الحياة/ داود الشريان

أهمية المعلومات التي أدلى بها عبدالحليم خدام لم تأتِ من جدتها او خطورتها، فهو كرر معلومات متداولة ومكررة منذ اغتيال رفيق الحريري، بل ان بعض ما قاله كان سمعه مثلما سمعه الناس. وباستثناء الاشارة الى ان التحريض على الحريري كان يأتي، في الغالب، من قيادات لبنانية على رأسها الرئيس لحود واللواء جميل السيد، فإن كل ما قاله خدام مللنا سماعه. ولهذا فإن مقابلة خدام لن تضيف جديداً في مسار التحقيق قانونياً او جنائياً، لكنها ربما تفعّل أجواء التحقيق من الناحية السياسية. فبعضهم يرى أن خروج النائب السابق للرئيس السوري على شاشة «العربية»، لا يختلف كثيراً عن خروج صهر صدام حسين كامل على شاشات التلفزيون ولقائه أجهزة مخابرات. أي ان خروج خدام عن صمته مؤشر الى تصاعد الخلافات داخل النظام في دمشق، وبداية تآكل جبهته الداخلية وانهيارها، ويؤيد استنتاجه بما يجري على الساحة اللبنانية، من تغيير ولو طفيف في موقف «حزب الله» وحركة «أمل» من تعليق مشاركتهما في الحكومة، وحرص رئيس مجلس النواب اللبناني الرئيس نبيه بري على التواصل مع الرياض، وانتظار نتائج القمة السعودية - المصرية قبل حسم الخطوة المقبلة في شأن الأزمة الحكومية. أي ان حلفاء دمشق متخوفون من تبعات خطوة خدام، وراغبون في اضفاء بعض المرونة على مواقفهم، وترك الأبواب مفتوحة مع «المستقبل» تحسباً للأيام الآتية.

لا شك في ان تضخيم تداعيات حديث خدام تفكير بالتمني، فهو عملياً خرج من السلطة قبل خمس سنوات، وكانت علاقته السياسية والمالية بالحريري السبب الأهم وراء إبعاده من جانب الرئيس الراحل حافظ الاسد، الذي اعتبر ان علاقة نائبه ورئيس الاركان اللواء حكمت الشهابي مع الحريري تجاوزت حدود الولاء للنظام والدولة، فأقصى الاثنين. ولهذا يصعب وصف انشقاق خدام بأنه تعبير عن مواجهات داخل النظام، فهو ليس داخل النظام لينشق عليه. واذكر في اخر لقاء مع الرئيس الحريري أنني سألته خلال حديثنا عن أزمته مع السوريين واتهامه بأنه وراء القرار 1559: لماذا لا تطلب من خدام ان يتوسط لترطيب الاجواء مع القيادة السورية، فقال لي الحريري: «خدام صار جالس مع المتفرجين... انه عملياً مبعد، وتدخله ربما يعقد الأمور، ناهيك بأنه غير قادر عملياً». الأمر الآخر ان المتابع لحديث خدام يجد انه ينطلق من ثأر شخصي، وجزء مهم من كلامه كان تصفية حسابات شخصية، وفشل وهو يتحدث في اخفاء شعوره بالمرارة بسبب إبعاده في شكل كامل عما يجري داخل اروقة السلطة، ولهذا كان طوال المقابلة يستخدم عبارات سمعت، وقيل لي، واذا استشهد استخدم الاموات!

من المؤكد ان عبدالحليم خدام ادلى بهذا الكلام للجنة التحقيق كشاهد، واسرّه الى اجهزة مخابرات عربية وأجنبية قبل ان يعلنه في وسائل الاعلام، بل ربما انه أعطى لجنة التحقيق تفصيلات اكثر من تلك التي قالها على شاشة «العربية»، لكن حرص خدام على حماية نفسه من تداعيات التحقيق مستقبلاً، وتحقيق مكاسب سياسية من وراء هذه المعلومات ضد النظام السوري، هو ما دفعه، بتشجيع والحاح من رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري الذي كان وراء ترتيب هذا اللقاء مع «العربية»، الى اخراج هذا اللقاء الى وسائل الاعلام، لتحقيق اهداف سياسية من أهمها اعادة اجواء الخوف والقلق والترقب الى صفوف الشعب السوري الذي استعاد توازنه، وثقته بالليرة السورية بعد صدور تقرير ميليس الثاني. والأمر الآخر التمهيد للمرحلة الثالثة من التحقيق في اغتيال الحريري بخبطة تنسي الناس قصة الشاهد المرتد حسام حسام. كأن سعد الحريري اراد بترتيب هذه المقابلة لخدام ان يقول للمسؤولين في دمشق: اذا كان شاهدكم حلاق، فشاهدنا ملك!

الغريب ان حوار خدام لم يحدث اثراً مهماً في اوساط شعبية لبنانية، وربما مرّ مثلما مرّ غيره من الاحاديث. فكثيرون في بيروت يعتقدون ان مقابلة خدام جزء من الكيد السياسي بين واشنطن ودمشق، وانها لن تضيف شيئاً خطيراً الى مجرى التحقيق وكشف الحقيقة في اغتيال الحريري، بقدر ما ستزيد الضغوط على دمشق لصالح خصومها الغربيين، وربما ازعجت هذه المقابلة الاستقرار الداخلي لبعض الوقت. ويرى مواطنون لبنانيون من اعمار ومشارب مختلفة ان مجلس الشعب السوري سوّق لمقابلة خدام، وكانت مداخلات النواب اشد ضرراً على دمشق من تصريحات خدام، فنواب الشعب السوري أكدوا ما قاله خدام بطريقة تدعو الى الشفقة، ويعتبر بعض اللبنانيين ان تعاطي دمشق مع حديث خدام دليل جديد على انها فقيرة في التعامل مع الاعلام.

تبقى الاشارة الى ان تصريحات خدام كشفت ان الاعلام العربي، خصوصاً الرسمي منه، هو في غالبه ضد النظام السوري. فبمجرد بث اللقاء استقبلته وسائل الاعلام العربية بترحاب شديد، وعلقت عليه من زاوية خطورته على مستقبل سورية واضعاف موقفها في التحقيق. ولم يجرِ التوقف طويلاً عند تاريخ الشاهد الجديد، والجرائم التي اقترفها في لبنان، والاغتيالات التي تمت خلال تسلمه الملف اللبناني منذ العام 1976 وحتى ابعاده من السلطة عام 2000، ولم يذكر ان خدام تجاهل الاعتذار للبنانيين والسوريين الذين مارس ضدهم القمع على مدى ثلاثة عقود.