يدعيوت أحرونوت

أظهر استطلاع للرأي العام أجراه معهد ترومان، أن نصف الجمهور الإسرائيلي يؤيد المفاوضات مع حماس في حال كانت ستؤدي الى اتفاق سلام. ويعتقد المزيد من الإسرائيليين أنه يمكن الوثوق بـ"حركة المقاومة الإسلامية" وأنه يمكن التوصل معها الى تسوية دائمة بشروط أفضل. وكما يبدو، نسي الجمهور في إسرائيل أن العقيدة الأساسية لحماس ترفض كلياً وجود دولة يهودية (أو مسيحية) في حضن البلاد الإسلامية؛ وهي تؤمن بأن وحدهم المؤمنين بالله يمكنهم التمتع بحقوق سياسية في المنطقة، وأنه يتعين استخدام سلاح الجهاد ضد إسرائيل "الى أن يقضي الإسلام عليها كما قضى على من سبقها".
كما هو معروف، إحتاجت منظمة التحرير الفلسطينية الى ثلاثة عقود ـ منذ تأسيسها في العام 1964 وحتى العام 1993 ـ كي تعترف بإسرائيل. ولم يختر عرفات وزملاؤه القيام بذلك انطلاقاً من محبتهم لإسرائيل، بل لإدراكهم بأن فرص حصول الشعب الفلسطيني على حقه في دولة خاصة به مشروط باعترافه بدولة إسرائيل ضمن حدود 67. وقد دفعت المفاوضات مع إسرائيل بقادة منظمة التحرير الى تقديم تنازلات كبيرة، إضافة الى التنازل التاريخي عن 87% من فلسطين. وهكذا، وعلى الرغم من ادعائهم أن المستوطنات غير قانونية، إلا أنهم قبلوا بالمبدأ الذي يقول بضم إسرائيل لقسم منها في إطار تبادل الأراضي. وعلى الرغم من إصرارهم على مطلبهم بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى بيوتهم التي فقدوها عام 1948، إلا أنهم كانوا مستعدين ربط هذا الحق بآلية تنفيذ تقدم بدائل مختلفة أمام اللاجئين، مع تحديد عدد العائدين الى إسرائيل بأرقام ضئيلة جداً.
أكثر من ذلك: كان الفلسطينيون منفتحين أمام اقتراح تقسيم شرقي القدس، مع منح سيادة لإسرائيل على أجزائها اليهودية، بما في ذلك في البلدة القديمة وحائط المبكى (البراق). وهم تنازلوا عن تشكيل جيش، الاحتفاظ بسلاح ثقيل وعقد الأحلاف العسكرية. كما وافقوا على استخدام إسرائيل لمجالهم الجوي والألكترو ـ مغناطيسي، والاحتفاظ بثلاث قواعد إنذار مبكر في دولتهم، إضافة الى تواجد دولي على المعابر الحدودية. بيدَ أن الجمهور الإسرائيلي لم يتأثر بهذه المواقف، وها هو يختار اليوم التأثر والانفعال مع المواقف البراغماتية التي تظهرها حماس من خلال وقف النار الموقت، والتي تنبع كلها من اعتبارات داخلية تتعلق بالربح والخسارة.
نتائج الانتخابات في السلطة ستؤثر على مستقبل حماس، كما ستؤثر أيضاً على مستقبل العملية السياسية بين إسرائيل وبين الفلسطينيين. ويعتقد مؤيدو التسوية الدائمة، الذين يتمنون انتصار فتح، أن إشراك حماس في مؤسسات منظمة التحرير وفقاً لذلك، سيُرغمها على التسليم بالقرارات السابقة التي اتخذتها المنظمة كممثلة مُعترف بها في العالم للشعب الفلسطيني، ومن بينها: الاعتراف بالقرار 244، الاعتراف بإسرائيل وإلغاء البنود التي تدعو الى تدميرها. في المقابل، فإن انتصار حماس في الانتخابات التشريعية سيسمح لأبو مازن بالاستقالة نهائياً من منصبه وتأهيل الأرضية أمام سيطرة حماس على مؤسسات السلطة، بشكل يُسهل عليها المصادقة من جديد على الميثاق الداعي الى تدمير إسرائيل.
في هذه الأثناء، فإن تأييد الجمهور الإسرائيلي للتفاوض مع حماس سيؤدي الى تعزيز الجهات الفلسطينية التي تعتقد أنه لا حاجة للاعتراف بإسرائيل أو الى التوقيع معها على التسوية الدائمة لإخراجها من المناطق الفلسطينية.
شارون، الذي "التف" على كل أُسس السياسة التي انتُخب باسمها، بقي وفياً فقط في سعيه لضمان عدم وجود شريك لاقتراحاته على الجانب الفلسطيني. فهو وعد بالسلام لكنه لم يعثر حتى الآن على الخطة السياسية اللازمة لذلك، باستثناء خارطة الطريق الفارغة. وهو وعد بالأمن، لكن مبارك وأبو مازن هما من نجح تحديداً في وقف المواجهة الدموية ولفترة محدودة. وهو أعلن أن "حكم نتساريم كحكم تل أبيب"، لكنه سارع الى فك الارتباط كي يوقف التأييد الذي حظيت بها مبادرة جنيف، التي أشارت الى وجود شريك في التسوية. وهو أعلن أن "الجدار وهم"، ثم سارع لبنائه بسبب ضغط الجمهور غربي الخط الأخضر.
الآن، في حال حصلت تغييرات في السلطة الفلسطينية، يستطيع رئيس الحكومة أن يدعي، وعن حق، أنه لا يوجد شريك. وهو سيقول أن حماس هي خيار الشعب الفلسطيني، وأن على هذا الشعب ـ على الرغم من استطلاع الرأي ذاته يُظهر أن 55% منه يوافق على إبقاء الكتل الاستيطانية ـ تحمل مسؤولية اختياره.
راية "أحادية الجانب" التي يرفعها شارون ستحظى بالازدهار، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لمستقبل العلاقات بين إسرائيل وبين الفلسطينيين. فهذه العلاقات ستُدفع نحو الأنماط القديمة القائمة على العنف من دون تسوية، الى أن يقوم قادة آخرون يؤمنون بضرورة التسوية. ولم يبقى سوى التحلي بالأمل في أن لا يحصل هذا الأمر في وقت متأخر جداً بالنسبة للحلم الصهيوني في إقامة دولة يهودية وديموقراطية.