الشرق الأوسط/ سمير عطا الله

كان هذا انقلابا. وكان انقلابا مدروسا، احترافيا معدا بعناية واتقان. لكن الفارق ان الذي قام به رجل متقاعد. او بالأحرى رجل اختار بهدوء الذهاب الى المنفى، ثم اختار بنفسه موعد «التفجير عن بعد»، والثأر لرجلين: اولهما، هو، عبد الحليم خدام، والثاني حليفه وصديق العقدين الماضيين، رفيق الحريري.

الاستاذ عبد الحليم خدام نموذج إغريقي لحال العلاقة اللبنانية السورية. كان هو، في البداية، سيدها والمفوض الأعلى من الرئيس حافظ الأسد. وكان يقرّع السياسيين اللبنانيين، سواء عندما يأتي الى بيروت او عندما يزحفون الى دمشق. ولذلك هبَ النواب السوريون وبعض صحف دمشق يتهمونه «بالأخطاء التي ارتكبت في لبنان».

وبما «اوصل الوجود السوري الى ما وصل اليه». كما اتهموه «بالفساد في الداخل». ولكن الحقيقة ان هذه الردود الانفعالية ادت الى تأكيد سوري شبه عام، على قيام وضع عانى منه اللبنانيون معاناة كبرى وذلا كبيرا. وقد تحدث نائب الرئيس السابق بالأرقام عن مدى الفساد داخل سورية ولبنان معا. وسوف يكون من المضحك نفي معلومات يملكها رجل كان الرقم 2 في دمشق على مدى ثلاثة عقود، وكان اقرب الناس الى عقل الرئيس الراحل.

هول المفاجأة جعل الردود المكتوبة التي قرئت في دمشق وبيروت، نوعا من الاغراق في بلادة الحيرة. فقد اصبح عبد الحليم خدام فورا عميلا نائما لفرنسا، ثم طبعا عميلا لأميركا والصهيونية. وتذكرت الصحف بغتة انه يملك قصورا في سورية، مع ان القصور علامة كبرى تراها عيون الجميع. وثمة قصور فائقة العدد في كل مكان، جميعها حديث التشييد، وجميعها لم يأخذ في الاعتبار انه يبنى في دولة اشتراكية متشددة.

على ان اللهجة الشديدة القسوة التي ووجه بها خدام في دمشق وبعض بيروت، تعبّر عن هول الصدمة. فالرجل الخارج من النظام وعنه، ليس سجينا سياسيا سابقا، ولا معارضا كامنا، بل حزبي يقدم نفسه على انه تعرض لخمس محاولات اغتيال في سبيل سورية. وقد تجوز في هذه الفورة تهمة الفرنسة والامركة وسواها، لكن هذا التسرع يضر بسمعة سورية كلها خلال السنوات الماضية. يجب اعادة النظر في التعابير والمصطلحات، برغم ان المرء ايضا يدرك ماذا يعني ان يغادر السفينة رجل كان في قمرة القيادة، وان يتحول من ركن اساسي الى شاهد اتهام. ولكن هذا لا يعني انه في الامكان القول انه «محمد صدّيق» آخر. ثمة لغة يجب الحفاظ عليها حتى في اقصى ساعات الغضب والافتراق. والمشكلة ان عبد الحليم خدام اعدّ كلامه بتأن وحرص، وتلاه في هدوء وتنبه، فيما حكمت المفاجأة بلغتها ولهجتها وسرعتها على شاتميه وناكريه ومستنكريه. وسبحان مغير الأحوال.