جورج علم/السفير

جاء ليحرّك <<وكر الدبابير>>؟. لا، لا حاجة له لتحمل وزر هذه المهمة، فالبلد فيه ما يكفي من الانفعال. لكن بالمقابل، ليست زيارة وزير الخارجية البريطاني جاك سترو، استطلاعية، ولا هي بروتوكولية، بالتأكيد، انها الاشارة الخضراء للعبور بالبلد نحو أفق مختلف؟!.

كان السؤال: لماذا يزور لبنان؟. ثم تغير السؤال ليصبح، بعيد وصوله: ماذا يحمل الى لبنان؟، حيث الجبهات السياسية المتقابلة، مستعرة، ومعها الجبهات الدبلوماسية أيضا، من حديث عن مبادرة مصرية، الى مصرية سعودية، ثم الى مصريّة سعودية فرنسيّة، وهناك من يذهب الى الابعد ليقول، ان سترو قد جاء الى بيروت منسقا زيارته بشكل دقيق مع كل من الولايات المتحدة وفرنسا، وهذا ما يضيف الى مهمته وظيفة جديدة، هي التنسيق بين المبادرات، لا بل بين الطروحات العربية، والغربية، لاستخلاص قواسم مشتركة، يصار الى تسويقها عن طريق الحوار الداخلي، إذا ما قدر له الانفلات، والتحرر من شرنقة الضغوط الخارجية التي تمارس عليه.

يذهب الحديث الى الابعد، في بعض الكواليس. الى تحديد الاسس، والمبادئ التي يفترض ان تقوم عليها اي مبادرة قادرة على مواجهة التحديات، وإزالة المتاريس السياسية التي افتعلتها الخلافات حول موقع لبنان على الخريطة الاقليمية الدولية، بعد الانسحاب العسكري السوري، وحول <<التدويل>>، او طريقة التعاطي مع القرارات الدوليّة، وحول واقع ومستقبل العلاقات اللبنانية السورية، وحول المقاومة وسلاحها، وحول الصيغة السياسية التي يفترض ان يستقر عليها الوضع اللبناني، هل هي الطائف؟، أم الطائف معدلا؟، أم طائف آخر؟.

جاء سترو ليحرّك كل هذه الملفات دفعة واحدة، وإن بنسب متفاوتة. وأولى الإشارات التي توقف عندها بعض الدبلوماسيين، كانت واضحة برمزيتها، أي التصميم على عدم إدراج زيارة قصر بعبدا في برنامجه الرسمي، والاصرار على مقاطعة رئيس الجمهورية الممدد له، خلافا للشرعية الدولية التي طالبت <<باحترام الدستور، وإجراء الانتخابات>>، وفق ما جاء في القرار 1559، وكان الرد بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على صدور هذا القرار، بفرض التمديد؟!. جاء جاك سترو ليحضّ على إكمال مسيرة التغيير التي بدأت مع الانتخابات النيابية، كي تستكمل حلقاتها، وتبلغ مرتجاها؟!.

جاء ليعاين المشهد الامني السياسي، بعد خروج القوات السورية من لبنان، ليدقق أكثر بهوية الضغوط الخارجية، التي تجتاح الساحة الداخلية، وتحاول جديّا أن تختزل لبنان الوطن، لتحويله مجددا، مجرد ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات، او لتسديد الفواتير الاقليمية المستحقة للغرب الاوروبي الأميركي؟!...

ليس سترو المنقذ، أو المخلّص، ولم يفهم دوره، بأنه كذلك، لأنه كما يفيد البعض جاء ينظر الى المشهد اللبناني من منظار مصالحه في إيران، والصعوبات التي تعترض المفاوض الاوروبي في الملف النووي الايراني، وأيضا من منظار مصالحه في العراق الغارق ببرك الدم، وفي فلسطين حيث في كل يوم خارطة طريق على حساب خارطة الطريق الام؟!، وأيضا من منظار مصالحه في سوريا، ومع سوريا، ولو انطلاقا من المشهد <<الهجومي الفج>> الذي جمعه مع الوزير فاروق الشرع، في مجلس الامن الدولي، عشية صدور القرار 1636، الذي طالب سوريا بالامتثال له.. وإلا اللجوء الى العقوبات ؟!.

لم يأت سترو ليحرّك <<وكر الدبابير>> في الداخل، لكن <<الثوابت>> التي جاء يذكّر بها، ويؤكد عليها، تبقى هي أصل الداء والبلاء، والدليل ان الشرخ يكبر ويتعمق بين اللبنانيين، حول كيفية التعاطي مع القرارات الدولية، وكيفية التعاطي مع سلاح المقاومة، ومع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وداخلها، خصوصا ان لبريطانيا <<الدور المشهود تاريخيا>> في نكبة فلسطين، وحول العلاقات اللبنانية السورية، وترسيم الحدود، ومزارع شبعا، وإقامة العلاقات الدبلوماسية، وإعادة النظر في الكثير من الاتفاقيات المبرمة، وغير المتوازنة...

يأتي سترو، منسقا زيارته مع كل من الولايات المتحدة الاميركية، وفرنسا، ليعاين الوضع عن كثب، وهو الذي يعرفه جيدا. ويبقى السؤال: هل جاء ليدعم مسيرة إعادة بناء الوطن، أم ليكرس لبنان الوطن الى ساحة لتسديد الفواتير الاقليمية الدوليّة، في الظرف الصعب، والتوقيت الحرج، حيث بعض اللبنانيين يغرّب، فيما بعضهم الآخر يشرّق تحت وابل من الشعارات المستعارة، او المستوردة؟!.