النهار/ سركيس نعوم

يقول عدد من زوار العاصمة السورية ان الرئيس بشار الاسد يخوض على الساحة اللبنانية ومن خلالها كما على الساحتين الاقليمية والدولية مواجهة مع اميركا وحلفائها لها اهداف عدة. منها حماية النظام القائم في سوريا من محاولات الاضعاف او الانهاك التي يقوم بها هؤلاء والتي تصب في النهاية في مصلحة اسرائيل الرافضة اعادة الحقوق العربية المتنوعة الى اصحابها، وكذلك من محاولات الاطاحة به التي تراود البعض منهم اعتقادا منهم ان زواله لا بد ان يفتح الباب واسعا امام تسوية المشكلات المعقدة في المنطقة مثل العراق والموضوع الفلسطيني والحركات الفلسطينية الاصولية المتطرفة و"حزب الله" في لبنان بل لبنان عموما. ومنها المحافظة على الشرعية الوطنية والقومية للنظام في سوريا من خلال الاستمرار في تبني سياسة مدافعة عن القضايا العربية ومواجهة للتحديات الاميركية والاسرائيلية واخرى وطنية ساعية الى الاصلاح البطيء والمتدرج لكن الثابت في المجالات السياسية والاقتصادية. ومنها ثالثا، منع تحول لبنان ساحة يستعملها كل المناهضين لسوريا وللنظام القائم فيها بقصد النيل منهما سواء بالاطاحة او بالارغام على التجاوب مع المطالب الخارجية "اي الاجنبية" التي رفضتها طويلا. وفي هذا المجال ينفي هؤلاء الزوار ان يكون وراء المواجهة السورية المشار اليها هدف العودة الى لبنان عسكريا وسياسيا وامنيا او هدف السيطرة عليه وحكمه من جديد رغم ان الخروج منه بالطريقة التي شاهدها اللبنانيون والسوريون والعالم اجمع لم تكن مريحة سورياً على الاطلاق. ويشددون على ان الهدف منها هو اقناع الاطراف اللبنانيين "المعادين" لسوريا او بالاحرى "المشتبكين" معها بالبحث عن طريقة فعلية توفر الامن لها من لبنان وتمنع تحوله فعليا ممرا للمؤامرات عليها ومحاولات التخريب وزعزعة الاستقرار ولاسيما بعدما تحول لبنان ولاعتبارات متنوعة الجبهة الاولى في الحرب او بالاحرى في مواجهة المجتمع الدولي بزعامة اميركا لها.

ويقول هؤلاء الزوار ايضا ان سوريا بشار الاسد تعترف بارتكاب اخطاء كثيرة في لبنان وربما بالتقصير في محاسبة المسؤولين فيها عن هذه الاخطاء. وهي قد دفعت ثمناً باهظاً لذلك في 26 نيسان الماضي لا تزال آثاره ومضاعفاته بل وارتداداته تتوالى. لكنها تدعو اللبنانيين الى الاعتراف ايضا بدورهم في الاخطاء نفسها اي بتخلي معظمهم عن كل ما هو وطني لها في حينه وبالتعامل معها على انها الآمر الناهي في البلاد في مقابل خدمات متنوعة بعضها سياسي وبعضها الاخر غير سياسي وباقامة نوع من الشراكة بين الفاسدين من الدولتين الشقيقتين الامر الذي اوصلهما الى الحال الصعبة الراهنة. ويقولون اخيرا ان سوريا بشار الاسد تعترف بتقصيرها في المجال الدولي اذ لم تكن موجودة ديبلوماسيا واعلاميا وربما سياسيا على النحو المطلوب في مرحلة بالغة الدقة في عواصم القرار العالمي كما في العواصم العربية الكبرى. وتعترف ربما بقراءات غير دقيقة للتطورات والحوادث التي تسارعت في العالم منذ ارهاب 11 ايلول 2001 حتى اليوم. لكنها تعتبر ان المسؤولين في عواصم القرار العالمي لم يأخذوا الواقع السوري الشعبي والوطني والقومي والنظامي (من نظام) في الاعتبار سواء عندما طلبوا منها الاصطفاف معهم والتجاوب مع كل مطالبهم او عندما تحولوا الى معاقبتها نتيجة ممانعتها او رفضها هذين الاصطفاف والتجاوب. وكان عليهم مراعاة الواقع المذكور بكل تشعباته كي تتمكن سوريا بشار الاسد من التعاون. و هذا ما لم يحصل.

ما مدى صحة هذه الاقوال؟

المعطيات المتوافرة عن العلاقة اللبنانية – السورية على الاقل منذ 1975 حتى اليوم فضلا عن ضيق المجال لا تسمح على كثرتها باجراء تقويم عميق لها يؤدي الى استنتاجات نهائية وتاليا الى توزيع للمسؤوليات عن كل ما تخللها من حسنات وسيئات علما ان الممارسة السورية في لبنان في عهد الرئيس الحالي بشار الاسد كما في عهد والده الرئيس الراحل، على الفروقات التطبيقية بين الاثنين، لم توح يوما الى اللبنانيين ان سوريا ستخرج من لبنان او بالاحرى ستتخلى عن ادارته سواء بقيت فيه عسكريا او لم تبق. وعلما ايضا ان تأكيد زوار دمشق ان الهدف الحالي لقيادتها هو الحؤول دون تحول لبنان مصدر خطر مستمر عليها، وليس العودة اليه سواء بالصيغة القديمة او بأي صيغة اخرى يجب ان يفرض على اللبنانيين الانطلاق منه لبدء حوار جدي مع سوريا رغم شكوك الكثيرين منهم في صحة ذلك. وهذا الحوار ضروري بل مطلوب ايا تكن نتيجة المواجهة السورية – الدولية واستطرادا السورية – الاميركية. لان سوريا ولبنان ستبقيان دولتين شقيقتين ومتجاورتين جغرافيا ولان استقرار الواحدة منهما لن يتوافر الا اذا توافر عند الاخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ان سوريا بشار الاسد ولبنان الرسمي، علما انه من الصعب تحديد هذا اللبنان نظرا الى استمرار تصدعه وانقسامه، مستعدين لحوار كالمذكور؟ الجواب الرسمي عند الاثنين ايجابي ولا يمكن ان يكون غير ذلك. لكنه ليس فعلا كذلك اذا تم التدقيق في المواقف السياسية لكليهما. فسوريا تتهم السلطة اللبنانية المخولة دستورياً الحوار او التفاوض او اي شيء من هذا القبيل ومعها الغالبية النيابية المستندة اليها بخوض معركة اعدائها ضدها. وتعتبر ان المطالب التي ترفعها هذه السلطة مؤذية لها سواء في هذه المرحلة او في المطلق. ولبنان الرسمي يؤكد مع استعداده للحوار ثوابت الحوار التي تعتبرها سوريا شروطا وربما تعجيزية واملاءات خارجية وما الى ذلك. فضلا عن ان كلا من الاثنين "يتمنى" ان يبادر الاخر الى طلب الحوار. لكن هل ينجح الحوار اذا قرره الطرفان الآن؟

نجاحه ليس مضمونا نظرا الى التوتر الشديد في العلاقة بين البلدين والى انعكاسات ذلك على الشعبين والى تداخل المحلي اللبناني بتعقيداته مع الخارج العربي بتحفظاته وحذره ومع الخارج الدولي بمطالبه والشروط. ونظرا الى تداخل الداخلي السوري مع وضع داخلي صعب وقضايا اقليمية معقدة ومواقف عربية غير حاسمة ومطالب خارجية ثابتة، لكن حصوله امر ضروري شرط المساعدة في توفير ظروف النجاح له او على الاقل البدء به. والظروف المطلوبة من ثلاثة انواع. الاول، عربي ودولي. اي ان تقوم الدول العربية برعاية حوار متكافىء يؤمن مصلحة لبنان وسوريا في آن واحد وبعيد من الحوارات السابقة (اي قبل اعوام او ربما عقود) التي كانت غطاء لصفقات لم تكن يوما لمصلحة لبنان، وان يقوم المجتمع الدولي بتشجيع الحوار لان نجاحه لا بد ان يوفر حلولا لقضايا شائكة لبنانية ذات مفاعيل خارجية ولا بد ان يحمي انجاز استعادة لبنان الديموقراطي المستقل التي يقول هذا المجتمع انها احد اهم انجازاته في المنطقة في السنوات الاخيرة. والثاني سوري. اي ان تفصل سوريا موضوع اغتيال الرئيس الحريري وسائر الشهداء عن العلاقة المستقبلية مع لبنان. ويعني ذلك ألا تربط الحوار فالتفاهم بمصير التحقيق في كل ذلك ثم المحاكمة وان تتعاون على نحو قد يساعد على اعادة اللبنانيين او غالبيتهم النظر في اقتناعهم بمسؤولية ما لها عنها. ويعني ايضا المساهمة في تبديد اجواء الرعب الذي يعيشه اللبنانيون من دون ان يعني ذلك انها مسؤولة عنه. ويعني ايضا استعدادها للبحث في مطالب لبنان التي لا يمنع تلبيتها او التجاوب معها قيام علاقة تعاون وتنسيق وربما تكامل في مجالات معينة مثل ترسيم الحدود كلها وتبادل التمثيل الديبلوماسي بين البلدين واعادة النظر في الاتفاقات الموقعة ليس لالغائها بل لتعزيز مضمونها الذي هو حفظ الامن والاستقرار في البلدين وتعزيز التعاون في الميادين الاخرى. أما النوع الثالث والاخير فهو لبناني. اي ان يتخطى اللبنانيون انقساماتهم وان يعالجوا موضوع العلاقة اللبنانية – السورية من منطلق انتمائهم الاول الذي هو للبنان ومن منطلق انتمائهم وسوريا الى العروبة اي العروبة الحضارية والانسانية.

طبعا، قد يعتبر كثيرون ان الظروف الحالية لن تسمح بحوار كالمطروح اعلاه سواء كانت سورية او لبنانية او دولية. وقد يكونون محقون في ذلك. لكن من يأكل العصي ليس كمن يعدها. ومن يأكلها اليوم هم اللبنانيون، ومن قد يأكلها غدا هم السوريون. الا يستحق ذلك منهم صحوة وعي للعمل على تجاوز الماضي لمعالجة مشكلاته وذيولها ولاقناع المجتمعين العربي والدولي ان ما يريدون تحقيقه في المنطقة يحتاج الى استقرار وخصوصا في لبنان وسوريا؟