جوزف سماحة/السفير

بين التصريحات العربية والدولية التي تناولت الأزمة اللبنانية السورية نتوقف عند الكلام الصادر اثر لقاء الرئيس حسني مبارك والملك عبد الله أول من أمس، وعند كلام جاك شيراك أمس.

قال الناطق المصري بعد قمة جدة ان المسؤولين العربيين طالبا ب<<جلاء الحقيقة>> (الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري) كما ب<<التعامل مع هذا الهدف على نحو يضمن استمرار العلاقات اللبنانية السورية في مسارها الصحيح>>. الى ذلك اتفق الاثنان على ضرورة <<الحفاظ على سلام الشعب اللبناني ووئامه ووفاقه وتجنيب سوريا، من خلال تعاونها مع لجنة التحقيق الدولية، كل شر ومكروه واي ضغوط خارجية>>.

أما الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وفي معرض تعليقه على الوضع، فقال: <<كل ما يزعزع استقرار لبنان سينقلب في نهاية المطاف ضد سوريا>>. ثم اضاف: <<ان الوضع خطير يجب الانتباه كثيراً>>.

تستدعي هذه العبارات عدداً من التعليقات:

اولاً ينسب الناطق المصري الى الحاكمين العربيين تعريفهما للخطر الذي يهدد لبنان بأنه ذلك الذي يتناول <<الوئام والوفاق>>. انه خطر داخلي أساساً وان كانا يشيران الى ذلك المتمثل بتهديد <<السلام>>.

ثانياً ينسب الناطق اياه إليهما ان الخطر المحدق بسوريا والذي قد يعرضها ل<<شر ومكروه>> هو <<الضغوط الخارجية>>.

ثالثاً عندما يذكر شيراك <<ان كل ما يزعزع استقرار لبنان سينقلب في نهاية المطاف ضد سوريا>>، يترك لنا ان نتخيل معنى هذا <<الانقلاب ضد سوريا>> اذا عاد وارتد على لبنان <<المزعزع>>. يستنتج من ذلك <<ان الوضع خطير>> ويدعو الجميع <<الى الانتباه كثيراً>>.

من نافل القول ان كلاً من مبارك وعبد الله وشيراك يدعو سوريا الى التعاون مع لجنة التحقيق الدولية (يصر جون بولتون على استخدام تعابير من نوع <<الاذعان>>، <<الامتثال>>، <<الخضوع>>). إلا ان هذه الدعوة لا تلغي اطلاقا ان علينا، في لبنان، ان نضع الاحتمالات كلها قيد الدرس طالما اننا لا نعرف تماماً طبيعة القرار السوري.

وضع كاتب روسي مسرحية في اثناء <<البيريسترويكا>>. المسرحية من فصلين وتدور أحداثها غداة انتصار الثورة البلشفية.

نحن امام اجتماع للمكتب السياسي للحزب. يطور لينين اطروحة تقول ان الثورة التي انتصرت تواجه حرباً داخلية وتدخلا خارجياً. ويدعو الى خيارات صعبة جدا والى تنازلات مؤلمة. يرد تروتسكي بأن المخرج من المأزق هو في <<الثورة الدائمة>>، وبأن الواجب يقضي بتشجيع الثورة في المانيا لأن هذا هو البديهي ولأن فيه حماية لما حصل في روسيا. يجيب لينين بأنه كان سيؤيد اقتراح تروتسكي لو ان الثورة الالمانية واردة في المدى المنظور، ولكن في ظل تفاوت النمو بين قوى التغيير في البلدين فإن الاندفاع نحو الامام مغامرة غير محسوبة النتائج وقد تنتهي بهزيمة الثورة في موطنها الاول. يتدخل ستالين في النقاش ليقول البلاهات الجديرة به. ينتهي الفصل الاول بما يوحي ان اي تصويت سيكون لصالح تروتسكي.

نفهم، في الفصل الثاني، ان حواراً جانبياً دار بين لينين وتروتسكي، وانهما توافقا في الرأي وسخرا معا من فظاظة ستالين. وتنتهي المسرحية بتصويت يؤيد إقدام الثورة الشيوعية الاولى على عقد صلح بريست بيتوفسك مع الرجعية الالمانية (النص المسرحي قريب من الوقائع التاريخية).

لا تنطبق الحالة الروسية الالمانية على الحالة اللبنانية السورية. ولا علاقة ل<<ثورة الأرز>> بالثورة البلشفية. وبين <<الثوار>> اللبنانيين هناك، لناحية الضحالة الفكرية، من هو اقرب الى ستالين. حتى ان احد مفكري <<اليسار السيادي>> يعتبر ان الواجب <<محاكمة لينين>>. ولكن المواطن اللبناني العادي من حقه ان يسأل عدداً من قادة الاغلبية الظافرة عن الخطة التي يملكونها لردم هوة تفاوت النمو بين لبنان وسوريا لناحية الجاهزية في لبنان والشكوك حول الجاهزية في سوريا.

أن اي مراقب موضوعي للمشهد السياسي في لبنان وسوريا يلاحظ انه امام ازمة مرشحة للتصاعد بحكم قانون تفاوت النمو بين البلدين حيث امكن لاكثرية نيابية ان تنشأ في لبنان وتحدث تغييراً في حين بقي الوضع السوري على ما هو عليه.

إن تدخل عبد الحليم خدام في المشهد السوري غامض النتائج. ولكن لا مجازفة في القول ان <<السيد النائب>> يمكنه ردم الهوة الاعلامية بين لبنان وسوريا، لا الهوة السياسية. بمعنى انه يوفر ذخيرة لخصوم النظام السوري اللبنانيين وغير اللبنانيين من غير ان يعني ذلك توفير القدرة على تعديل موازين القوى داخل سوريا نفسها، في المدى المنظور وبقدر ما تسمح الوقائع المعروفة بالاستنتاج.

لا يبدو ان هناك، في لبنان، من فكر جدياً بالمعضلة المشار إليها. ويعني ذلك ان هناك من ارتضى (وشجع على) الدخول في اشتباك مع النظام السوري، وهو اشتباك تختلط فيه المواقع بين الطرف المهاجم والطرف المدافع، من غير ان يمتلك استراتيجية جديرة بهذا الاسم. نستمع في لبنان الى الكثير من خطابات التعبئة، ونلحظ نضالية معادية <<للنظام الأمني>> لم تكن متوفرة ضد اسرائيل، ولكن هذا شيء وامتلاك وعي مطابق شيء آخر. إن احداً في لبنان لا يقول لنا بالفعل ما هي المشكلة، وما هو المطلوب، وما هي موازين القوى، وما هي الكلفة، وما هي القوى المساندة والقوى المعترضة، وما هي حقيقة الوضع السوري الداخلي، وما هي آثار تحولات معينة في سوريا على لبنان... ان احداً لا يرتقي الى هذا الحد الادنى المطلوب، ومع ذلك فإن مطالبه تكاد تعانق الحد الاقصى.

ان هذا الواقع، بالضبط، هو ما يسمح بالاستنتاج ان هناك في لبنان من يعتبر ان ردم الهوة المشار إليها لن يحصل إلا بفعل التدخلات الخارجية. ويكون المأمول، في هذه الحالة، ان تحضر قوى من اجل ان تصوغ الوضع السوري بشكل يجعله مناسبا للوضع اللبناني الناشئ، ومدخلاً الى إدخال مزيد من التعديلات على البنية اللبنانية يكون عنوانها العريض فرض الحصار على من يُطلق عليهم <<اصدقاء سوريا>>.

ان المواقف المنسوبة الى مبارك وعبد الله وشيراك، ومن دون اعجاب كبير بها، تضيء على الخفة التي يتعاطى بها لبنانيون مع موضوع خطير من هذا النوع يمكن له ان يكون شديد التأثير في المصير الوطني.

ان اقل ما يمكن ان نطالب به هو ان يتولى واحد، واحد فقط، من فريق الاغلبية، عناء مصارحة المواطنين بالأهداف التي يدعوهم الى تحقيقها، في لبنان وسوريا، وبالوسائل المقترحة، وبالامكانيات الواقعية للانجاز.

لنفترض ان هناك في لبنان من يدعو الى صلح جائر من نوع بريست ليتوفسك مع سوريا لأن <<الوفاق>> في خطر، ولأن سوريا تواجه <<ضغوطا خارجية>>، ولأن الوضع خطير ويجب الانتباه كثيراً... لنفترض ذلك، فما هو الرد؟