الدستور/ محمد سيد رصاص

لم يذكر أحد من السوريين طائفة المرحوم فارس الخوري (وهي الطائفة البروتستانتية القليلة العدد) عندما تولى رئاسة البرلمان بالأربعينيات ومنصب الوزير الأول بالخمسينيات، وهما منصبان كانا أكثر أهمية من منصب رئيس الدولة في نظام كان شبيهاً بالنظام المعمول به في المانيا، حالياً.

مع الحضور الأميركي الى المنطقة، عقب 11 أيلول، تجري صياغة للأوضاع الداخلية في منطقة الشرق الأوسط عبر نموذج ديموقراطي يتم ادخاله الى البلدان التي حصل فيها حضور أميركي عسكري (أفغانستان والعراق)، يمكن تسميته بنموذج (ديموقراطية المكونات)، يتم فيه توزيع المناصب والتعيينات وفقاً لنسب "المكونات" العددية، سواء كانت طائفية أو قومية أو دينية، فيما رأينا كيف جرت إعادة صياغة السودان عبر مفاعلات أزمة الجنوب (بواسطة إدارة اميركية للأزمة) أدت بالمحصلة الى اعادة توزيع، وفقاً للمكونات الدينية ـ الإثنية بين العرب المسلمين والجنوبيين، أفضت الى تقاسم للسطة والثروة والمناطق بينهما في (مشاكوس) و(نيفاشا)، وهو ما يبدو أنه السيناريو القادم مع الدارفوريين الذي سيفرض على الحكومة المركزية.

يمكن لمس هذا التوجه الأميركي في (مشروع الشرق الأوسط الكبير) /13 شباط 2004/، عبر صياغة ايديولوجية ـ ثقافية، تقوم الممارسة الأميركية السياسية للإدارة الحالية من خلالها بأكبر إعادة صياغة لمنطقة الشرق الأوسط جرت منذ عام نهاية الحرب الكونية الأولى، عندما رسمت لندن وباريس اللوحة الإقليمية للمنطقة عقب سقوط الدولة العثمانية.

الآن، يلاقي هذا التوجه الأميركي هوى وقبولاً عند فئات سياسية عديدة في المنطقة العربية: نجد ذلك عند القوى الكردية في سورية، وعند القوى التي عقدت المؤتمر القبطي الأخير في واشنطن، بينما يلاحظ أن قوى سياسية سورية عربية قد تلاقت مع مفهوم (ديموقراطية المكونات) عبر ما سمي "إعلان دمشق"، فيما لا تلمس مقاومة فكرية سياسية عند القوى العراقية لمفهوم ديموقراطية المكونات، بل انخراط في العملية السياسية على أساسها، وإذا وجد شيء من هذا عند العرب السنة فإنه قائم على الاعتراض على النسب والحصص القائمة الآن، أو ربما هو مبني على حنين الى الوضع الذي شهد هيمنة سنية عربية على السلطة العراقية بين عامي 1921 ـ 2003.
ربما أتت الاستجابات المحلية في البلدان العربية المذكورة، لذلك التوجه الأميركي، من اخفاق مشروع بناء الدولة الوطنية في تلك البلدان، وما أعقب (أو ما رافق) ذلك من نشوء سلطات قامت بإقصاءات على أسس فئوية وقومية، وأيضاً سياسية وايديولوجية، أفضت الى تهميش مفهوم المواطنة، بمعنى مواطن المجتمع والدولة الذي يتساوى مع الآخرين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين والطائفة والعرق أو الجنس أو الرأي السياسي، لصالح احساس تملك مواطن تلك المجتمعات بأنه قد وضع في زاوية أجبر من خلالها على أن يكون "مواطن الطائفة" أو العرق أو الدين الذي ورثه عن أبيه.
لم يؤد هذا الى تكريس وضعية فارس الخوري (أو وضعية ليونيل جوسبان، في انتخابات 2002 الرئاسية أمام شيراك، عندما لم يذكر أحد من الفرنسيين أو يشر الى بروتستانتيته، وهو ما أشر الى نجاح الثورة الفرنسية في تكريس مفهوم (مواطن المجتمع والدولة)، عقب قرن من اضطهاد لويس الرابع عشر للهوغنوت البروتستانت الفرنسيين وطرد اعداد غفيرة منهم الى انكلترة وسويسرة إثر الغائه لمرسوم نانت في عام 1685) وإنما الى تكريس اقليمي لوضعية جرت في بيروت 1943 بين الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح، وإن جرى، بعد حرب أهلية استمرت عقدا أو نصف، اجراء طبعة منقحة عنها في (اتفاق الطائف) بعام 1989.

حذر العميد ريمون إدة، في صيف 1974، من قبرصة لبنان والمنطقة، ثم جرت تحذيرات كثيرة، أثناء الحرب الأهلية اللبنانية من لبننة المنطقة: بعد أربع سنوات من حصول طبعات أفغانية وسودانية وعراقية عن (الطائف اللبناني)، يلقي سؤال كبير بكلكله على أبناء المنطقة العربية، يتعلق بمآل أوضاع العرب في حال انتصرت ديموقراطية المكونات، نتيجة لتلاقيات محلية دولية، على ديموقراطية المواطنين؟...