هيئة الإذاعة البريطانية

عندما توجه آرييل شارون، أحد صقور السياسة الإسرائيلية إلى الحرم القدسي الشريف في القدس يوم الخميس الماضي يرافقه مئات من شرطة مكافحة الشغب الإسرائيلية، كان_كما يقول_ يمارس حقا مشروعا لكل يهودي بزيارة أكثر المناطق قدسية لدى اليهود هذا الحق الذي مارسه شارون لمدة خمسة وأربعين دقيقة كان الشرارة التي فجرت خمسة أيام من أعمال العنف الدموية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وامتدت داخل إسرائيل نفسها بين القوات الإسرائيلية والمتظاهرين الفلسطينيين وأسفرت عن سقوط خمسين قتيلا وألف مصاب على الأقل غالبيتهم العظمى من الفلسطينيين

تختلف نظرة الإسرائيليين لشارون، ففي حين يراه البعض الحامي الوحيد للحقوق اليهودية، يراه آخرون الزعيم العنيد الذي قوض جهود السلام، لكن نظرة العرب له واحدة وثابتة

فكل ما يقوله أو يفعله لديه القدرة على إثارة مشاعر الفلسطينيين الذين يحملونه مسؤولية مقتل المئات في مذابح واشتباكات وقعت على مدى عدة عقود ماضية، ولدوره المعروف في مذابح صبرا وشاتيلا في لبنان عام اثنين وثمانين.

وعندما دخل شارون الحرم القدسي الشريف الذي يضم المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة اللذين يدعي اليهود أنهما أقيما فوق بقايا معبد جبل الهيكل، لم يكن هناك شك في أن هذه الزيارة ستثير توترات سياسية ودينية

يقول يوسي بيلين وزير العدل الإسرائيلي وأحد منتقدي شارون إن زيارة مثل تلك التي قام بها شارون بمثل هذا الإعداد والدعاية والأمن الذي صاحبها كان لا بد أن تسفر عن شئ

ويخضع الحرم القدسي الشريف للإدارة الفلسطينية بينما يخضع ما يطلق عليه اليهود جبل الهيكل للسيادة الإسرائيلية

واندلعت الاشتباكات بين قوات الأمن الإسرائيلية والفلسطينيين أثناء زيارة شارون وبعدها، وانصبت الانتقادات على زعيم حزب الليكود المعارض من كل اتجاه، انتقده الفلسطينيون وفرنسا والاتحاد الأوروبي الذي أصدرت فرنسا بيانا باسمه

ولم يسلم شارون من انتقادات الولايات المتحدة، الحليف التقليدي لبلاده. فقد قال ريتشارد بوتشر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن بلاده كانت تشعر بالقلق من زيارة شارون والتي كانت تحمل في طياتها مخاطر إثارة التوترات وهو ما حدث بالفعل

لكن شارون الذي أعلن أن زيارته هي تأكيد وتوضيح للسيادة الإسرائيلية على الموقع، نفى أن يكون مسؤولا عما حدث

وقال في رسالة بعث بها لوزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت: يتعين أن يكون واضحا للجميع أن زيارتي لجبل الهيكل، أكثر الأماكن قدسية لليهود والخاضع للسيادة الإسرائيلية الكاملة، ليست هي ما أدى لتفجر أعمال العنف الحالية

واتهم شارون السلطة الفلسطينية بتدبير أعمال العنف لجني مكاسب على طاولة المفاوضات، وهو نفس الاتهام الذي ردده رئيس الوزراء ايهود باراك الذي يحاول شارون الإطاحة به في تصويت بسحب الثقة من حكومته عند عودة انعقاد البرلمان هذا الشهر

ويقول الفلسطينيون قادة ومتظاهرون إن شارون، الذي يتمتع بكراهية هائلة في العالم العربي، هو السبب في تفشي أعمال العنف

و لا يزال شارون يحتل مركزا بارزا في الحياة السياسية الإسرائيلية، إذ يتزعم حزب الليكود المعارض، ومع احتمال سقوط حكومة باراك الحالية يبرز شارون كأحد المرشحين لرئاسة لحكومة إذا ما أجريت انتخابات جديدة

ويقول زعماء فلسطينيون إن زيارة شارون للحرم القدسي ما هي إلا محاولة منه لتعزيز شعبيته بين الناخبين اليمينيين كجزء من معركة داخلية على قيادة حزب الليكود

ويعد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو أبرز منافسي شارون على قيادة الحزب، والذي قد يفكر في العودة إلى الحياة السياسية خاصة بعد إسقاط اتهامات الفساد التي كانت موجهة إليه

نظرية أخرى طرحها دبلوماسي غربي أمس افترضت أن شارون ربما كان يتوقع أن ترفض قوات الأمن الإسرائيلية دخوله الموقع، مما كان سيتيح له الفرصة باتهام باراك بالتنازل عن السيادة الإسرائيلية عليه

لكن باراك لم يثر حنق الفلسطينيين فقط، بل كان لليهود المتشددين نصيبا من الغضب. فقد اتهم مقال نشر في صحيفة هاارتس شارون بتدنيس المكان المقدس لأنه قام بالزيارة دون أداء بعض الطقوس اللازمة

ولد شارون في كفر ملال عام 1928 لأسرة روسية مهاجرة وتربى في مزرعة في غرب فلسطين تحت الانتداب البريطاني

ويعود دور شارون، جنرال الجيش المتقاعد، في الصراع العربي الإسرائيلي إلى عام 1953 عندما كان ضابطا صغيرا في الجيش وقام بتشكيل القوة 101، التي أغارت على بعض المعاقل الفلسطينية ردا على هجمات شنها الفلسطينيون

وكانت القوة 101 مصدر كره عميق من جانب الفلسطينيين، حيث يتهمونها باستهداف المدنيين الأبرياء. وفي إحدى الغارات قتلت الوحدة تسعة وستين فلسطينيا غالبيتهم من النساء والأطفال في قرية أردنية

وقاد شارون وحدة مدرعة أثناء حربي 1967 و1973 بين إسرائيل والعرب

أما أكثر اللحظات إثارة للجدل في تاريخ شارون الحافل فقد جاءت عام 1982 عندما دبر كوزير للدفاع في ذلك الوقت الغزو الإسرائيلي للبنان لطرد المقاتلين الفلسطينيين منه

وهذه هي العملية التي خرج على إثرها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورفاقه من لبنان، لكنها أيضا خلفت واحدة من أبشع المذابح في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي

قامت الميليشيات المسيحية في لبنان، وتحت إشراف وحماية القوات الإسرائيلية، بقتل مئات اللاجئين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا غرب بيروت في سبتمبر أيلول 1982

وأجبر شارون على التنحي عن منصبه بعد أن أثبت تحقيق إسرائيلي رسمي في المذبحة مسؤوليته غير المباشرة عنها

لكن بدلا من أن تنتهي حياته السياسية، عززت الحرب في لبنان صورة شارون في أعين الكثير من الإسرائيليين باعتباره القائد القوي، وظل شارون في الحكومة متقلدا العديد من المناصب

وتنقل شارون بين عدد من الوزارت قبل المذبحة وبعدها، فقد تولى منصب المستشار الأمني الخاص لرئيس الوزراء اسحق رابين، ثم وزيرا للزراعة والدفاع والتجارة والصناعة والإسكان والخارجية

وعندما كان شارون متوليا لمنصب وزير الاسكان في بداية التسعينيات قاد حملة قوية لتوسيع المستوطنات اليهودية في قطاع غزة والضفة الغربية، معلنا بصراحة أنها محاولة منه لفرض أمر واقع لتصبح عملية التسوية مع الفلسطينيين أو إعلان الدولة الفلسطينية أكثر صعوبة

وفي عام 1998 عينه نتنياهو وزيرا للخارجية، لكنه على طول الطريق كان معارضا لاتفاقات السلام مع الفلسطينيين قائلا إنها خطأ من الأساس وواصفا عرفات بمجرم الحرب