جهاد الزين (النهار)

كيف يمكن اقناع رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة – بصفته ممثلا لـ "الجناح الدولتي" داخل فريقه السياسي كما داخل كل الحكومة – ان ملف استمرار الاعتداءات على العمال السوريين في لبنان هو"قضية دولة" من الدرجة الاولى يمكن لتعاطٍٍ جريء ومسؤول معها ان يساهم في تأسيس حد ادنى جدي لدولة محترمة وفاعلة في الداخل والخارج تجعلنا نصدق نحن اللبنانيين او بعضنا اننا لسنا تحت السيطرة الفعلية للعصبيات الطائفية بـ "نخبها" المستفيدة و"شارعييها" وبحيث نكون قد انتقلنا من شكل مركزي غير لبناني للقمع والفساد الى شكل "غير مركزي" للحقد والفلتان؟ بالنتيجة إلى "لا دولة".

... الحدث الذي يفتح الملف مجددا هو جريمة قتل العامل السوري (في احدى محطات توزيع المحروقات على "طريق الشام" بين عاليه وبحمدون) شمس الدين محمود (45 عاماً) والد ست فتيات وشابين والتي اكتشفت يوم الجمعة المنصرم.

قيل في التقرير الرسمي ان الجريمة تخللها سلب مالي. لكن هذا لا يعني انها جريمة سلب! ففي لبنان تتيح الخبرات المكتسبة من الاجتماع السياسي الاستنتاج انه حتى نسبة اقتراف الجرائم العادية ترتبط ولو بصورة غير مباشرة بنظرة هذا الجو الطائفي او ذاك الى "قوّته السياسية". ولتوضيح ما امكن هذه الملاحظة ينبغي التذكير بـأن نسبة عدد الفلسطينيين بين مقترفي الجرائم العادية كانت كبيرة في "العهد" الفلسطيني في لبنان بين 1970– 1982وخصوصا 1975–1982 او عدد السوريين بعد 1984 وخصوصا بعد 1990 او عدد الموارنة قبل 1975 وفي ما كان يسمى "المنطقة الشرقية" بعد 1975 او عدد الشيعة والدروز بعد 1984 فكيف اذن حين يجعل توتيرٌٌ طائفيٌ في اتجاه محدد الجريمة العادية "أيسر" في هذا الاتجاه.

كثيرون في لبنان لا زالوا يتذكرون جريمة "صندوق تعويضات المعلمين" في منطقة "الأونيسكو" في بيروت. ألم تكن تلك الجريمة الفظيعة –باختصار – حصيلة التورط التدريجي للقاتل عبر محاولته "تقليد" اساليب نفوذ سياسي سائدة يومها في محيطه فانتهت بعد اصطدامه بواقع عجزه الى ارتكاب مجزرة طائفية من حيث اكثرية ضحاياها؟

اسرد كل ذلك للتبيان في العديد من حالات الفلتان الامني على مسؤولية الاجواء السياسية التحريضية عن الجرائم غير السياسية فكيف – للتكرار – اذا كانت بعض الجرائم "سياسية"؟

كيف نقنع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ان ايعازه لوزير الداخلية بعقد اجتماع خاص للقوى الامنية والمراجع القضائية المعنية يخصص لدرس حالات الاعتداء المتواصلة على العمال السوريين، قتلا او تنكيلا، ودرس سبل معالجتها هو "قرار دولة" من ذلك النوع من القرارات الشكلية او العملية التي حرص فؤاد السنيورة على اتخاذها كرئيس للحكومة ولو ضد "المزاج" السائد كزيارة دمشق والاتصالات لاجل حل مشكلة شاحنات الترانزيت على الحدود مع سوريا أو حضور حفل الاستقبال مع الرئيس اميل لحود في عيد الاستقلال على اختلاف اهمية كل منها الا انها جميعا منحته في نظرالكثير من اللبنانيين صفة "رجل الدولة"، الصفة التي تستحق الحفاظ عليها ولكنها في حياة سياسية لبلد كلبنان مهمة نضالية دائمة بسبب التقاليد والآليات "اللا دولتية" الغالبة فيه... وداخل الدولة نفسها: أكاد اقول يا دولة الرئيس انها اذا نجحت في وقف هذه الاعتداءات فهي اهم القرارات، لان مسلسل الاجرام الذي تتعرض له الحياة العامة اللبنانية لا يرد عليه بسلوكيات بربرية – بربرية فعلا – كالتي يتعرض لها العمال السوريون وسط شبه صمت مطبق لا يقطعه من حين الى آخر سوى بعض رفع العتب هنا وبعض الخبث هناك.

هذه الاعتداءات وما سبقها علنا وبدون اعلان في مناطق عديدة تعبِّر عن "عقلية حرب اهلية" في الصراع الدائر و"نحن" لا نريد ولسنا معنيين ان نخوض الحرب الاهلية لأي كان وانما نريد "الدولة" منطقا وسلوكا ان تحمينا. لا بل اذا كان القرار 1559 هو فرصة استثنائية منحتنا اياها اساسا التقاطعات الدولية، وبسببها علينا ان نواصل شكر الولايات المتحدة وفرنسا، فهذه الفرصة بالضبط هي محاولة بناء دولة حديثة وديموقراطية ومتماسكة وليس الانخراط في حرب اهلية عربية جديدة!

كيف نقنع الرئيس السنيورة انه لا يمكن الاستسلام الى المعادلة الواقعية التي تجعل "المعتدلين" هم دائما الاضعف داخل كل "معسكر" طائفي سواء العتيق منها او المخضرم او المستجد لا سيما حيال الذين لا زالوا يستشعرون مكاسب السعار الطائفي؟

يقتل مسلسل الاجرام الخارجي بعض خيرة نخبنا فلماذا لا نزال "نسمح" برد بربري داخلي خارج "منطق الدولة" ؟

ننتظر تحرك رجل الدولة.

ويمكن ايضا دعم المعالجة الرسمية المطلوبة بلقاء موسع لهيئات وشخصيات لبنانية وبصورة خاصة من "قوى 14 اذار" يعقد في بيروت في ساحة الحرية يرفع الصوت ضد الاعتداءات على العمال السوريين ويقدم اقتراحات" اهلية" لمعالجتها.

يليق بلبنان ان يكون فعلا، عملا وقولا كذلك.