النهار/راشد فايد

يستطيع مجلس الشعب السوري دعوة وزير العدل لديه لملاحقة نائب رئيس الجمهورية السابق عبد الحليم خدام بتهمة الخيانة العظمى. كما يستطيع حزب البعث طرده من صفوفه، وان بدا ذلك اعلانا لواقع قائم، وليس انشاء لحال مستجدة. لكن كل ذلك لا يقدم اي اجابة عن اي من الاسئلة التي حركتها امسية محطة "العربية" الفضائية في وداع السنة الفائتة.

4 ملفات – اسئلة اثارها خدام، اولها تمييزه بين النظام الوطن، وثانيها تفرد الرئيس بشار الاسد بالسلطة، وثالثها غياب ارادة التطوير والاصلاح، ورابعها دور الرئيس شخصيا وبالنيابة عن ادواته في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

السؤال الوحيد الذي ردت عليه دمشق، عبر مجلس الشعب السوري، وبالرفض، هو تمييز الوطن عن النظام، وتحديدا عن شخص الرئيس. ففي "حفلة الزجل" التي بثها التلفزيون السوري لم ينقص الخطباء سوى الهتاف "بالروح... بالدم... نفديك يا بشار". وبقدر ما تردد على لسان النواب من اتهامات لخدام بالفساد، تردد في اذهان المشاهدين السؤال: لو لم يدل خدام بما ادلى به هل كان فساده المزمن، بحسب الخطباء، رشق بالادانة، ام كان ظل موضع احترام القيادة السورية قبل العازمين على افتدائها؟

الراجح، ان مخالفة خدام لـ"نهج القائد" هي ما ازال غشاوة الطهارة عن صورته، واسقطه من سماء القداسة القومية الى ارض الخيانة. وفي ذلك تأكيد لعجز الانظمة الشمولية، حيث يتماهى النظام مع الرئيس، عن احترام ما تتعارف عليه الشعوب المتقدمة من قيم العدالة والمساواة والحرية وقدسية المال العام.

الدليل على ذلك ان لا احد من النواب طلب فتح محاكمة في ما اثاره خدام من اتهام لرستم غزالي ودوره في بنك المدينة، وحصوله على 35 مليون دولار بحسب قول "السيد نائب الرئيس". كما لم يطلب دعوة وزير الخارجية فاروق الشرع لتبرير تفسيره غير المنطقي للقرار الدولي 1559، ولوم خدام له على سوء تقديره السياسي، كما لم يطلب نقاشه في برودة(؟!) تعليقه على نبأ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كذلك لم يطلب احد من النواب الاطلاع على محاضر القيادة القومية للتأكد من ان خدام قدم مشروعا للاصلاح.

وما قالته جلسة مجلس الشعب المتلفزة كان ان المهم هو النظام، وتحديدا رأسه، اما الشعب فلم يفكر احد في تقديم احصاء يكذب قول خدام ان اكثره يعيش تحت خط الفقر ويفتش في القمامة ليجد قوت يومه. ولم يقترح احد من الخطباء المفوهين دعوة وزراء الاقتصاد والشؤون الاجتماعية الى جلسة مناقشة.

وما يغفر لمجلس الشعب ان ما كشفه خدام اثار الذعر، فانعقد على عجل وفضحه مستوى الخطابات التي تذكر باحتفالات المدارس في عيد الجلاء، واستقبال رئيسه اتصالات المشاهدين وطلباتهم من نوع استخدام تسمية "ابو قبح" بدل "ابو جمال"، وعدم اضافة كلمة السيد الى اسمه، وغير ذلك من مبادرات صبيانية.

حديث خدام اظهر رد فعل سورياً هزيلاً لا يتناسب وتأثيرات ما تضمنه، سورياً ودولياً، وخصوصاً ان لجنة التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري لم تتأخر في المبادرة الى طلب الاستماع الى الرئيس السوري ووزير خارجيته، لتضع القرارين الدوليين 1636 و1644 موضع الامتحان في بند تعاون دمشق معها.

ان رد الفعل السوري الاولي على طلب اللجنة ليس اقل هزالا: اتهام ديتليف ميليس بمحاولة دفع خليفته البلجيكي سيرج براميريتس الى تبني "عدائه لسوريا" والاستعداد للدخول في مماحكات ديبلوماسية وقانونية، واستمرار تجاهل سؤال اللبنانيين: اذا لم يكن نظام الوصاية الامني هو الفاعل، ألا يتحمل، على الاقل، مسؤولية التقصير الذي سهل الجريمة، ولماذا لا يحقق معه؟

لا احد من اللبنانيين يستطيع ان ينسى ادوار عبد الحليم خدام، وما مثل، ومن مثل، في ولادة الحرب اللبنانية، وتسعيرها واللعب على تناقضات اطرافها، وفق المصلحة العليا لسوريا، كما كان يراها حزب البعث الواحد الأحد.

ولا احد من اللبنانيين يستطيع تجاهل الهروب السوري الى الامام في موضوع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. اما الهروب الى الامام في الوضع السوري الداخلي، فأمر آخر يهم اللبنانيين لكنهم يحترمون خيارات المواطن السوري ولو ارغم على التزامها، ورمى بالخيانة العظمى كل من يكشف عوراتها.