سركيس نعوم/النهار

بعد انتفاضة 14 آذار التي اسقطت حكومة الرئيس عمر كرامي وانسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان الماضي، وبعد الانتخابات النيابية التي قلبت الموازين في الربيع الماضي بايصالها غالبية نيابية معارضة لعهد الرئيس اميل لحود ورعاته السوريين، واعتقال القادة الامنيين الاربعة الكبار لاشتباه لجنة التحقيق الدولية في دور ما لهم في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعد كل ذلك توقع لبنانيون كثيرون وخصوصا الجهات المعارضة للعهد ورعاته ان يسقط سيد هذا العهد لحود بفعل التطورات المذكورة واخرى كثيرة غيرها او بقرار شخصي منه نتيجة اقتناعه بتعذر استمراره في ممارسة رئاسته وبضرورة الافساح في المجال امام رئيس آخر يحول دون وقوع البلاد في الفوضى ويقودها نحو شاطىء الامان. لكن هذا التوقع الذي كان في مكانه لم يتحقق. ولم تعد استقالة الرئيس هي الموضوع الرئيسي مثلما كانت في السابق، بل صارت نتيجة لا يمكن الوصول اليها الا اذا سبقتها مقدمات اساسية بل مهمة اهمها حسم الصراع العلني الدائر في البلاد بين جناحي الحكم والسلطة او بالاحرى اجنحتهما والصراع الضمني على الاحجام النهائية في حكم البلاد الدائر بين "شعوبه" وقبائله وقبل حسم الحرب الدائرة على الساحة اللبنانية بين سوريا والمجتمع الدولي والتي يشارك فيها ايضا لبنانيون وغير لبنانيين. ولهذا السبب كان موضوع استقالة الرئيس اميل لحود يتصدر الواجهة حينا ثم ينكفئ عنها حينا آخر.

ما هي الاسباب التي جعلت متوقعي استقالة رئيس الجمهورية على كثرتهم يخطئون في توقعهم؟

الاسباب كثيرة. منها "عناد" الرئيس اميل لحود واعتباره ان الاستقالة او التنحي عن السلطة في ظل الظروف السياسية والشعبية المحلية والضغوط الدولية سيطيح صورته بل صورة عهده التي يعتقد انها ناصعة وسيظهر عجزه عن الوفاء بوعوده الكثيرة للبنانيين وقد يمكن أخصامه بل اعداءه من تحميله مسؤولية الحوادث الرهيبة التي شهدها لبنان منذ التمديد له خلافا للدستور والارادة الشعبية والنيابية والسياسية وفي مقدمها محاولة اغتيال النائب والوزير مروان حماده واغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهذا امر لا يستطيع ان يتحمله ولا ان يتحكم بمضاعفاته وخصوصا انه قد يلحقه الى القبر، بعد عمر طويل، كما يقال. ومنها ايضا عدم تمكن المعارضة في حينه والتي عبّرت عن نفسها بقوة مشهودة في 14 آذار 2005 رغم النجاحات الكثيرة التي حققت، من قلب الوضع في لبنان وتحديدا الرسمي في شكل كامل. وانعكس نجاحها على هذا الصعيد في دخول السلطة والامساك بمجلسي وزرائها ونوابها. لكن بقيت في مواجهتها الرئاسة والاجهزة الامنية وحلفاء سوريا في لبنان والمرتكزات في الادارة العامة على تنوعها لكل هؤلاء. ومنها ثالثا تصدع مجموعة 14آذار بانفصال "التيار الوطني الحر" بزعامة العماد ميشال عون عنها وبتشكيله لأسباب واضحة للبعض وغير واضحة للبعض الآخر نوعا من الرافعة لرئيس الجمهورية بعدما شارف وضعه الاهتراء وكذلك لعدد من حلفاء سوريا الكبار منهم والصغار الامر الذي اخرجهم من موقع الدفاع الذي وضعتهم فيه التطورات والاحداث المتلاحقة الى موقع الهجوم. وبدّل ذلك عنوان المعركة الفعلية في البلاد والذي كان اسقاط رئيس الدولة واستكمال عملية التغيير على كل صعيد والذي صار ارجاء هذا الموضوع والاهتمام بالوضع العام في البلاد وبالعيش المشترك فيها. ومنها رابعا امتناع البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير المقاوم الاول حتى الآن للوضع القديم الذي لا يزال بعضه قائما عن اعطاء الضوء الاخضر لاسقاط لحود او لدفعه الى الاستقالة. واسباب هذا الموقف كثيرة مثل الحرص على هيبة موقع الرئاسة الذي يشغله مسيحي ماروني ومثل الحرص على التفاهم المسيحي على البديل منه تلافياً لفراغ محتمل. ومثل عدم الرغبة في رؤية العماد عون رئيساً في بعبدا لاعتبارات متعددة وخصوصا بعدما صار مقبولا في شكل او في آخر من جهات سياسية مهمة ومن حلفاء سوريا. ومنها خامسا تمسك سوريا رغم خروجها من لبنان برئاسة لحود اقتناعاً منها بأنها تساعدها في المواجهة التي تخوض مع المجتمع الدولي في لبنان وعليه. ومنها سادساً عدم امتلاك المجتمع الدولي الوسيلة الناجحة لاسقاط لحود واقتناعه بأن ذلك ليس من مهماته رغم اقتناعه بضرورة قيام عهد جديد من رأس الهرم حتى "كعبه". ومنها سابعاً مرور مجموعة 14 آذار بعد انفصال "التيار الوطني الحر" عنها بمرحلة من الضعف والاختلاف في الرأي حول طريقة مواجهة لحود اذ اصر البعض على اسقاطه او المطالبة باسقاطه وتراجع البعض الآخر عن ذلك موقتاً ، وحول امور داخلية عدة. ومنها ثامنا استمرار مسلسل الاغتيالات الذي حوّل اهتمام اللبنانيين والرسميين والسياسيين الى الامن الشخصي فالامن العام.

هل زالت الاسباب المذكورة لاستمرار لحود؟ وهل تعني عودة مجموعة 14 آذار الى المطالبة باستقالة لحود زوال هذه الاسباب؟

يرجح كثيرون ان يكون الحديث الذي ادلى به النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام لـ"العربية" الاسبوع الماضي احد اسباب العودة الى المطالبة وبالحاح باستقالة رئيس الجمهورية وخصوصاً بعد الذي تضمنه لجهة مسؤولية لحود عن التحريض اليومي على الرئيس الشهيد رفيق الحريري في سوريا منذ بدء ولايته وخصوصا في الفترة التي سبقت التمديد والاشهر التي اعقبته. اما في موضوع بقاء الاسباب التي ادت الى الفشل في اسقاط لحود او زوالها فان الامور لا تزال قليلة الوضوح. لكن يمكن الاشارة في هذا المجال الى ان بعضها قد يكون تغير. فموقف البطريرك الماروني كما اوضحه في خطبة الميلاد وامام الرئيس لحود لا يفسر على التباسه الظاهري الا انه اقتراب من المطالبين بالتنحي او بالاستقالة. و"الجبهة السياسية" غير الرسمية او بالاحرى غير المتكونة رسميا بعد والمؤلفة من ثنائي "حزب الله" وحركة "امل" و"التيار الوطني الحر" وحلفاء آخرين لسوريا نالت منها تطورات اخيرة ابرزها اطلاق الكاتيوشا على اسرائيل. اذ ادت الى تمسك "التيار" بمواقفه الاساسية التي يرفضها "حزب الله" واخرت الى حين اجتماع زعيمي الطرفين. وتحالف 14 آذار من دون "الجنرال" عون بدأ يفعل تحركه ومواقفه. لكن كل ذلك على اهميته لن يؤدي الى تحقيق الهدف المنشود اي استقالة الرئيس.

وهذه الاستقالة تحصل في ظروف عدة، منها نجاح تيار "المستقبل" وثنائي "حزب الله" وحركة "امل" و"اللقاء الديموقراطي" ومسيحيي "القرنة" في التوصل الى تفاهم نهائي حول القضايا المختلف عليها من كبيرة وصغيرة. ولا بد ان يواكب ذلك تفاهم على الموضوع الرئاسي. ومنها ايضاً توصل المجتمع الدولي برعاية اميركا وسوريا الى تفاهم لا يكون على حساب لبنان ويشمل معظم القضايا بينهما، ولا بد ان يواكب ذلك تفاهم على اراحة لبنان وتركه لشؤونه وحده ومنها رئاسة الدولة. ومنها ثالثا شك سوريا في احراز نصر على المجتمع الدولي و"حلفائه" اللبنانيين. ولا بد ان ينعكس ذلك على رئاسة الدولة. ومنها ايضا نجاح الدول العربية وفي مقدمها مصر والسعودية في الاتفاق على القيام بمبادرة حيال المشكلة اللبنانية – السورية بمباركة دولية وتاليا نجاح مبادرتها هذه. ولا بد ان ينعكس هذا النجاح على رئاسة الدولة. ومنها خامسا تطور التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس الحريري وتوصله الى مسؤولية ما معنويا او ماديا لرئيس الدولة عن هذا الاغتيال، والى ان يحصل ذلك او بعض منه ستستمر المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية على تصاعد كما ستستمر الحماوة في البلاد.