نبيــــل طعمـــــة

هذا الذي لا يفصل بيني وبينه سوى الجدار أو الجبال أو الأشجار، هذا الذي أراه صباح مساء وفي بعضٍ من وقت النهار أرفع يدي له ويرفع يده لي وأحياناً كثيرة نضعها ونشابكها بتداخل المحب مع بعضها. الجار الذي تَحَدثَّ عنه الأنبياء بأنهم كادوا أن يورثوه والأتقياء والأوفياء. تَحَدثَّ عنه البُسَطاء والنبلاء. شريكي في السَّراء والضَّراء والجغرافيا والهواء والماء والثلوج والغيوم والأمطار شريكي في الشمس والقمر نوافذي تطل على أرْزُهِ وأرى بقِاعُهْ وصِّنينه وبابه يفتح على ياسَميني وزيزفوني وعلى صَنَوبري وليموني وبرتقالي.

أيها الجار الشقيق إن عرائشي تتدلى عناقيدها في أرض دارك وزهر ليمونك وتفاحك يفوح في داري، أولادنا يحبون بعضهم ومنهم من يتزاوجون، هل تكون غير ما أكَون أبهذه السرعة تقلب كل هذا إلى أشواك وتبدل زهر الحب والجمال إلى عناكب وعقارب لتؤذي نفسك أولاً وتؤذي جارك هل أنت الذي كنت ومازلت وستبقى ينبوع الجمال وفكر الثقافة وروح الحب.

لا أيها الجار لا تبتعد عن وجودك وجذورك فجبالك متصلة بجبالي وسهولك تتلاقى مع سهولي وودياني وشواطئك استمرار لشواطئي وأنهاري. لا تكن كما الجار الذي أساء للنبي وعندما مرض عادَهُ فآمن بحق الجيرة وأن لا ناصر له إلاّ جاره ومن شِدَّةِ ما أوصي بالجار كاد أن يدخله في الميراث.

والجار أصلها جور والجور نقيض العدل وضد الإلتقاء ومع أشكال العداوة، والجار هو المجاور كما عند الأتقياء يجاورون في المساجد الأولياء والأنبياء، والجار الذي أجَرْتَهُ من أن يَظِلمَ أو يُظلَمِ وهو المجير والمستجير والشريك. والجار مقاسم في الخير وحليف وناصر ومناصِرْ وجمعها جيره وجيران وأجوار، وطلب أن يُجَار واستجار، وأجارَهُ أنقذه ووقف معه وأعانه ومنع عنه الجور وأغاثه. فمن أي جيرة أنت اليوم أيها الجار، بالأمس كنت المحب والطالب والمستنجد فلا تكن اليوم خطر ومرسال خطر وشوكة الخاصرة.

أيها الجار انتبه لبعض أبنائك فالطيبون منهم أصيلون وكريمون وجيدون ومنتمون لجذورهم وتاريخهم وحضارتهم ومنهم الحديثون المنقلبون الناكرون المسيئون لك ولجارك فهؤلاء البعض بدلاً من أن يلجؤوا إليك يهربون إلى ما وراء البحار ويستعينون بالفُجَّار هم ينادون الغريب والمستغرب ليستبيحوننا فهم الآن يتبخترون كالديوك يتطاولون حتى على أخوتهم في دارك فكيف على جارك. إن هؤلاء البعض من أبنائك يؤذونك الآن ونحن نعيش ظرفاً عنيفاً غايته الإطباق على منطقتنا وجغرافيتنا وتاريخنا فلتنتبه بالرغم من أن البعض الكثير من أبنائك يستشعرون الخطر والمخاطر ويقاومون ويناضلون ويدافعون عن كل أشكال الاستباحة هؤلاء الأبناء الشرفاء الذين لم يغادروا ديارك ولم يحلموا إلا بك وطناً وأرضاً وحماية هل تبعدهم وتأخذ بيد الضلالة بدلاً من أيادي العزة والكرامة والكبرياء.

لا أيها الجار الشريك فلتقدركم أجَرْتُكَ وكم أعطيتك عطاءً ودَماً لا مِنِّة بل واجب الجار الأخ على جاره وكم زرعت في أرضك أشجاري وكم عَمَّرتُ لك بيوتاً بسواعد أبنائي وكم سمحت لك أن تصطاد من عصافيري فلتنبه البعض الآخر من أبناءك الذين يتبخترون من خلف الشواطئ، الذين يصيحون من خلف النوافذ أن هذه الأفعال في غير محلها وأوقاتها وأن صياحهم في غير وقته وأنني الجار الواجب عليه أن يتحملك ويتحملك إلى أن يشاء القدر.