الصحي لرئيس حكومة اسرائيل ارييل شارون قد يؤثر كثيراً على الاوضاع داخل بلاده وفي محيطها كما قد يحدد سير التطورات المقبلة فيها. ويبدو ان صحته اسوأ بقليل مما قيل للشعب الاسرائيلي في البيانات الرسمية. لكن اذا تحسنت صحته و"نجا" من مضاعفات ما حصل له فان حزبه سيفوز في الانتخابات القريبة كما ان الحكومة التي سيعود على رأسها يرجح ان تبدأ مفاوضات الوضع المستقبلي وربما النهائي مع الفلسطينيين. واذا تقدمت هذه المفاوضات فان فتح باب الكلام بين اسرائيل وسوريا حول الجولان المحتل لا يعود مستبعداً. اما اذا ساءت صحته كثيراً أو انتقل من هذه الدنيا قبل الانتخابات العامة في أواخر آذار المقبل فان حزبه سيخسر الانتخابات وتعود بلاده مرة اخرى غير قابلة لأن تُحكم، وفي هذه الحال "الله يستر" لأن كل شيء يصبح وارداً وخاضعاً في الوقت نفسه للمزايدات في الداخل الاسرائيلي وللمغامرات.