جورج علم/السفير

تبقى المبادرة العربية حاجة ملحة لوقف التدهور في العلاقات اللبنانية السورية. ولدت هذه القناعة بعد سلسلة من الاجتماعات التي عقدت في أروقة الجامعة العربية في القاهرة، الاسبوع الماضي، على هامش الاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية، حيث تمثل لبنان بالامين العام السفير بطرس عساكر.

كانت هناك رغبة سورية لقيام تحرك يتولاه الامين العام عمرو موسى، بهدف فتح بوابة تخفف عن دمشق بعضاً من عزلتها الدولية، وتوفر مناخاً حواريّاً يفسح في المجال الى تبادل الافكار حول العديد من المواضيع التي تتجاوز العلاقات الثنائية الى الافق الاقليمي، ومن ثم الدولي، بحيث يكون هناك من يقف الى جانبها، ويدعم وجهة نظرها ولو بالحد الادنى في بعض الملفات، والطروحات. ثم الخروج من <<شرنقة>> التحقيق الدولي بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الى مواضيع يمكن ان تحتل الاولوية، ومواقع الصدارة، وهذا ما نشطت من أجله بعد صدور القرار 1644 عن مجلس الامن، والذي جاءت بعض مضامينه <<كأحكام تخفيفيّة>> بحقها، قياساً الى ما انطوى عليه القرار 1636 من اتهامات صريحة، ومباشرة، أقلها، عدم التعاون مع لجنة التحقيق الدوليّة.

كان الامير سعود الفيصل من محبذي مبادرة عربيّة يقودها عمرو موسى، اعتقادا منه أن الوضع في لبنان ليس اصعب من العراق، وإذا كانت الارادة العربية قد نجحت على إطلاق مبادرة تجاه العراق، وقد قادها موسى بحنكة، وحكمة، فإن مثل هذه الارادة موجودة لوقف التداعيات بين سوريا ولبنان، ولا بدّ من أن يكمل الامين العام ما بدأه بعيد جريمة اغتيال الزميل، النائب جبران تويني، حيث زار بيروت، وانتقل منها الى دمشق، وخرج من العاصمة السورية أكثر تصميما على استئناف مسعاه، وصولا الى جوامع مشتركة يمكن الاستناد اليها لبلورة مبادرة إنقاذيّة جديّة.

كان موسى يخشى ان تأتي الممانعة من العاصمة السورية، لكن الذي جرى أن التصويب الذي طاوله قد جاء من بيروت، وهذا ما كاد أن يفقده صوابه، ودفعه الى التساؤل عن المبررات التي أدّت الى <<هذه النوبة من الانفعال>> التي أصابت الاكثرية في الحكومة، والمجلس النيابي، والتي لا مبرر لها على الإطلاق في ضوء حساباته، ومقاصده. لأن غاية تحركه، كانت تهدف الى الأخذ بمواقف هذه الاكثرية، ومطالبها، والسعي لدى السوريين على إيجاد الحلول، والمخارج، والتطمينات، والضمانات لها.

وخلال الاجتماع الذي عقده مع الامين العام عساكر، حاول الاستفسار عن الاسباب، والخلفيات، التي وضعته في <<قفص الاتهام>> من قبل هذا الفريق من المنتقدين، والمشككين، الا ان عساكر قد نجح بما يملك من فطنة، وإلمام دقيق بمجريات الامور، أن يحدث انقلابا جذريّا في المزاجية الغاضبة الحانقة، وأن يطل عمرو موسى بعيد هذا الاجتماع على الرأي العام في مؤتمر صحافي عقده، وأعلن خلاله، النقاط الاربع التي سيتحرك بشأنها: <<الحقيقة أولا، ولا شيء يتقدم عليها. ثم ما يجري في لبنان. والعلاقات اللبنانية السورية، لجهة وقف التصعيد، والتدهور. وأخيراً الانكباب على معالجة الملفات المشتركة، وإرساؤها على أسس صلبة>>.

انفرط عقد الاجتماع الاستثنائي، وتفرّق وزراء الخارجية، على أمل أن هناك مبادرة، وهناك تحركاً سيقوم به الامين العام مدعوما من الدول الاعضاء في مجلس الجامعة، حتى أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة كان على إلمام واسع بتفاصيله، خصوصا، وان القاهرة، في أوج حملة لتصويب التي استهدفت الجامعة، وأمينها، أجرت اتصالاً مع رئيس الحكومة مستوضحة الاسباب والخلفيات، وشارحة الاهداف والأبعاد من هذا التحرك، والنقاط التي سيعمل على معالجتها، وما كان من السنيورة، إثر هذا الاتصال الا أن أوفد من يمثله الى العاصمة المصرية، ليوضح، ويستوضح، ويؤكد الموافقة اللبنانية الرسمية على هذا التحرك.

انتهى الاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية مساء الخميس الماضي. وباشروا بمغادرة القاهرة صباح الجمعة، على أمل أن هناك تحركا جديا، مساء الجمعة، اطل نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام من على شاشة <<العربية>> ليفجّر قنابله. حصل الزلزال، وبقيت تراجيع تداعياته تتوالى، وغرقت الساحة اللبنانيّة تحت فيض من الأسئلة المصيريّة المقلقة، عن الأزمة داخل الحكومة، عن الوحدة الوطنيّة، عن العلاقات اللبنانية السورية، عن مصير التحقيق، ومصير الحقيقة، عن حجم التداعيات التي قد تترتب، وأثمانها الباهظة؟!

وسط هذا الإعصار أصبحت المبادرة العربية ملحّة، ولكن هل من دور لها بعد؟ ومن تأثير، ومفعول؟!