روزانا بومنصف/النهار

تثير المبادرة المصرية - السعودية لتدارك انعكاسات الوضع الناشىء في سوريا وتاليا في لبنان اثر الحديث الذى ادلى به النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام تساؤلات حول المعادلة التي يمكن ارساءها للجمع بين مجموعة امور غير متناسقة. فالكلام الصادر عن القمة السعودية - المصرية في جدة اشار مجددا الى ضرورة حماية سوريا وخصوصا رأس نظامها الذي طالب رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري القاضي ديتليف ميليس بالاستماع اليه والى مسؤولين سوريين كبار آخرين. في حين ان حماية رأس النظام كانت من أولويات المبادرة المصرية - السعودية التي نشطت بعد صدور القرار 1636 من اجل تجنيب سوريا ازمة تخوفت منها دول المنطقة وترددت معلومات ان مصر والسعودية عملتا للتخفيف من الضغوط على النظام السوري تفادياً لتداعيات اطاحته على دول المنطقة. وقد تراجع على اثرها الكلام على عدم اعتراض اميركي او لامبالاة حيال حصول تغيير في النظام السوري لمصلحة تعويم نظرية تغيير السلوك السوري. السؤال يبدو اكثر الحاحا في مرحلة ما بعد تصريحات خدام الذي حمل الرئيس السوري مباشرة مسؤولية قرارات ومواقف اتخذت في شأن الحريري وتهديدات وجهت اليه مما يجعل الوضع اكثر تعقيدا على الصعيد السياسي ومنع التحقيق من الوصول الى الاشخاص الذين يود الاستماع اليهم. اذ كيف يمكن الجمع الآن بين أمرين متناقضين؟ ذلك ان سوريا اذا كانت نجحت في المرحلة السابقة في تهميش التحقيق والشهادات التي قدمت فيه، فان الوضع بات مختلفا بعد كلام خدام وسيكون صعباً التوفيق بين حماية النظام والقيمين عليه وتلبية مطالب المجتمع الدولي بالوصول الى الحقيقة في اغتيال الرئيس السابق للحكومة.

في مقابل هذه المعادلة اي الجمع بين الوصول الى الحقيقة وحماية النظام السوري والمحافظة على استقرار دول المنطقة من اي انعكسات سلبية من تداعيات الضغوط على سوريا تبرز عناصر اخرى لا تقل الحاحا او اهمية هي طريقة حماية الامن والاستقرار في لبنان ففي حين اظهرت التطورات بعد الوساطة السعودية المصرية الاخيرة بعد صدور القرار 1636 ان بعض هذه العناصر تأمن، وبينها تعاون سوريا مع التحقيق بما يحفظ لها ماء الوجه بموافقتها على ارسال بضعة ضباط الى فيينا وهدوء الجو الدولي نسبيا حيال القيادة السورية، فان عناصر اخرى لا تقل اهمية لم تتأمن كحماية الامن في لبنان الذي تعرض لزلزال جديد باغتيال جبران تويني وضمان مسار التحقيق وفق ما تريد لجنة التحقيق الدولية اذ نجحت الوساطات السورية مع بعض الدول في تجنيب دمشق ما كان يعتبر الاسوأ قبل شهرين. فهل تعيد الوساطة المصرية - السعودية انتاج المعادلة نفسها لكن في مقابل اثمان اكبر لمصلحة التحقيق وأمن لبنان، أم ان التطورات الاخيرة فرضت تغييرات جذرية على هذه المعادلة؟

هذا السؤال يشغل الاوساط السياسية اللبنانية على قاعدة ان حديث خدام يمكن استثماره في اتجاهين اساسيين:

الاول الدفع القوي الذي يمكن ان يستمده التحقيق الدولي في ضوء التفاصيل الهائلة التي قدمها النائب السابق للرئيس السوري.

والاتجاه الثاني الحصول من القيادة السورية التي يشكك المجتمع الدولي في وقوفها وراء الحوادث الامنية على ضمانات بانها لن تسعى الى زعزعة الاستقرار اللبناني. فالمجتمع الدولي باسره في موقع قوي لفرض ما يراه مناسبا وضروريا للحصول على الضمانات اللازمة للبنان على صعد امنية وسياسية وديبلوماسية في مقابل عدم استثمار الاهتزاز القوي في موقع القيادة السورية وحاجتها الماسة اكثر من اي وقت مضى الى حماية عربية خصوصا تقيها غضب المجتمع الدولي بعد كلام خدام. لكن لا يعتقد كثيرون في المقابل ان الدول التي ازعجتها دوما ولا تزال تزعجها اللامبالاة السورية ازاء كل التحذيرات التي وجهت اليها بعدم اللعب بالوضع اللبناني لن تعمد الى التعبير عن غضبها بالاوراق التي توافرت لها عبر كلام خدام لوقت غير قصير هذا في حال توافر رد ايجابي او تجاوب من سوريا مع لجنة التحقيق. اما في حال العكس، فان الامر سيكون مختلفا.