النهار/رندة حيدر

قبل ثلاثة أشهر على الانتخابات المقبلة للكنيست الاسرائيلية يمكن القول ان حزب العمل الاسرائيلي في وضع لا يحسد عليه في مواجهته المصيرية مع حزب ارييل شارون الجديد "كاديما". فكل استطلاعات الرأي تعكس بصورة واضحة تراجعاً كبيراً في تأييد الناخبين لحزب العمل مقابل الصعود المستمر في شعبية حزب شارون. فرغم كل المحن الصحية التي يمر بها هذا الزعيم السبعيني فإنه لا يزال في نظر غالبية الاسرائيليين الزعيم "القوي" الذي سيحمل الطمأنينة والسلام الى بلادهم.

والأمر اللافت للإنتباه ههنا، أنه رغم الطابع الشخصي التي تنحو نحوه أكثر فأكثر المعركة الإنتخابية، ورغم كل الكاريزما التي تميز شخصية زعيم حزب العمل عمير بيريتس الشاب الذي يضج صحة وحيوية، والممثل الصادق لطبقة اليهود الشرقيين في اسرائيل ممن يطلق عليهم "الجيل الثاني" الذين يشكلون نصف السكان، هذا السياسي الآتي من صفوف الحركات النقابية المطلبية والذي أعلن بعيد انتخابه رئيساً لحزب العمل أنه سيضع معالجة مشكلة الفقر في أول اهتماماته، وسيعيد انصاف الطبقات الوسطى والفقيرة، وسيحارب الفساد السياسي، وسيعمل على تحسين أداء الاقتصاد الاسرائيلي بالعودة الى نموذج الاقتصاد الاشتراكي الليبرالي، رغم هذا لا يبدو أن المقترعين الاسرائيليين يثقون به.

يأخذ بعض الاسرائيليين على زعيم حزب العمل الجديد مآخذ عدة يعتقدون أنها هي وراء هبوط أسهمه لدى الجمهور. ففي رأيهم رغم الخطاب الواضح والصريح والمباشر الذي ينتهجه بيريتس الا ان الناس لا تثق بأنه يملك الخبرة الأمنية والسياسية الكافية التي تخوله قيادة البلاد، بعكس أرييل شارون الذي أثبتت السنين الماضية أنه قادر على اتخاذ القرارات السياسية والامنية في وقت الشدة وتحمل المسؤوليات الجسام وما تطبيق خطة فك الارتباط سوى نموذج على ذلك.

فاذا كان صحيحاً ما يقوله الخبراء في اتجاهات الرأي من ان الأمن يحتل صدارة الاهتمامات بالنسبة للجمهور فان الرؤية السياسية التي يقترحها حزب العمل بزعامة بيريتس للحل وللتسوية السلمية مع الفلسطينيين قد تكون الأكثر جرأة وتقدماً بالنسبة لتاريخ الصراع الدائر بين الشعبين وسعيهما للوصول الى الحل لا سيما لدى مقارنتها بالبرنامج السياسي الذي أعلن عنه حزب شارون، كاديما.

ثمة مسألة اساسية تميز طروحات حزب العمل عن طروحات حزب شارون هي الموقف من المفاوضات مع الفلسطينيين ومن الحلول الأحادية الجانب. ففي الوقت الذي يلتزم بيريتس اجراء مفاوضات مع أي طرف في السلطة الفلسطينية (باستثناء حركة "حماس") يبقى موضوع التفاوض في حزب كاديما مربوطاً بشروط عدة يحملها شارون معه من ولايتيه السابقتين في رئاسة الحكومة. وفي الوقت الذي يرفض حزب العمل بوضوح فكرة التسوية الموقتة او الدولة الفلسطينية الموقتة ويضع جدولاً زمنياً لمفاوضات الحل الدائم، يدعم حزب شارون نشوء دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، ولا يتعهد عدم اللجوء الى الحلول الأحادية ومن طرف واحد .

وفي الوقت الذي ينوي حزب العمل التقدم بصيغة لتسوية موضوع الكتل الاستيطانية اليهودية الكبرى في الضفة الغربية بتطبيق نموذج هونغ -كونغ أي بالطلب من الفلسطينيين استئجار هذه المواقع لمدة زمنية طويلة مقابل تعويضات مالية أو تبادل اراض، يطرح حزب كاديما ضم الكتل الاستيطانية الى اسرائيل مقابل ترسيم للحدود الدائمة لدولة اسرائيل، هذا الى جانب كلامه عن احتفاظ اسرائيل بالسيطرة على المناطق التي تعتبرها ذات أهمية حيوية.

أما بالنسبة لموضوع القدس فهناك تمايز في موقف الحزبين المتنافسين .صحيح أن الحزبين يقولان بان القدس هي عاصمة أبدية لدولة اسرائيل ولا يقبلان بتقسيمها الا أن حزب العمل يضمّن هذا الموقف موقفاً مختلفاً من الأحياء والبلدات الفلسطينية المتاخمة للمدينة ويعلن عن استعداده لإعادة النظر في حدود بلدية القدس مما يعني قبوله بوضع الأحياء العربية للقدس تحت سيطرة الدولة الفلسطينية.

الأشهر المتبقية للإنتخابات من شأنها ان توضح أكثر فأكثر اتجاهات الاقتراع داخل اسرائيل. ولكن اذا ما استمرت المؤشرات الحالية للإقتراع فعلينا ان نعد العدة لإستقبال أرييل شارون رئيساً للحكومة الاسرائيلية المقبلة.