النهار/ روزانا بومنصف

استهلت اللجنة الدولية للتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري المرحلة الثانية من عملها والتي قال عنها القاضي الالماني ديتليف ميليس في نهاية رئاسته لها اواخر السنة المنصرمة انها ستكون مرحلة سورية بامتياز بطلب لقاء كل من الرئيس السوري بشار الاسد ووزير خارجيته فاروق الشرع من بين مسؤولين آخرين كان تحدث عنهم ميليس في تقريره الاخير الى مجلس الامن في 15 كانون الاول الماضي. وافتتح حديث النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام الى محطة "العربية" للتلفزيون هذه المرحلة بوقائع سياسية تعطي دفعاً لمضمون تقريري ميليس وللجنة التحقيق بعدما دعمت حججها في وجه محاولة دمشق تطويق التحقيق للحؤول دون بلوغه مراكز عليا في القيادة السورية. اذ ان سوريا عمدت رداً على طلب ميليس استجواب عدد من المسؤولين السوريين خارج الاراضي السورية الى اجراء اتصالات مع كل الدول الاعضاء في مجلس الامن وبعث الرئيس بشار الاسد برسائل الى قادة الدول المعنية سعياً الى اعتماد اسلوب مختلف للتعاون مع لجنة التحقيق.

وستهتم لجنة التحقيق على الارجح، وعلى ما يفيد بعض المصادر، بالظروف التي حدت بخدام على الادلاء بما ادلى به كما بتوقيت اعلان موقفه. لكن الاهمية تكمن في الادلة التي سيقدمها خدام مدعماً ما قدمه من وقائع وفي مدى قدرته على ان ينزع من القيادة السورية أوراقاً دولية كانت تشفع بها من أجل اعطائها فرصة الدفاع عن نفسها واثبات براءتها ازاء اتهامات لا يمكن التعاطي معها على اساس انها لرجل مخابرات استيقظ ضميره، او لسائق لدى مدير للمخابرات. فهي لمسؤول كان نائباً للرئيس السوري حتى خمسة اشهر خلت ولم يتهم مرة بكل ما اتهمه به مجلس الشعب السوري طوال مدة وجوده في الحكم الى جانب الرئيس الراحل حافظ الاسد، او الى جانب الرئيس الحالي.

فالانظمة المغلقة، كما النظام السوري، لا يمكنها التهاون حيال فضح اسرارها وكشف المستور من المعلومات لديها، من دون ان يعني ذلك ان ما يساق من اتهامات الى من كشف هذه المعلومات، اي خدام، غير صحيحة او غير دقيقة. كما لا يعني ان ما ساقه خدام غير صحيح او غير دقيق. لكن هذا موضوع آخر يدخل في الحسابات الداخلية السورية. وما يعني ما تلقفه المجتمع الدولي من كلام خدام الكثير مما يعرفه ويقوله رؤساء دول عن النظام السوري، فثبت ما هو معروف عن الادارة السورية للشأنين الداخلي والخارجي وحرم سوريا فرصة الاستمتاع طويلاً بعلاقات عربية او دولية تشفع لها في وجه لجنة التحقيق. وهي لم تكن موجودة اصلاً اللهمَّ إلا لانقاذ ماء وجه القيادة السورية. الامر مع خدام اشبه بوضع رجال مخابرات يكشفون بعض ما يملكون من اسرار كضمان لهم في وجه من يستهدفهم داخل انظمتهم التي تحاول المقايضة لاحقاً على رؤوسهم لاستعادتهم ومحاكمتهم مع اختلاف الوضع بالنسبة الى خدام كونه سياسياً يخزّن تاريخ سوريا ولم يكن رجل مخابرات يعمل في السر.

امران آخران تقود اليهما استنتاجات محددة في كلام خدام:

الاول، ما بدا من ان النظام السوري استطاع النفاذ من الانسحاب القسري والمؤلم لقواته من لبنان تطبيقاً للقرار 1559 بحد ادنى من الخسائر الداخلية خففت وقعه ايضا التطورات اللبنانية المتلاحقة. وباستثناء طريقة هذا الانسحاب وظروفه وتفجر الحقد على اللبنانيين الذين تمردوا في رأي السوريين على من انقذهم، فإن المرارة السورية الحقيقية حول خسارة ما بناه نظام الرئيس الراحل حافظ الاسد بكل اركانه، بمن فيهم عبد الحليم خدام، تبدت في كلام الاخير الذي لم يخف خيبته بما تحقق على يد القيادة السورية الجديدة بنفسها، ما يعتبره انجازاً تاريخياً عمل عليه النظام السوري في ظل حافظ الاسد على مدى ربع قرن من الزمن.

الامر الثاني يطرح من باب ما تحدث عنه خدام عن قراءات واستنتاجات سورية خاطئة ازاء مواقف المجتمع الدولي. فالقيادة السورية التي كسبت خلال الشهر المنصرم معركة الاقرار الدولي بعدم وجوب تغيير النظام نظراً الى المخاوف من انعكاسات سلبية ليس على سوريا فحسب بل ايضاً على الدول العربية، واستقوت بهذا المنطق الذي راج فعلاً على ألسنة المسؤولين الاميركيين والفرنسيين وسواهم، وهو ما يعتقد انه احد اسباب بدء المواجهة التي اعلن عنها الرئيس السوري في خطابه الاخير من الساحة اللبنانية بالذات كما دأبت على ان تفعل دمشق ذلك، اظهرت مجدداً قراءتها الخاطئة لمسار التطورات وطبيعتها. فما حصل من مواقف دولية خفت حدتها اخيراً لاعتبارات متعددة وليس لصفاء الاجواء بينها وبين دمشق، لا يعني الاستهانة لا بالتطورات المحيطة ولا ايضاً بتطورات الوضع الداخلي في لبنان حيث تبدل المشهد كثيراً بعد بروز معارضات سورية وانتحار غازي كنعان وقبل ذلك ابتعاد خدام وسواه عن واجهة السياسة السورية.