سمير عطا الله/الشرق الأوسط

نقل كلام عبد الحليم خدام الخلاف السوري ـ اللبناني من مستوى الازمة الى مستوى المأزق. ورفع مستوى الشهود في قضية اغتيال الرئيس الحريري من القيادات العسكرية، الى الرئاسة التي كان له المنصب الثاني فيها لأعوام طويلة استمرت مع الدكتور بشار الاسد. وقد تلقفت لجنة التحقيق الدولية الفقرات المتعلقة باغتيال الحريري، لكن سورية نفسها رأت في مقابلة استمرت 3.20 ساعات انها كانت مطالعة في امر النظام والحزب والاقتصاد، وكأن الرجل يطرح برنامجاً رئاسياً. ولذلك لم يكتف البرلمان بتوجيه تهمة الخيانة الى ابرز وجوه السياسة السورية خلال ربع قرن، بل عمد الحزب الى «طرده» ايضا، هو الذي كان من غلاة العقائديين ومنظري «البعث». لقد ارتد عبد الحليم خدام على حملة تعبئة غير مسبوقة تقوم في سورية منذ صدور قرار لجنة التحقيق الاول. وبالإضافة الى التظاهرات في دمشق وحلب تم جمع نحو اربعة ملايين توقيع تستنكر «حملة الضغط» على البلد. وفيما ارتاحت دمشق لتقرير ميليس الثاني وأعربت عن فرحها باستقالته، تقدم «السيد النائب» بغتة بشهادة غير مطلوبة وغير متوقعة وغير متخيلة ايضا. ولم يكتف بالإدلاء بشهادته بل نادى ايضا على اللواء غازي كنعان، المنتحر في ظروف غير واضحة، ومن دون اسباب معلنة.

مؤدى التطور الجديد ان فريقاً اضافياً قد دخل المواجهة القائمة مع دمشق، بالإضافة الى الفريق الدولي والفريق اللبناني، هو فريق سوري، بصرف النظر عن مدى تأثيره او نفوذه. والفريق الاخير فاجأ الوسطاء بقدر ما فاجأ المعنيين مباشرة. وبالتالي فإن الوسطاء يبحثون الآن عن مخرج لا عن تسوية. والمخرج ليس في الرياض ولا في القاهرة ولا في باريس، بل هو منذ اللحظة الاولى في سورية.

وربما من الافضل للجميع ان تعيد سورية النظر في قرار السياسة الهجومية التي مارستها في كل الاتجاهات، متهمة اهل الضحية، من سعد الحريري الى فؤاد السنيورة، ومنددة بالمحقق الالماني بشتى التعابير، وناعتة وليد جنبلاط بأقسى ما يمكن ان يلصق بسياسي. ولم يكن الاعلام اللبناني مقصراً بالطبع. ولا وليد جنبلاط الذي فقد اعصابه نهائياً عندما رأى جبران تويني مفتتاً، «لم يبق منه جبين نطبع عليه قبلة الوداع» كما كتب والده غسان تويني.

لقد ذهب الفريقان الى اقصى حدود الغضب. وقالت صحف سورية ان رئيس الوزراء السيد العطري رفض 3 مرات الرد على مكالمة فؤاد السنيورة، الذي عاد الرئيس الاسد فوصفه بأنه «عبد مأمور لعبد مأمور». ولم يرد الرئيس السنيورة بالتأكيد. لكن المناخ الذي قام بين البلدين، على اعين العالم العربي كله، كان مؤسفاً ولا سابقة له في الذاكرة. وعبد الحليم خدام الذي كان يردد كل يوم ان «سورية ولبنان شعب واحد في بلدين» تحول الى مدافع عن الفريق الاضعف في الشعب الواحد. والسبب طبعاً انه بعدما فقد رفيق الحريري افقد كل علاقة بالنظام. وتحول الى متهم في المجالس في صورة شبه علنية. وكان يقال في الدوائر انه والحريري ورئيس الاركان السابق حكمت الشهابي يشكلون خطراً على النظام. وغذّت اوساط في لبنان الحقد بخفة او بخبث. وفي النهاية وقف الجميع امام الجدار.