الخليج/خيري منصور

تعددت الأوصاف التي قدمتها وسائل الإعلام العربية والعالمية لموقف عبدالحليم خدام من النظام الذي كان لعقود من عظم رقبته، فالبعض قالوا إنه فجر قنبلة موقوتة، كانت مخبأة تحت معطفه منذ زمن، وآخرون وصفوا خدام بأنه “بروتوس” الذي خذل يوليوس، لكن أغرب الصفات هي تلك التي جاءت من الجهة الأخرى، عندما وصفه غازي العريضي بأنه قدم شهادة بالغة الأهمية حول اغتيال الرئيس الحريري، ووضع أمام لجنة ميليس للتحقيق قرائن وحيثيات قد يكون المخفي منها هو الأعظم، وستتواصل قراءات هذا المشهد الذي يمكن تصنيفه انقلابياً وليس انشقاقاً فقط، كما ورد على بعض الفضائيات، وثمة مراقبون أعلنوا صراحة عن عدم اندهاشهم من موقف خدام، فهو من المقربين جداً للرئيس الراحل الحريري، لهذا قال إن مشاركته في العزاء والجنازة غداة اغتيال الرئيس كانت شخصية وتعبيراً عن عواطف إنسانية خاصة.

وبالطبع، وكالعادة سارعت الميديا الغربية خصوصاً الأمريكية إلى القول إن هذا الموقف الذي اتخذه نائب الرئيس السوري الأسبق هو بمثابة دليل على تحلل نظام سياسي شائخ، وقد يكون فاتحة لمتوالية من الانشقاقات في النظام السوري.

والمشهد على أية حال يتيح للنوايا كلها أن تجرب ولاءها في هذه البئر، حتى لو كانت بعض الدلاء ستعود ملأى بالحصى أو فارغة.

لقد عرف عن عبدالحليم خدام أنه كان الأميل إلى الراديكالية من سائر رفاقه في النظام السوري، خصوصاً خلال فترة حكم الرئيس الأسد الأب، وقد سمع الناس مراراً عدداً من الحكايات عن المفاوضات التي كان خدام طرفاً فيها، خصوصاً تلك المتعلقة بمنظمة التحرير الفلسطينية، فهو الذي وصف الرئيس الراحل ياسر عرفات بأوصاف قيل لحظة إطلاقها إنها ليست دبلوماسية، ولا تليق بنائب رئيس جمهورية، وقد يمر بعض الوقت وليس الكثير منه قبل أن يتضح موقف خدام السياسي بمعزل عن المقايضات الكلامية والدبلوماسية التي تغطي مواقف لها صفة الحسم، لكنها بانتظار النضوج وتوفر المناخات الملائمة للبوح بها على نحو مباشر.

وقد ترى دمشق في خدام بروتوس الذي استل خنجره في لحظة مناسبة، لكن السيف كما الخنجر سبق العذل في هذه المناسبة، وسيكون موقف خدام الانشقاقي فرصة أخرى لمضاعفة التحريض الدولي ضد دمشق.

ولو شئنا أن نذهب إلى ما هو أبعد من كل هذه المقاربات التي تراوح بين الإدانة والترحيب فإن أول ما يمكن تسجيله وبلا تحفظات هو أن النظام السياسي العربي لم يكن بالتماسك الذي أوحى به عبر إعلامه وأجهزة أمنه، فالخلل بنيوي وعميق، وهو في الصميم من النسيج ذاته، ما دامت الحسابات متعددة وكذلك الحواسيب.

خطوة خدام هذه تقاس بالأميال، لأنها ليست خطوة فرد أعلن العصيان على حزبه، فهو رئيس جمهورية إلا قليلاً على الأقل بمقياس بروتوكولي، إذا كانت مهنة نائب رئيس بالعربية هي مهنة نائب فاعل.