إبراهيم حميدي/الحياة

آلاف المساجد تقدم 400 ألف درس أسبوعي (2 من 2) ...
الأرياف السورية تغذي المدن بالمتشددين...
واحتلال العراق يلهم ثمانية آلاف «جهادي» عربي

تقف مجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية وراء عدم النجاح في التحول الجذري الى العلمانية وتحول المجتمع السوري الى الإسلام بصفته بديلاً. فبعد القضاء على تنظيم «الاخوان المسلمين» بعد قيام كتلة «الطليعة المقاتلة» الجناح العسكري والمتشدد للأخوان بعمليات اغتيال مثقفين ومدنيين، بدأت الحكومة السورية سياسة تشجيع الاسلام المعتدل غير المسيس وخلق قاعدة شعبية واسعة ضمن المجتمع حتى لا تتهم بمعاداة الاسلام دين الغالبية، فشجعت بناء المساجد التي وصل عددها حالياً الى نحو ثمانية آلاف في كل انحاء البلاد. كما أوجدت ما يسمى «مدارس الأسد لتحفيظ القرآن» التي وصل عددها الى 120 معهداً في المحافظات والمدن كلها، اضافة الى معاهد عالية لتدريس علوم الدين التي بلغ عددها اكثر من 22 معهداً لا تستقطب طلاب الدراسات العليا من سورية وحسب، بل من اكثر من ستين دولة عربية وأجنبية، بحسب الدكتور صلاح الدين كفتارو مدير «مجمع ابي النور» الذي أسسه المفتي العام للبلاد الراحل الشيخ احمد كفتارو.

وتقول مصادر متطابقة ان هناك نحو 600 معهد لتحفيظ القرآن موجودة في شكل مستقل أو ملحقة بمساجد. كما ان هناك نحو 40 مدرسة تابعة للشيخة منيرة القبيسي (75 سنة) من أصل نحو 80 مدرسة تنتشر في الأحياء الدمشقية كلها، تدور في فلكها أكثر من 75 ألف امرأة ومربية لآلاف الأسر، وفق تراتبية منظمة في الحلقات الدينية يتم التعبير عنها باللباس النسوي ولون غطاء الرأس. ويقول النائب محمد حبش: «القبيسيات ينشطن في إطار دعوة البنات الى التزام الشريعة الاسلامية. هن لا يمثلن تياراً، بل عبارة عن مدارس لتعليم الاطفال». يضاف الى ذلك ان «المجموعة الإحصائية الرسمية» التي تصدرها الحكومة تقول ان كلية الشريعة الاسلامية تضم نحو 7603 طلاب (3337 طالبة) في السنوات الأربع من اصل 48 ألف طالب في جامعة دمشق. وتخرج كلية الشريعة سنوياً اكثر من 650 طالباً. ويقول أحد المتابعين: «ان وظيفة التدريس الديني محصورة بالدولة التي لديها نحو مئة شخص يقومون بدور التدريس الديني من دون اشتراط ان يكونوا بعثيين».

وفي موازاة الكلية الجامعية جرى تشجيع وجود مدارس تشريعية مناطقية مقربة من أعين السلطات الرسمية عبر الثقة بالمشايخ القيمين عليها. ففي الجزيرة السورية شمال شرقي البلاد هناك «مدرسة الخزنوي» (هو شقيق الشيخ معشوق، وتوفي أيضاً في حادث سير بين مكة المكرمة والمدينة المنورة في تشرين (أكتوبر) الماضي، وفي حلب هناك مدارس الشيخ احمد حسون وهو المفتي الحالي لسورية، وفي دمشق هناك «مجمع ابي النور» وحلقات الشيخ العلامة المنفتح محمد سعيد رمضان البوطي الذي يعطي دروساً اسبوعية في جامع «دينكز» وعلى شاشة التلفزيون الرسمي.

مجمع أبي النور الديني في دمشق (الحياة)

ونما في ظل هذه التجمعات مجتمع أهلي يدور في الحلقات الدينية. فمن اصل 584 جمعية هناك 290 جمعية خيرية ذات توجه اسلامي. وقال المتخصص في شؤون المجتمع المدني الدكتور جمعة حجازي ان عدد الاسر المستفيدة من الجمعيات يبلغ نحو 72751 أسرة وان قيمة المساعدات المقدمة لها عام 2003، بلغت اكثر من 842 مليون ليرة سورية (الدولار يساوي نحو 56 ليرة)، ذلك ان هذه الجمعيات تقدم مساعدات عبر تخصيص رواتب شهرية أو مساعدات علاجية أو غذائية الى الفقراء والمحتاجين. كما انها كانت تقدم خدمات عقائدية سواء عبر الدروس اليومية أو عبر خطبة يوم الجمعة وتنظيم جولات سياحية الى مواقع دينية.

إذاً، الشباب وأبناء الأرياف الذين يشكلون الغالبية السورية يرون أمامهم منبرين لا ثالث لهما: المساجد التي يبلغ عددها نحو ثمانية آلاف وتشهد على الأقل نحو 416 ألف درس أسبوعي في يوم الجمعة ويرتادها ملايين المصلين خصوصاً من الشباب، والمراكز الثقافية البالغ عددها 79 معهداً واربعة مسارح رسمية قدمت في العام ذاته 27 مسرحية لا يتجاوز عدد مرتاديها بضعة آلاف، ووسائل الاعلام الرسمية التي تشمل بيع نحو 60 الف نسخة من الصحف الرسمية الثلاث وخدمات الاذاعة والتلفزيون المتواضعة مهنياً والتي تقهقرت أمام تقدم الفضائيات العربية. بل ان تجربة الاذاعات الخاصة، لا تشجع الجيل المحافظ من الاقتراب منها، ذلك ان جميعها تجاري وفني ومعظمها يقدم بطريقة سريعة تناسب شريحة ضيقة من أبناء المدن الكبرى.

ولأن الشبيبة لم تجد الكثير من الخيارات البديلة القائمة، اتجهت بكثافة الى المدارس الدينية للدراسة، والى المساجد اما للتعبد أو كرد فعل على السياسات الرسمية وما يعتقده الشباب أحادية خطاب الحزب الواحد أو للهروب من الواقع بمشاكله الاقتصادية والاجتماعية القائمة وبقضايا الفساد والبيروقراطية والترهل الاداري والمصاعب الاجتماعية والعائلية.

وتشير الارقام الى ان وتائر النمو السكاني انخفضت من نحو 3.4 في المئة الى نحو 2.4 في المئة. لكن الذين ولدوا في طفرة الزيادة السكانية قبل عقدين، باتوا الآن شباباً، ويدخل 220 الف شخص سنوياً الى سوق العمل، لا تستطيع الحكومة توفير فرص العمل لجميعهم. وبحسب الاحصاءات الرسمية فإن نحو مليون شخص هم من العاطلين عن العمل، علماً ان 80 في المئة من العاطلين عن العمل هم بين سن الـ15 والـ24 عاماً. يضاف الى ذلك، ان خبراء اقتصاديين يعتقدون ان الانفتاح الاقتصادي الانتقائي في السنوات الاخيرة، جعل الاغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقراً مع تعمق الفجوة بين الطبقتين الدنيا والعليا على حساب ذوبان الطبقة الوسطى التي هي أساس أي استقرار وتقدم.

وما يدعم هذه الفكرة ان دراسة أعدها خبراء الأمم المتحدة لمصلحة الحكومة، أظهرت ان سورية تضم نحو 5.3 مليون فقير يشكلون 30 في المئة من السكان (نحو 18 مليوناً)، بينهم مليونا شخص لا يتمكنون من»الحصول على الحاجات الأساسية من الغذاء وغيره»، وان معدلات الفقر تصل الى 60 في المئة بين اهالي المناطق الشمالية والشمالية الشرقية، وهي الأغنى في الموارد الطبيعية من نفط وغاز ومياه ومحاصيل زراعية.

«ثورة» بديلة

ما عزز البحث عن «البديل الديني» وجود عوامل خارجية اقليمية ودولية. فكل عقد من العقود الثلاثة الماضية شهد حدثاً عزز تثبيت دعائم الاصولية في الشرق الاوسط والعالم. اذ تزامن القضاء على تنظيم»الاخوان» مع اندلاع «الثورة الاسلامية» في ايران في نهاية السبعينات ومع تحالف الحكومة السورية معها ضد النظام العراقي الذي يفترض نظرياً أن يكون شريك سورية في «بعثيته».

وفي نهاية عقد الثمانينات، جاء انهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية التي كانت تمثل حليفاً للحكومة السورية، الا ان هذا الانهيار لم يضعف التحالفات الاستراتيجية للحكومة فحسب، بل طرح شكوكاً كبيرة في العقيدة الاشتراكية وانجازاتها المجتمعية، انعكست في النسيج الاجتماعي لسورية، فحرم آلاف الشباب من فرصة السفر الى أوروبا الشرقية ليذهب عدد كبير منهم الى «الخيار الآخر» وهو البحث عن فرص عمل في مجتمعات الخليج المحافظة.

وفي مقابل إعلان عقد التسعينات فشل عدد من الأنظمة الاشتراكية وعدم تقديم الاحزاب اليسارية والقومية حلولاً للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في مجتمعاتها واصابة الأحزاب الحاكمة بالتـــــرهل بفـــعل البقاء في الحكم فترة طويلة وعدم تحقيق إنجازات واسعة داخلياً، فان الأحزاب الاسلامية كانت تحقق الانتصارات الشعبية وتصلب عود قاعدتها الاجتماعية في وقت كانت السنوات الأخيرة تشهد انتشار التشدد الديني والقومي في العالم والمنطقة.

كان الرأي العام السوري والشبيبة الناشئة يراقبان الانتصارات التي باتت تحققها المنظمات الاسلامية ضد اسرائيل العدو الاساس شعبياً. اذ ترك دور»حركة المقاومة الاسلامية» (حماس) و»الجهاد الاسلامي» في تفجير الانتفاضة الاولى في نهاية الثمانينات ثم الانتفاضة الثانية، اثراً ايجابياً في رفع همة الممارسة الاسلامية وقبول العمليات الفدائية كخيار جهادي. وعلى رغم ان اتفاق «الجنتلمان» القائم بين قيادات «حماس» و»الجهاد» وسورية يمنع هذه المنظمات من ممارسة النشاط الدعوي بين السوريين وبين نحو 450 الف لاجئ فلسطيني، فان مجرد وجود قياداتهم مثل رئيس المكتب السياسي لـ»حماس» خالد مشعل وزعيم «الجهاد» رمضان شلح في الاراضي السورية هو بمثابة «الملهم» للكثير من السوريين، طالما ان العقيدة «البعثية» راحت تقترب في السنوات الاخيرة رويدا من «الخيار الاسلامي» لتغطية الفراغ الذي احدثه انهيار الكتلة الشرقية من جهة وبعض الخيبات الداخلية من جهة ثانية والبحث عن عناصر جديدة لشرعية سياسية بديلة من جهة ثالثة.

ولا شك في ان الدور الذي لعبه «حزب الله» بدعم رسمي ورعاية من الحكومة السورية، في انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان للمرة الأولى امام طرف عربي مقاتل، كان عاملاً حاسماً في تعزيز القناعة التي كانت تترسخ: الاسلام هو الحل. اما موضوع التطرف فيمكن فهم بعض سياقاته على خلفية وصول بعض مسارات الصراع العربي - الاسرائيلي الى جدار مسدود وتحول المجتمع الاسرائيلي باتجاه التشدد في النصف الثاني من عقد التسعينات، وانتقال رئاسة الوزراء بعد اغتيال اسحق رابين نهاية عام 1995، من رئيس حزب العمل شمعون بيريز الى رئيس تكتل «ليكود» بنيامين نتانياهو، ثم اجتياح آرييل شارون وتكتله المشهد السياسي ثم الاراضي الفلسطينية التي كانت أصبحت تحت سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو لعام 1993.

يضاف الى هذا، ان الحس الطائفي الذي راح يتنامى الاعلان عنه في السنوات الأخيرة بفعل اعادة تغيير الهيكل السياسي في العراق بعد الاحتلال الاميركي ومأسسة الطائفية السياسية في لبنان، يشكل واحداً من الاسباب التي تقف وراء اتجاه عدد من السوريين الى الاسلام بديلاً من الهوية القومية - العلمانية، على رغم المساعي الحثيثة التي استمرت لعقود وهدفت الى تعزيز الوحدة الوطنية وتقوية الشعور المدني.

معبر... ومقر

من غير المؤكد ان السوري المتوسط الناشئ ضمن الظروف المذكورة يعتبر ان تفجيرات 11 ايلول (سبتمبر) إرهابية، وفق ما يراها المثقفون وممثلو الحكومات العربية التي رأت فيها إرهاباً مداناً أخلاقياً وسياسياً ودينيا. يمكن الاعتقاد ان كثيراً من الشباب المسيس اعتبر هذه الانفجارات دليلاً على ان «الاسلام هو الحل». ويعتقد كثيرون بأن منظمة صغيرة بإمكانات محدودة واجهت القوة العظمى لأنها تبنت العقيدة الاسلامية، بينما عجزت أنظمة عربية من المحيط الى الخليج عن تقديم الانتصارات المرجوة او الموعودة في الخطابات العلنية.

سبق ان كانت طرحت القومية العلمانية في العقود الفائتة حلاً لمشاكل «الأمة» وطريقاً لتحقيق تطلعاتها المشروعة. غير ان الأحداث والوقائع على الارض لم تقدم الدليل على صدقية هذا الحل وذاك الطريق، الأمر الذي اسهم جذرياً في تبني الاسلام حلاً بديلاً.

ويرى حبش ان الأسباب الاساسية للمد الاسلامي كانت السياسات الاميركية في الشرق الأوسط. ويوافق آخرون على ذلك، لكنهم يرون ان «العوامل الداخلية تلعب دوراً كبيراً ويجب عدم اغفالها». وما حصل في العراق في السنتين الاخيرتين عزز الاتجاه الى التدين بصفته خياراً سياسياً. فالرئيس المخلوع صدام حسين، عندما تأكد ان تجربة «الحزب القائد» لم تنجح بما يكفي لجأ الى الاسلام كعقيدة رديفة وتحالف مع الاسلاميين في نهاية التسعينات لتعزيز قاعدته الشعبية.

كما تحالف «البعث» العراقي مع القوى الاسلامية كي يقاتل الاميركيين. قدم «البعث» الخبرة القتالية - العسكرية، والاسلاميون قدموا الدعم العقائدي والبشري. لكن المدهش كان مستوى الانتشار الأفقي للاسلام السياسي في العراق، حيث ان مثالب التجربة القومية - العلمانية وفشلها في العراق كانت وراء بروز الهوية الاسلامية البديلة فيه التي تم التعبير عنها في الانتخابات في نهاية العام الفائت، عبر تسجيل بروز الدور السياسي لرجال الدين الشيعة والسنة والمؤسسات والمراجع الدينية على حساب المراجع الحزبية والمدنية.

وتطرح ظاهرة توجه آلاف الشباب من المتطوعين من بلدانهم الى العراق لـ»الجهاد» حقيقة ان المارد الاسلامي الذي صنعته وعززته أنماط الفشل المختلفة في الدول العربية، خرج الى العلن.

وبحسب مذكرة سلمتها وزارة الخارجية السورية في خريف 2005 الى سفراء الدول المعتمدين في دمشق فان سورية اعتقلت او حققت مع نحو ثمانية آلاف اسلامي متطرف حاولوا الدخول الى العراق او قاتلوا فيه، بينهم نحو 1600 عربي سلموا الى دولهم، واعتقال نحو أربعة آلاف سوري، إضافة الى تسليم 2500 عراقي الى حكومتهم.

وجاء في دراسة نشرها موقع «مؤسسة جيمس تاون» الالكتروني في آب (اغسطس) من عام 2005، ان من «اخطر مظاهر» القضاء على «الاخوان» في الثمانينات، هو ظهور جيل جديد من الحركات السلفية في سورية من تحت عباءة قيادات «الاخوان» التي هربت الى أوروبا في بداية الثمانينات. ولعل من ابرز هؤلاء مصطفى ست مريم المعروف بـ «ابي مصعب السوري»، والذي يعتقد انه من «ابرز منظري تنظيم القاعدة» وانه «يدير عمل القاعدة في أوروبا». وهناك أيضاً محمد حيدر زمار المعروف بـ «الدب السوري» الذي يشتبه في انه كان وراء تجنيد محمد عطا واخرين ساهموا في تفجيرات 11 ايلول 2001.

وكانت مصادر متطابقة قالت انه تم نقل زمار من ألمانيا الى المغرب ثم الى سورية حيث لا يزال معتقلاً منذ نحو أربع سنوات، في إطار «التعاون الامني» بين سورية واميركا والذي بدأ بعد أحداث 11 أيلول، ثم «جمد» في أيار 2005، بحسب إعلان السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى.

ان وجود اتجاه لدى بعض الشباب السوري للتعبير عن آرائه بالعنف وتحول سورية الى «معبر أو مقر» للمتطرفين العرب والتنبه الى احتمال تفشي ظاهرة «العراقيين العرب»، كانت عوامل مقلقة جدا للحكومة السورية في ضوء حساسية التوازن الداخلي والضغوط الخارجية. وربما كانت هذه القضايا من ضمن الاسباب الاساسية لقيام السلطات السورية باتخاذ عدد من الاجراءات لمكافحة هذه الظاهرة. وتمثلت بـ «العمليات الاستباقية» التي جرت في عدد من المدن في الأشهر الأخيرة من جهة، وفرض قيود شديدة على دخول المواطنين العرب المتراوحة اعمارهم بين 18 و30 عاماً الراغبين في القدوم الى سورية، باعتبار انهم «مجاهدون محتملون» من جهة ثانية. علماً أن السلطات الرسمية رسمت «خطاً احمر» فاقعاً يمنع أي علاقة بين تنظيم «الاخوان المسلمين» في الخارج والشارع السوري المحافظ.

وعلى رغم بعض «الخروق» التي يقوم بها بعض المعارضين أمثال رئيس «الحزب الشيوعي - المكتب السياسي» السابق رياض الترك الذي اجتمع تلفزيونياً مع المراقب العام لـ «الاخوان» صدر الدين البيانوني، تم الكشف في الأشهر الاخيرة عن الرسالة الرسمية التالية: ممنوع بتاتاً، أي علاقة بين «الاخوان» كتنظيم سياسي محظور والشارع الاسلامي والمحافظ الذي يبحث عن حاضنة سياسية، وأيضاً بين «الاخوان» وشخصيات «المعارضة» التي تكاد شعبيتها تنحصر في كوادرها الناصرية والشيوعية والقومية الطاعنة في السن والقليلة العدد. وكانت إحدى تجليات ذلك، عملية اعتقال الكاتب علي عبد الله لمجرد انه قرأ بياناً باسم «الاخوان» في منتدى ثقافي دمشقي، قبل إطلاقه عشية عيد الفطر المبارك الاخير.

«الخط الاحمر» عززته توجيهات المؤتمر العاشر لحزب «البعث» بضرورة «فضح وتعرية» تنظيم «الاخوان» الذي يتعامل مع الخارج، بحسب نص التقرير. وعاد وأكد على ذلك الرئيس بشار الأسد في جلسة مغلقة عقدت في نهاية مؤتمر الحزب الحاكم، بحسب مصادر حضرت الاجتماع. كما ان المسودة المطروحة لقانون الاحزاب السياسية، تمنع ترخيص أي حزب على أساس ديني أو طائفي أو عرقي أو مناطقي.

لكن كل ذلك، لا ينفي زيادة اتجاه السوريين نحو التدين ولا يلغي الواقع الذي يشهد اتساع رقعة المتدينين وبدء ظهور بقع سلفية ونتوءات تكفيرية او مسلحة. وما يحصل في العراق يزيد هذا التعقيد، إذ ان نزعات طائفية وعرقية ومناطقية ودينية بدأت بالظهور على خلفية اعادة تشكيل النظام السياسي في العراق، لا شك في انها كانت من اسباب التعبيرات العنفية التي ظهرت في أوساط أكراد سورية واسلامييها في السنتين الاخيرتين.

لذلك، فإن معالجة ظاهرة الاسلام السياسي معقدة ومتشابكة، ويمكن ان تكون وفق النموذج الذي اقترحه الرئيس بشار الاسد في محاضرة ألقاها في موسكو في كانون الثاني (يناير) 2005، ويتضمن ست خطوات:»حل بؤر التوتر في العالم وفي مقدمها قضية الصراع العربي - الاسرائيلي، تحسين الاداء السياسي، الحوار، مكافحة الجهل والتنمية وتحسين الوضع الاقتصادي، العمل الامني الذي يجب ان يتوازى مع المحاور الاخرى».

على الصعيد الواقعي، هذا يعني اجراء اصلاحات اقتصادية وسياسية عميقة وفق رؤية واضحة، تسمح بحرية التعبير وبالتعددية السياسية والحزبية، إضافة الى حل مشاكل البطالة وردم الهوة بين الطبقتين الدنيا والعليا. ولا شك في ان توقيع الحكومة اتفاقاً مع «البرنامج الانمائي للأمم المتحدة» لتدريب الشيوخ ورجال الدين على «محاربة التعصب» خطوة أساسية خصوصاً اذا تزامنت مع تعديل المناهج التربوية في المدارس والمساجد من جهة ومع تحقيق الاصلاحات المذكورة من جهة أخرى.

وعلى الصعيد النظري، لا بد من القول ان الفراغ العقائدي الذي أوجده الجمود القومي والعلماني وعمل الإسلام السياسي على ملئه، يحتاج في سورية الى دارسة متفحصة بعمق. هذا اذا أريد للتعددية السياسية والحزبية ان تكون بحق مرآة تعكس التوجهات المتجذرة في أعماق المجتمع السوري. والمقصود التوجه العروبي والنزوع الى الاعتدال والوسطية في فهم المعتقد الديني وتناوله.

ويقول مسؤول سوري لـ «الحياة» ان «التوجه العروبي يستدعي موقفا تجديدياً للفكر القومي يستوعب متطلبات الحاضر والمستقبل. والنزوع الى الاعتدال يتعزز بتحسين الأداء العام وبالحوار الوطني المفتوح الهادف الى الوصول الى قواسم مشتركة بناءة