ما يمكن فهمه أن المجتمع السوري يشعر بالقلق .. وما نستطيع استيعابه وتبريره ان المواطنين السوريون شهدوا خلال الفترة الماضية متغيرات كثيرة تدفعهم للقلق، لكن الصعب على العقل اليوم هو النتائج التي تم التوصل إليها، أو ربما حالة الارتباط ما بين "الأمل" و "الحدث".

خلال السنوات الخمس الماضية امتلأ القاموس السياسي السوري بتفسيرات المفهوم "المدني"، وتكدست المقالات حول "المجتمع المدني" و "حقوق الإنسان" .. وعبر الحدث ظهر واضحا أن هذه المفاهيم تنحشر داخل الحياة الثقافية بشكل قسري .. ليس لأنها مفاهيم ليست ضرورية، بل لانحصارها داخل "الموضوع السياسي".

الشعور المدني مازال يقف عند حدود الثقافة الاجتماعية، ويرتبط بشكل وثيق بطبيعة العلاقة بين "المثقف" بمفهوم عقد الخمسينيات مع السلطة. ومازال "المجتمع المدني" متلازما مع طبيعة "الحقوق السياسية" ومرافقا لخطاب الأحزاب والتيارات. وإذا كان هذا الموضوع لا يعيب المفهوم نفسه، لكنه يفضح طبيعة الثقافة الاجتماعية التي لم تستطع حتى اللحظة التناغم مع الطرح السياسي .. إنه امر أشبه بما حدث في الخمسينات عندما طرحت الإيديولوجيات بمختلف توجهاتها.

لا أعرف لماذا أشعر بالأسى عند سماع "المجتمع المدني" في اللحظة التي أشاهد فيها قدرة المجتمع على تجاهل حالة الحياة المدنية .. ولا أستطيع ان أقدر حجم المأساة في الحياة المدنية التي تخلفها القمامة الصباحية المعبرة عن الاستهتار بمفهوم "المدنية".

المعادلة التي اعجز اليوم عن فكها لا ترتبط بقدرة الدولة على التعامل مع مفهوم المجتمع المدني، بل بقدرة المجتمع نفسه على التأقلم مع هذا المفهوم واعبتار الحياة المدنية هي احترام للآخر بمعناه العريض وليس فقط احترام رأية.

الصيغة التي تعبر عن مأزق هذا المفهوم هي في قدرتنا على النظر إلى الحدث المأزوم ثم لا نستطيع طرح آلية تساعدنا على الإبداع للخروج من الأزمة .. صيغة تجعل الأحزاب تتعامل مع ماضيها وكأنه حالة منسية، وتدفع بتنظيمات تنشط خارجا لطرح بدائل ..

الأزمة الحقيقية أن تصوراتنا المسبقة ماتزال تلازم طروحاتنا حتى اللحظة .. رغم تبدل المعطيات .. فإذا كان البعض يرى في طروحات أحزاب تعمل اليوم في الخارج ولها تاريخ عنيف في سورية بشكل مباشرا .. فإنه من الضروري ومن اجل الحياة المدنية التعامل مع ما يمكن أن يحدث في الداخل بشكل يساعد على الإبداع للخروج من الأزمة ..