النهار/راجح الخوري

نأمل بأن يكون البعض في لبنان قد قرأ جيداً وفهم جيداً. فقد أعلنت حكومة طهران رسميا ان تصريحات نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، التي احدثت زلزالا ليس واضحا بعد الى اين يمكن ان يؤدي، هي "شأن داخلي يخص سوريا"!

ولكن تصريحات السيد خدام، وهو الشاهد الذي عرف كل شيء والرجل الثاني في تراتبية اهل البيت السياسي السوري، ليست مقتصرة على الشأن الداخلي الذي نشارك ايران موقفها منه، بل انها تتصل جوهريا واساسيا بالشؤون اللبنانية، وبالمنقلب الفجائعي الذي اتخذته منذ التمديد الاكراهي للرئيس اميل لحود، وما تلا ذلك من الجرائم الارهابية وشلالات الدم المسفوك.

لا علاقة لنا بالشأن الداخلي السوري، وكل ما قاله خدام عن الرئيس بشار الاسد واسلوبه في الحكم وعن الفساد وانعدام الرؤية السياسية وغياب التخطيط هو مسألة تخص النظام السوري، لكن ما قاله عن لبنان وعن جريمة العصر المزلزلة التي أودت بالرئيس الشهيد رفيق الحريري والنائب باسل فليحان وصحبهما، وعن جوقة التحريض التي قادها لحود والكراهية التي انخرط فيها بعض حلفاء دمشق وسبقت جريمة 14 شباط، يبقى شأنا لبنانيا بامتياز.

وعلى هذا الاساس، شئنا ام ابينا، ليس هناك من يشك لحظة واحدة في ان ما كشفه خدام عن الاضطهاد والقهر اللذين تعرض لهما الرئيس الحريري، وخصوصا بعدما تلقى تهديدا صريحا وأُكره على قبول تعديل الدستور والتمديد للحود، انما يشكلان دعما قويا للتحقيق الدولي في الجريمة، وهو دعم يتجاوز في اهميته اوصافا معروفة مثل "الشاهد الملك" ربما ليكون خدام بمثابة من يشرّع الباب امام التحقيق لكشف الحقيقة المضمخة بدماء الحريري ورفاقه.

لقد اعطى كلام خدام دفعا هائلا للتحقيق عشية انتقال المسؤولية من ديتليف ميليس الى سيرج براميريتس، اولا لانه دعم في شكل كبير ما ورد في تقرير ميليس الذي اعتبره جيدا ومهنيا، بينما شنت عليه دمشق حملة قوية كما هو معروف. وثانيا، وهو الاهم، لان لجنة التحقيق الدولية سارعت الى طلب مقابلة الرئيس السوري ووزير خارجيته فاروق الشرع وآخرين، وهو امر كان قد بدا لوهلة في نظر البعض انه لن يحصل وخصوصا بعد صدور القرار 1644، وارتفاع التسريبات التي تحدثت عن مشروع صفقة اميركية – سورية انطلاقا من هدوء الانتخابات العراقية.

ورغم ان هذه التسريبات تأتي في سياق محاولات كثيرة لعرقلة التحقيق وقطع الطريق على الحقيقة، ومن هذه المحاولات مثلا ما يدور على الساحة اللبنانية من خلافات سياسية مفتعلة وانقسامات تستسقي نشوب حال من الفوضى تكفل دفع التحقيق الى الظل، فان البعض ينسى ان القرار 1595 يستند في خلفيته الى البند السابع من شرعة الامم المتحدة الذي يجيز استعمال القوة انطلاقا من اعتباره جريمة 14 شباط عملا ارهابيا، وانه لن يتوقف قبل التوصل الى الحقيقة.

واذا كان ميليس قد قاد تحقيقه حتى الآن وسط جلبة كبيرة حاولت دائما اتهامه بالتسييس، فان براميريتس قادم ليكمل هذا التحقيق وهو يحمل بوصلة خدام او لنقل "عبد الحليم ميليس" ليتبين طريقه في شكل اوضح.

واذا كان مجلس الشعب السوري قد استنفد كل ما في معاجم اللغة من اوصاف التحقير والاتهام ضد خدام، فقال على سبيل المثال لا الحصر انه: "الوقح، المريض نفسيا، الساقط، العميل، العدو، الخائن، الرديء، المسموم، الكذاب، الوضيع، الجبان، البعير الانتهازي"، فان ذلك لا ينفي اطلاقا ان الرجل كان الى الامس القريب نائبا للرئيس وشاهدا من قلب النظام، وان كل ما قيل وسيقال فيه بعدما اتهم بالخيانة العظمى، لم يكن احد ليسمع به لو لم يقم الرجل بفرقعة رأس السنة بحديثه الذي قد [ونشدد على كلمة قد] يصير مفترقا حاسما يفضي في ارتداداته الى تزخيم اتجاهات التحقيق الدولية واستطرادا الى تغيير ليس واضحا كيف يبدأ واين ومتى ينتهي.

في اي حال، يستطيع مجلس الشعب اتهام خدام بالخيانة والمطالبة بمحاكمته وفتح ملفاته، ولكن هذا لا يكفي ربما لأن المطلوب الآن هو مواجهة التحقيق الدولي بلا عراقيل او معوقات، على الاقل، لان من مصلحة الرئيس السوري والوزير الشرع اثبات ما وجهه مجلس الشعب الى خدام من اتهامات.

فالمسألة هنا ليست على طريقة استعراض هسام هسام. فنحن امام الرجل الثاني في صناعة تاريخ سوريا وادارة جزء من المسار السياسي في المنطقة منذ 35 عاما ونيف.

ولأن خدام كان يدرك سلفا الوقع الصاعق لحديثه الناري والمدروس جيدا، وقد جاء عند مفارق حساسة وحاسمة، فقد تعمد في بداية الحوار ان يرد على سؤال عما اذا كان يخشى من عواقب كلامه، فقال ما معناه:

أملك معلومات كثيرة وخطيرة وهم يعلمون انني املكها.

فالى اين يمكن ان يقود كلامه هذا في مواجهة تهمة الخيانة العظمى، وخصوصا ان المنازلة بين خدام والنظام تتم وسط نصاب دولي مكتمل، وقد تلقى التحقيق في جريمة اغتيال الحريري دفعة صاروخية الى الأمام؟