سركيس نعوم/النهار

ظن ثنائي "حزب الله" وحركة "امل" في الاسبوع الاخير من السنة المنصرمة انه نجح في وضع "الطابة" في مرمى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وزعيم تيار "المستقبل" النائب سعد الحريري ورفع اي مسؤولية له قد تكون تكونت في ذهن الرأي العام اللبناني عن الازمة الحكومية التي نشبت قبل مدة عندما علق وزراؤه الخمسة عضويتهم في الحكومة احتجاجا على عدم مراعاة الاكثرية الوزارية موقفهم من الطلب الى مجلس الامن انشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري وتوسيع مهمة لجنة التحقيق الدولية لتشمل كل الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي بدأت مطلع تشرين الاول 2004 ولم تنته. واستند في ظنه هذا الى "الاتفاق" الذي قال انه توصل اليه في الرياض مع النائب الحريري والذي من شأنه حل الازمة الحكومية الراهنة والذي رفضه او بالاحرى "يسعى" الرئيس السنيورة الى اجهاضه بعدم تجاوبه معه وبمبادرته الى تعبئة الاكثرية النيابية والوزارية ضده عبر سلسلة مشاورات رسمية اجراها مع قادتها. واعتبر الثنائي نفسه انه سجل نقطة على رئيس الحكومة عندما اوحى بوجود اختلاف في النظر الى كثير من الامور والقضايا بين الاخير والغالبية النيابية التي اوصلته الى موقعه والتي يفترض فيه ان يمثلها خير تمثيل اي ان لا يخرج على قراراتها وتحديدا على مواقف زعيمها. وقعد ينتظر مع نهاية عام 2005 امراً من اثنين. الاول، تمسك سعد الحريري باتفاقه مع ثنائي "حزب الله" وحركة "امل" واقناع السنيورة به وكذلك حلفائه او فرضه على الاول الامر الذي يربك صفوف الغالبية ويضعفها في الداخل ومع الخارج المعني بلبنان. والثاني، تنصل سعد الحريري من هذا الاتفاق الامر الذي لا بد ان ينعكس على صورته سلبا وخصوصا انه في بداية مشواره السياسي الوطني الصعب بل البالغ الصعوبة والذي لا بد ان يحمله في شكل او في آخر مسؤولية المأزق الذي قد تدخله البلاد من جراء انتقال وزراء الثنائي المذكور من تعليق عضويتهم الحكومية الى الاستقالة والمضاعفات التي لا بد ان يثيرها ذلك على اكثر من صعيد سياسي وربما امني.

هل كان ظن الثنائي المشار اليه اعلاه في محله؟

يبدو انه لم يكن كذلك استنادا الى الكلام الذي قاله زعيم تيار "المستقبل" النائب سعد الحريري للزميل فيصل سلمان في اليومين الماضيين والذي نشرته الزميلة "السفير" صباح امس. ففي هذا الكلام لم ينف الحريري البحث في صيغة تفاهم او تسوية بينه وبين ممثلي ثنائي "حزب الله" وحركة "امل" لكنه اشار الى ان ما تم التوصل اليه لم يكن نهائيا. والى ضرورة التشاور فيه مع حلفائه في "حركة 14 آذار" قبل اعتماده نهائيا او تعديله او التخلي عنه. وهذا التشاور حصل وكانت نتيجته معروفة الامر الذي جعله اما غير ذي موضوع او مطروحا لاعادة البحث وتاليا التعديل. وقد اكد الحريري في الكلام نفسه انه لن يتخلى عن حلفائه. ومعروف ماذا يعني ذلك، كما اكد حسن العلاقة بل عمقها مع ممثل تياره "المستقبل" في الحكومة اي رئيسها فؤاد السنيورة وغالبية الوزراء.

الى اين من الآن اذا؟ الى ازمة ام الى انفراج؟

لا احد يعرف بالضبط. فالوضع الحكومي الآن في حال مراوحة. و"الطابة" التي كانت في مرمى الحريري و"المستقبل" والسنيورة اواخر العام الماضي صارت في مرمى ثنائي "حزب الله" وحركة "امل". ويبدو ان هذه المراوحة ستستمر الى ان تنتهي جولة الاتصالات والمشاورات الجارية بعيدا من الاضواء بين الفريقين والاخرى التي ستجرى قريبا جدا في المملكة العربية السعودية اثناء زيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري لها مع النائب سعد الحريري او مع مسؤولين كبار في المملكة. علما ان هناك انطباعا عند الغالبية كما عند جهات لبنانية عدة يفيد ان "الثنائي" المشار اليه لا يستعجل الاستقالة من الحكومة وانه لن يتخذ قرارا بالاستقالة قبل اجراء قراءة عميقة ودقيقة للاوضاع في لبنان وفي المنطقة والعالم، وقبل التشاور مع حلفائه ولا سيما الاقليميين منهم. فاذا وجد ان الاستقالة تساعده على تحقيق اهدافه الداخلية والاقليمية وتفيد حلفاءه الاقليميين وتفتح الباب امام تغييرات في الداخل اللبناني لمصلحته ومصلحتهم فانه سيتخذ قرارا بها، علما ان كثيرين يتساءلون اذا كانت هناك اي قيود على تحركه الداخلي من الخارج الحليف تحول دون اتخاذه قرارا يهدئ الداخل بدلا من توتيره. اما اذا وجد ان الاستقالة مؤذية له ولمن يمثل ولحلفائه فانه قطعا سيعود الى الحكومة ولكن طبعا عبر مخرج يحفظ ماء الوجه والحد الادنى لا بد ان تساعد في ايجاده الغالبية النيابية والحكومية وتحديدا الرئيس السنيورة والنائب الحريري.

في اي حال ومن الان حتى تجد الازمة الحكومية حلا لها سيبقى رئيس الحكومة والغالبية النيابية التي يمثل متمسكين بمواقف عدة. اولها، انه لا يملك اي تنازل عن حق رئيس السلطة الاجرائية الذي هو رئيس مجلس الوزراء في وضع جدول اعمال جلسات هذا المجلس. وثانيها، انه لا يملك اي تنازل عن حق اللجوء الى التصويت في مجلس الوزراء اذا تعذر التوافق لان ذلك ما ينص عليه الدستور. وثالثها، ان لبنان لا يستطيع ان يرفض قرارات الشرعية الدولية او ان يقف في مواجهتها. لكنه يستطيع ان يطلب من هذه الشرعية مراعاة ظروفه واعطاءه الوقت الكافي لحل كل القضايا التي تثيرها قراراتها بالحوار. وهو فعل ذلك وسيستمر فيه. وقد دافع رئيس الحكومة عن "حزب الله" المقاوم في عواصم العالم. واذا كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري اتفق في لقاءات له لم يعلن عنها في حينه مع الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله على ان سلاحه المقاوم يبقى معه الى حين التسوية الشاملة في الشرق الاوسط فان ترجمة هذا الاتفاق تكون بالتفاهم على صيغة لوجود هذا السلاح الى حين موعد تسوية كهذه وبطريقة تثبت لبنان وكيانه واستقلاله ونظامه وحريته بدلا من ان تهددها. ورابعها، ان الرئيس السنيورة وتيار "المستقبل" لن يطعنا ابدا "حزب الله" والمقاومة على وجه الاجمال في ظهرها ايا تكن الظروف. وخامسها، ان السنيورة و"المستقبل" والغالبية النيابية لا يمارسون سياسة انتقام مع سوريا ولا يسعون الى انتقام كهذا. فما يهمهم هو الا يُصاب لبنان باصابة جهات داخله واشقاء له في مقدمهم سوريا. وما يهمهم ايضا هو الا تصاب سوريا في لبنان. والطريقة التي تدار بها الامور من اكثر من طرف منذ مدة ستؤدي اما الى اصابة لبنان واما الى اصابة سوريا، علما ان اصابة سوريا تؤذي لبنان بدورها. وحماية سوريا في لبنان وعبره ومنه يؤمنها اللبنانيون. هذا واجبهم وهذا حقهم. وسادسها، ان لبنان ليس خطأ تاريخيا كما يظن البعض او انه لم يعد خطأ تاريخيا كما يعتقد البعض الاخر. فوجوده كيانا نهائيا صار امرا مسلما به من اللبنانيين اولا ومن المجتمع العربي والدولي. وهذان المجتمعان الساعيان الى مساعدة لبنان وسوريا لترتيب اوضاعهما وعلاقاتهما والى مساعدة الثانية لحل مشكلاتها مع المجتمع الدولي لن يجريا صفقة على حساب لبنان ولا يعني ذلك ان التسوية بينه وبين سوريا مستحيلة. وفي هذا الاطار لا بد من الاشارة الى ان العلاقات الفعلية للدول العربية او لمعظمها مع سوريا ليست جيدة. لكن هذه الدول ورغم ملاحظاتها الكثيرة لا تريد "مشاكل" مع سوريا وتريد العمل لانقاذها ولكن ليس على حساب لبنان. اما سابعها وآخرها، فهو ان نفس السنيورة طويل و"روحه" كذلك وانه لن يقع فريسة للتهويل او الضغط من اي جهة كانت. وهو لن يفرط بالحكومة الحالية بكل مكوناتها ولن يقبل ترميمها فيما لو طلب البعض ذلك. فاما تبقى كما هي او ترحل. وهو ليس متمسكا بالمنصب الذي يبقى في النهاية شأن الناس وممثليهم الذين يقررون من يشغله.